شاهد من العصر الحلقة الأخيرة

في الحلقة السابقة تحدث البروفيسور محمد علي عن رحلته إلى بريطانيا لنيل الماجستير وكيف إستطاع خلال عام من نيل ثقة عمدة مدينة نيوكاسل ورئيس بلديتها. 

اليوم وفي الحلقة الرابعة يدور الحديث حول رئاسته للرابطة الإسلامية، وكيف إستطاع في تصحيح بعض الأفكار السوداوية عن الإسلام والمنتشرة في الغرب، وكيف كان لايخاف لومة لائم في قول كلمة الحق فيهاجم سياسة الإنجليز في عقر دارهم ويذكر كلمة حق في الإسكتلنديين رغم حساسية أمرهم مع الإنجليز. وخلال الحلقة أيضا سيتم تناول حرب 1967م وكيف إستبسل أهل خانيونس في الدفاع عن مدينتهم، نترككم مع الحلقة، وفي الختام لنا كلمة:

 

ان الكلمة التي ألقيتها في الاحتفال كنت قد استوحيتها من الاوضاع السياسية في بريطانية، فكان حزب العمال البريطاني هو الفائز في اخر انتخابات جرت في البلاد قبل عام وقد شكل الوزارة المستر هارولد ويلسون زعيم حزب العمال، وفي تلك الفترة زادت اعداد المهاجرين الى بريطانية والقادمين من دول الكومنويلث، وبخاصة من الهند وباكستان ودول افريقية مما اثار حنق البريطانيين وتصاعد التفرقة العنصرية، وبدأت تظهر في الصحف دعوات بسن قوانين تحد من الهجرة او منعها، وكان عضو البرلمان المستر انوك باول من اكثر العنصريين المتشددين وصار يطالب بترحيل المهاجرين للحفاظ على نقاء العنصر البريطاني الانجلو سكسوني.

 

بدأت كلمتي بالسلام والشكر والتحية ثم قلت  بأنكم  تعودتم سماع كلمات المجاملة التي يشيد فيها ضيوف الشرف الذين سبقوني في الاعوام الماضية  فيكيلون المديح لكم ولكنهم ينتقدونكم بشدة فيما بينهم وهذا لعمري هو النفاق بعينه، ان المثل العربي يقول: صديقك من صَدَقَكَ لا من صَدّقَكَ، اي أن  صديقك من قال لك ما ينبغي أن تسمعه ولا يسمعك ما تحب ان تسمعه أنت. يروى أن الخليفة  العباسي المنصور،  المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، قال للفقيه الشهير سفيان الثوري، معاصر ابي حنيفة صاحب المذهب الفقهي المعروف، عظني يا سفيان، فقال سفيان: يا أمير المؤمنين لان تصحب من يخوفك ويحذرك خير من أن تصحب من يمدحك. واني في هذا اللقاء سأسير على نهج هذا العالم الفقيه والجريء واتوجه لكم بالنصيحة المخلصة، فأقول: ان هذه الدعوات التي تبث في وسائل الاعلام والتي تظهر الكره للاجانب وتطالب بترحيلهم من البلاد، هي دعوة عنصرية مقيتة وكريهة انصحكم بمحاربتها، وأقول لكم الليلة ومن هذا المنبر بأن العنصرية دخيلة على المجتمع البريطاني واخشى ان لم تقضوا عليها سريعا فانها ستعمل على تدمير سمعتكم  وتشكك في ديموقراطيتكم التي تتباهون وتتفاخرون بها بين الامم. ان هؤلاء الذين تطلبون بطردهم من بلادكم كنتم قد استعمرتم بلادهم ونهبتم خيرات أوطانهم واستعبدتم شعوبهم ونكبتم ديارهم كما نكبتم الفلسطينيين بالصهانية، وقد اقامت بريطانية امبراطوريتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس وبنت اقتصادها المتين على خيرات بلاد هؤلاء المساكين الذين تطالبون اليوم بترحيلهم، واني ومن هذا المنبر اكرر القول بأن على البريطانيين ومع تقديري واحترامي لهذا الشعب العظيم ان يحارب هذه الدعوات العنصرية الكريهة.

 

ولما عدت الى  مقعدي بجانب  مندوبة الملكة قالت لي بنبرة لا تخلو من انفعال: لقد سحبت الليلة البساط واظهرت ما يخفيه من أوساخ، وبمجرد  خروجي من قاعة الاحتفال التف حولي بعض العرب من العراقيين والمصريين وقالوا بأنني كنت في منثهى الصراحة والجرأة  وأنهم يخشون علي من ان تقوم السلطات البريطانية بترحيلي من البلاد، فقلت لهم بأني لا أخشى شيئا وان ضميري مرتاح جدا لانني  قلت ما في نفسي وعبرت عن رأيي. وعلى عكس ما كانوا يتوقعون فقد دعاني اللورد ماير فيما بعد الى مكتبه وشكرني على صراحتي  وشجاعتي.

 

ولذلك لا بد من الاعتراف بالحرية التي يتمتع بها الانسان في تلك البلاد والتي نفتقدها للاسف في بلادنا العربية، لقد عرفت قيمة نفسي كانسان له تقديره واحترامه ولاول مرة في بريطانية، اما في بلادنا فالانسان ليست له قيمة بذاته وانما يستمد قيمته وتقديره بحسب القبيلة او العشيرة التي ينتمي اليها او المركز الرسمي الذي يحتله او المال الذي يملكه. لا يخفى على الكثيرين منا بأن النهضة الاوروبية اعتمدت في قيامها على عدة عوامل ومقومات، لعل من اهمها الاعتراف بأن الانسان قيمة لا تعادلها قيمة. وقلت في نفسي: متى يصبح للانسان قيمة لذاته في بلادنا؟، مع العلم ان الاسلام سباق في هذا المجال فقد جاء في القران الكريم قوله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ،,,الاسراء  70

 

 

 

 

لقد حرصت منذ وصلت بريطانية على المساهمة في الانشطة والفعاليات التي يطلب مني المشاركة فيها ووجدتها فرصة جيدة للتعرف على الحياة في بريطانية وطبيعة المجتمع البريطاني وعاداته وتقاليده ومعالم البلاد الجغرافية بالاكثار من زيارة المدن والقرى والاقاليم المختلفة. وربما كان ذلك لنوعية الدراسة التي تخصصت فيها، وهي الجغرافية التطبيقية اذ كان لها دور كبير في هذا الفضول العلمي، لقد كنت واحدا من تسعة اشخاص ندرس هذا التخصص ولاول مرة في بريطانية. وكان جميع زملائي انجليزا، وكنت العربي، بل الاجنبي بينهم. وكان العمل الميداني والدراسة على الطبيعة تتطلب زيارة مناطق متعددة في بريطانية، وكانت الدراسة تركز على مقرر التخطيط الاقليمي و بصفة خاصة قضايا اقتصادية مثل متطلبات المواقع الصناعية والخدمات وتخطيط مواقع المدن الصناعية ومواقع المستوطنات البشرية واقامة البنية التحتية كالطرق والجسور .. الخ. والحق يقال انني استفدت كثيرا من  الدراسات الميدانية ومن الزيارات الى وزارة التخطيط البريطانية في لندن كذلك من البحوث التي قمت بها حينما كنت اعد الاطروحة التي اعددتها لنيل درجة الماجستير عليها وعنوانها: الحدود الادارية في شمال شرق بريطانية، وقد بحثت فيها الاسس التي استند عليها المخططون في اعادة رسم هذه الحدود وحللتها وقيمتها وناقشت الانتقادات التي وجهت لها وطرحت آرائي ومقترحاتي. وقد نالت رضاء لجنة المناقشة وأجازتها وأوصت باستحقائي لدرجة الماجستير، وعلى اثرها تم ترشيحي لاعمل ضمن فريق المخطط البريطاني الشهير بوكانن الذي اوكل اليه عمل المخطط الهيكلي لدولة  الكويت عام 1970.

 

بعض الزيارات التي نظمها المعهد البريطاني واشتركت فيها لم تخل من مواقف تعرضت لها او انا وضعت نفسي فيها لعل من بينها موقفا لا زلت اذكره، ففد اشتركت مع زملاء انجليز لزيارة ادنبرة عاصمة اسكتلندة والتي كانت في الماضي مملكة مستقلة. ولا تزال هناك حساسية بين الانجليز والاسكتلنديين، ويتهم الانجليز الاسكتلنديين بالبخل.

 

تحركت بنا الحافلة في الصباح الباكر متجهة نحو الشمال الى ادنبرة وعبرنا نهر التويد الذي يفصل انجلترا عن اسكتلندة ومررنا بجبال تشيفيوت التي تعد الحدود الطبيعية بين انجلترا واسكتلندة، وقد كانت في الماضي اخر حدود الامبراطورية الرومانية والتي بسطت نفوذها وسيطرتها على انجلترا ولكنها لم تستطع احتلال اسكتلندة.

 

وصلنا ادنبرة قبيل الظهر واحتفل بنا الاسكتلنديون ودعونا لتناول الغداء فطلبت مني منظمة الرحلة المس والاس بالقاء كلمة شكر نيابة عن المجموعة فارتجلت كلمة قلت فيها: الشكر كل الشكر لكم ايها الاسكتلنديون على كرمكم هذا والذي يثبت انكم كرماء وهذا ينفي ما كنا نقرأه في الكتب الانجليزية التي اتهمتكم بالبخل والتقتير، واني في الوقت نفسة لا يسعني الا ان اشيد ببطولتكم وشجاعتكم اذ لم تستطع الامبراطورية الرومانية رغم قوتها وعظمتها -وكانت أكبر امبراطورية في العصور القديمة-  من قهركم واخضاعكم واحتلال بلادكم بينما احتلت جميع البلاد الانجليزية وستظل جبال تشيفيوت الشامخة تشهد لكم بالبطولة وشرفتموها بعد ان جعلتموها حدود وطنكم وحرسه الامين واني امل ان تستعيدوا بناء مملكتكم بالتحرر ولكم تحية من اخوانكم عرب فلسطين، فأنتم وهم مقاتلون أحرار فأنتم تطلبون الحرية لبلدكم  من الانجليز الذين احتلوا بلدكم وقضوا على مملكتكم كما نكبونا بالصهيونية التي أقامت اسرائيل على وطننا فلسطين.

 

 فضجت القاعة بالتصفيق ولكن المس والاس امتعضت واتهمتني بأني اصطاد في الماء العكر فقلت لها بأني لا ابالي واني ما قلت الا الحقيقة ويبدو انك لم تقرأي التاريخ جيدا.

 

لقد كنت حريصا على الاختلاط بالشعب البريطاني، كما سبق وقلت، وبصفتي رئيسا للرابطة الاسلامية في المنطقة فقد كنت ادعى لالقاء محاضرات للتعريف بحقيقة الاسلام وسماحته وتسامحه واعترافه بالاديان السماوية ودعوته لفتح حوار مع اهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكنت اركز على القواسم المشتركة بين الاديان وبخاصة القيم والمثل العليا ومحاربة الظلم والطغيان والاستبداد والفساد والدفاع عن المظلومين والمضطهدين والعمل على نشر العدل بين الناس، وأن على جميع الاديان التعاون في هذه المجالات والعمل على نصرة شعوب شردت وطردت من ديارها وأوطانها، وكنت اركز هنا على ما تعرض له الفلسطينيون من مذابح وتشريد، وان المسيح عليه السلام، وهو فلسطيني، عانى الكثير وضحى بنفسه لاجل الانسان والانسانيه والقيم الربانية، ولماذا نسكت اليوم على ما يتعرض له  شعب المسيح، وهو الشعب الفلسطيني، بمسيحييه ومسلميه الى هذا الظلم؟ الا ينبغي علينا ان نشترك معا في رفع هذا الظلم ان كنا مؤمنين حقا؟

 

وأحمد الله ان محاضراتي كانت تلقى الكثير من الاستجابة، وكان يتبعها الكثير من النقاش المفيد والحوار البناء، وكثيرا ما كانوا يتساءلون: ولماذا المسلمون اليوم متخلفون ما دام دينهم بهذا الشكل الممتاز!! وكان ردي لانهم تخلوا عن دينهم واصبحوا مسلمين اسما. وذكرت لهم ما قاله الامام محمد عبده المتوفى عام 1905 بعدعودته من زيارة قام بها الى باريس وذلك حينما سأله الناس: ماذا وجدت في باريس يا امام، فقال قولته الشهيرة: وجدت مسلمين ولم اجد اسلاما ولكن في بلادنا اجد المسلمين ولا أجد الاسلام.

 

في بداية عام 1967 قام فريق من البريطانيين بجولة على أماكن العبادة للتعرف على الاديان المختلفة في المنطقة وكان يضم الفريق أطباء ومهندسين ورجال قانون واعضاء في البرلمان، وكان لا بد ان اكون حاضرا في هذا اللقاء، وقد طرحت في اللقاء الكثير من الاسئلة هدفها التعرف على الاسلام، ولكن كان بعضها هجوميا مثل السؤال الذي طرحته  صبية جميلة في العشرينيات من العمر وترتدي ملابس ملفتة منها تنورة فوق الركبة (ميني جيب)، قالت الفتاة: ان دينكم لا يحترم المرأة فيميز بينها وبين الرجل، انه دين ذكوري؟  وطلب مني زملائي بالرد عليها، ففكرت بسرعة وقلت لنفسي بأني لو ذكرت لها جميع المراجع و بجميع  اللغات فانها لن تقتنع ولكن لا بد من ان أسالها سؤالا اعرف كيف اقنعها عمليا,,فسألتها: وكيف حكمت على الاسلام بأنه لا يحترم المرأة؟ فقالت: لقد زرنا جميع اماكن العبادة في المنطقة ووجدنا الرجال والنساء معا جنبا الى جنب ولكني لا أجد امرأة بينكم الان، فقلت بأن الإسلام لا يمنع وجود السيدات في المسجد، وفي الحج يؤدي النساء والرجال جميع الشعائر معا وان عدم حضور السيدات اليوم لان من دعوناهن اعتذرن لارتباطهن بامور خاصة بهن، وطرحت سؤالا آخر: لقد سمعت ان المرأة عندكم تصلي خلف الرجل، فلماذا لا يسمح لها بالصلاة الى جانب الرجل أو أمامه؟ فقلت لها انت لاتعرفين طبيعة الصلاة في الاسلام. وطلبت من احد المصلين ان يصلي امامها، وقلت ان في صلاتنا  وكما تشاهدين  ركوع وسجود، فلو كنت تصلين امام رجل وركعت ثم سجدت وانت تلبسين التورة الميني جيب وبدت له اجزاء حساسة من جسمك فهل سيكون في هذه الحالة مع الله ام معك؟  ستكونين قد افسدت صلاته، والصلاة كما هو معلوم صلة بين الانسان وربه وفيها يخاطب الشخص الاله، واذا كنتم انتم في بريطانية تقولون للشخص الذي يقاطع من يحدث الاخر بأنه وقح، فماذا نقول للشخص الذي يكن مسؤولا عن صرف الشخص الذي يصلي عن ربه، الا تعتقدين انه ارتكب ذنبا؟ فقالت على الفور: لقد اقنعتني الان وشكرا وضجت القاعة بالتصفيق.

 

استفسر عضو في الفريق البريطاني عن النداء الذي نبدأ به الصلاة، وهو: الله أكبر، ثم لماذا نرفع ايدينا مفتوحة ونضع الابهامين عند الاذنين عندما ننوي الصلاة؟ فأجبت قائلا: نحن جميعا وأنتم ايضا حينما نحادث أحدا بالتلفون نقول: ألو، وهي كلمة نداء المتكلم للسامع على الطرف الاخر من الخط، وليس لها معنى لغوي محدد، وبما ان الصلاة هي اتصال الانسان بربه، فلا يجوز ان نناديه بكلمة ألو وانما بنداء يليق بعظمته، فنناديه قائلين: الله اكبر، وهي الكبرياء لله جل في علاه. وأما رفع اليدين عند الاذنين فهي دلالة تعني انني في الفترة التي اتصل فيها بربي فانني اشير بيدي وبحركة ذات معنى بأنني أخرجت نفسي من العالم المادي الى العالم الروحاني، وحينما أنهي صلاتي أودع هذا العالم الروحي بالسلام قائلا يمينا وشمالا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبهذا اكون قد عدت الى عالمي الدنيوي.

 

في شهر مايو من عام 1967 ساءت الاحوال في منطقتنا العربية، وذلك حينما هددت اسرائيل سوريا بشن هجوم عليها، ثم تلاحقت الاحداث وعبأت مصر قواتها وطلب الرئيس جمال عبد الناصر من سكرتير عام الامم المتحدة آنذاك المستر يوثانت، بسحب قوات الطواريء الدولية من مضيق تيران بالقرب من مدخل البحر الاحمر واعتبرت اسرائيل ان ذلك بمثابة اعلان حرب وايدتها في ذلك الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، ودون الدخول في التفاصيل فان الحرب اصبحت وشيكة، وقد كتبت في مذكراتي انذاك بأنني متخوف من هذه الحرب واني اعتقد بأنها مصيدة ومؤامرة تم اعدادها بتدبير محكم ومخطط هدفه التخلص من عبد الناصر وانهاء نظام حكمه ودعوت الله ان ينير بصيرة قادة أمتنا، وقد بنيت استنتاجي من التقارير والتحليلات الاخبارية وتصريحات القادة الغربيين والاخبار التي تبثها وكالات الانباء ومحطات التلفزة العالمية.

 

قي الخامس من يونيو / حزيران نشبت 1967 نشبت الحرب  بشن اسرائيل غارات جوية مكثفة دمرت فيها الطائرات الحربية المصرية  وهي جاثمة على ارض المطارات، وفي خلال ست ساعات كانت المؤشرات تدل بأن الحرب كانت لصالح اسرائيل. وبعد ستة ايام توقفت الحرب باحتلال اسرائيل لكامل التراب الفلسطيني بسقوط الضفة الغربية وقطاع غزة واراض عربية هي الجولان السورية وسيناء المصرية. ولا بد من الاشارة هنا بان سكان قطاع غزة استبسلوا في الدفاع عن القطاع، وان اشد المعارك دارت على ارض خانيونس والتي كانت اخر من استسلم في القطاع رغم وصول القوات الاسرئيلية الى قناة السويس.

 

مما لفت انتباه وكالات الانباء العالمية الى استسلام المدينة، ولن أنس العنوان الرئيسي في الجريدة المسائية بمدينة بيوكاسل، حيث كنت أقيم، يقول: سقوط مدينة خانيونس أخيرا.

 

لقد أثرت الهزيمة  في نفسي حتى كدت أن أصاب بالاحباط، فامتنعت عن الذهاب للجامعة واعتكفت بالمنزل، ولن انس تعاطف زملائي الانجليز معي ومواساتهم لي، طلابا واساتذة، وقد زارني رئيس القسم في منزلي وأبدى استعداده لتقديم اي مساعدة ممكنة، فطلبت منه تقديم موعد امتحاني لاتمكن من السفر حتى اطمئن على الاسرة والاهل والاقارب فوعد ببذل ما يمكن بذله واقناع ادارة الجامعة والممتحن الخارجي، وأحمد الله ان مساعيه كللت بالنجاح ووافق الممتحن الخارجي البروفبسر ادواردز على أن يناقش الرسالة التي اعددتها عن الحدود الادارية في شمال شرق انجلترا في جامعة نوتنجهام حيث كان رئيسا لقسم الجغرافية فيها وفي الوقت نفسه رئيس اتحاد الجغرافيين البريطانيين انذاك، ونظرا لعدم معرفتي بالمدينة وبمكان الجامعة وتقديرا لوضعي النفسي بسبب الحرب فقد استعد لاسقبالي على محطة سكة حديد مدينة نوتنجهام.

 

وجدت البروفيسور ادواردز في المحطة في اسقبالي وعرفني من ملامحي الشرق اوسطية واخذني بسيارته الى الجامعة حيث قام بمناقشة الرسالة، وبعد الانتهاء دعاني للعشاء معه بمطعم الجامعة، وفي أثناء تناول العشاء قال لي بأنه معجب بغزارة معلوماتي في علوم كثيرة لاني كنت استخدم معلومات من تخصصات مختلفة لاثبات وجهات نظري، ووصفني بالموسوعي. وقال: كيف تمكنت من الحصول على هذا الكم من المعلومات وأن لك ذاكرة قوية استطاعت الاحتفاظ بها، وعرض علي الدراسة للحصول على درجة الدكتوراة.

 

عدت الى مدينة نيوكاسل وبدأت الاستعداد للعودة الى الكويت، وركبت القطار الى لندن متوجها الى مطار هيثرو لركوب الطائرة الى الكويت، واستعد صديق عراقي وفي مخلص اسمه عباس العطار بارسال حوائجي شحنا بالبحر الى الكويت.

 

حمدت الله لاطمئناني على الاسرة والاهل والاقارب وبخاصة من كان في قطاع غزة ولكن ساءني احوال الناس ونفسياتهم بسبب هزيمة نكراء لم يكونوا يتوقعونها أبدا،  لقد كانوا يظنون بأن القوات العربية، وبخاصة المصرية ستقضي على اسرائيل وسيرجع الفلسطينيون الى ديارهم وأوطانهم وصدقوا ما كان يقوله أحمد سعيد - رئيس اذاعة صوت العرب من القاهرة- من تمكن القوات المصرية من اسقاط الطائرات الاسرائيلية المغيرة، وهذا للاسف لم يحدث، في أثناء الحرب تقدمت أعداد غفيرة من الفلسطينيين للتطوع والاشتراك في الحرب وأقاموا معسكرا في الكويت لاسقبال المتطوعين وارسالهم الى جبهات القتال وتقبل المساعدات والامدادات للمقاتلين، وكم كانت خيبتهم كبيرة حينما تكشفت لهم الحقيقة المرة بهزيمة نكراء ودعاية كاذبة ومضللة.

 

إلى هنا تنتهي الحلقة.

 

 

كما رأيتم أربع حلقات شيقة ومفيدة لأحداث تاريخية عاصرها رجل علامة يُشهد له من كبار الأكاديميين والعلماء، أحداث لن نحصل على تفاصيلها في أي كتب أخرى، بلغ العقد الثامن لكن لازال يمتلك ذاكرة قوية لأحداث قديمة يصفها بدقة ويصف أماكن وقوعها بدقة متناهية، في كل حلقة إن قرأناها بتمعن سنجد المعلومات المهمة.

وكما هو ملاحظ فلم يتم الإجابة على كل الأسئلة فلازال هناك الكثير من الأمور كنا نحب أن نعرفها، لكن لقد أثقلنا عليه كثيرا وأتعبناه كثيرا فكان يطبع بنفسه لنا، هذا الأمر سبب له الإرهاق الكثيرولم نرغب أن نثقل عليه كثيرا، وبناءا على طلبه فإننا سنتوقف عن إستكمال هذه الحلقات على أمل أن نعود في المستقبل القريب لنكمل هذا اللقاء الشيق معه. 

ونعلمكم بأننا حصلنا على مجموعة من الصور التاريخيه من ألبومه سنخصص لها موضوعا مستقلا فيما بعد.

 

وفي الختام ندعوكم بالدعاء للحبيب البروفيسور محمد علي أن يديم الله عليه الصحة والعافية والعطاء الدائم بعلمه وأن يبارك فيه ويحفظه.

 

 

عدد الزوار 50648، أضيف بواسطة/ إدارة موقع الفرا