في الذكرى الـ15 للانتفاضة:حكاية "ليلتان مرعبتان"عاشتهما غزة والضفة في أول قصف إسرائيلي بالطائرات

  في صيف عام 2001 حلقت طائرة إسرائيلية من نوع f16  من السماء بسرعة جنونية لدرجة أنها سبقت صوتها المخيف ثم أسقطت صاروخا يزن طنا على مقر الشرطة الخاصة في نابلس، الذي كان يحتجز في إحدى غرفه القيادي في كتائب القسام محمود أبو الهنود ليرتقي 11 من رجال الشرطة وأصابة حوالي سبعين آخرين، لكن أبوالهنود نجا. هذه أول غارة إسرائيلية تضرب الضفة الغربية في مطلع  انتفاضة الأقصى.

 وبعد يومين من هذا القصف النفاث الذي خلق الهلع في صدور المواطنين آنذاك، تمكنت اسرائيل من قتل أبو الهنود، بعد ما أطلقت خمسة صواريخ من مدفع طائرة مروحية حربية باتجاه سيارة كان يستقلها مع اثنين آخرين. لينتشل رجال الإسعاف أبو الهنود ورفيقيه أشلاء متفحمة.

هذه أول مرة تعاملت فيها اسرائيل مع مواطني الضفة بسلاح الطيران. كان الرعب قد طاف على وجوه الفلسطينيين وقتها، سيما بعد المجزرة التي ارتكبتها في نابلس. 

المواطنة افتخار التلمس من مدينة نابلس والتي تعيل 6 أطفال، أكبرهم  "15 عاما"،  ترجع بعجلة الذاكرة إلى الخلف قليلا، وتتذكر حادثة القصف الأولى،ومذا حصل معها هي وجنينها الذي كان على أعتاب أن يرى النور وقت الواقعة بأيام قليلة.

تقول صاحبة البشرة القمحية: " كنا جالسين كالعادة في فناء المنزل، وفجأة سمعنا صوت عالي ساقط من السماء ولحظة هز المنزل انفجار قوي". حينها سقطت السيدة افتخار ارضا وراحت تصرخ من شدة الخوف، ليشتد الألم على بطنها، ليجرى نقلها إلى المشفى وبعد مكوثها لساعات انجبت طفلها الأول على وقع صوت القصف.

حكاية السيدة افتخار من بين مئات قصص الرعب والألم التي عاشها الفلسطينيون مع أول قصف إسرائيلي لمناطقهم قبل صياغة هذا النص بعقد ونصف، فهم لم يعهدوا من قبل على هذه الوحشية أو الرعب في مراحل المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وسط استغراب وعدم توقع المواطنين من لجوء الاحتلال إلى هذه الخطوة آن ذاك، إلا أن الكثير من الخبراء العسكرين ومتابعين كانوا متوقعين حدوث ذلك، فقد كانوا يرون أن الانتفاضة الثانية اخذت حالة التدرج.

 اللواء  والخبير العسكري يوسف الشرقاوي، رأى أن القصف الأول من الطيران الإسرائيلي كان متوقعا، قائلا: " اسرائيل احتاجت لطرق بديلة لتحقيق أهدافها، فسلاح الطيران أثبت مفعوله في تحقيق مرادها".

"انتقال الفلسطينيين من مرحلة التظاهر الشعبي إلى رحلة الكفاح المسلح دفع الاحتلال لمنأى آخر في المواجهة  فزاد في هجماته واتجه إلى اختيار أكثر فتكا" يكمل الشرقاوي.

أما عن قصف نابلس بالطيران تحديدا، يتابع الخبير العسكري: "أبو الهنود كان الشخصية الأولى المطلوبة لإسرائيل لذلك كانت نابلس أول ضحايا طيران الاحتلال".

وبالانتقال من ذاكرة الضفة نقفز إلى أخرى موجودة في قطاع غزة المحاصرة، حيث كانت أول هجمة إسرائيلية بطيرانها المروحي  في بداية شتاء عام 2001 أي بعد أشهر قليلة من عملية نابلس لموقع  يتبع رجال الأمن الوطني، ليوقع عشرات الاصابات.

كانت حالة من الذعر عاشها أهل المدينة ، سيما أن  الطيران المروحي ضرب على التوالي عدة صواريخ ذلك الموقع ، فمع كل صاروخ يُطلق من الطائرة كان بعض المواطنين في شوارع يرمون بأجسادهم على الأرض، خوفا من تلك الصواريخ.

ومن بين الأحاديث التي نقلتها "دنيا الوطن" بعد ما أرجعت مواطني المدينة المحاصرة إلى ذلك الزمن، قصة الشاب محمد خليل  (24عاما) الذي كان يبلغ من العمر وقت القصف الأول لغزة عقد من الزمن.

"  اذكر حين سمعت صوت الانفجار،  خرجت من المنزل بهلع، ابحث عن زاويا اختبئ منها من القصف الإسرائيلي". اصابت  الشاب محمد نوبة خوف شديدة حين كان طفلا وقتها.

وبالعودة إلى الخبير العسكري الشرقاوي، يوضح أن غزة كانت سريعة جدا في التعامل مع مراحل الانتفاضة.

الواضح في حديث الشرقاوي أن التطور الفريد في أسلحة المقاومة غير وجه الانتفاضة الثانية وأكسب الفلسطينيين شيئا جديدا. 

يقول : " الاحتلال استغل سلاح الطيران في نابلس لقتل أبو الهنود أما في غزة بسبب سرعتها في التأقلم مع الانتفاضة، وخاصة أعمال المقاومة".

واندلعت "انتفاضة الأقصى" في 28 سبتمبر 2000 وتوقفت فعلياً في 8 فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، وتميزت هذه الانتفاضة مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي.

 

 

عدد الزوار 26117، أضيف بواسطة/ محمد صلاح الفرا