...

في يوم مولدي إلى أين الفرار؟


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

في يوم مولدي إلى أين الفرار؟

بقلم/ أ. محمود رفيق الفرا (محاضر جامعي)

عجيب هذا الفيس بوك, و الذي يدعو الناس رغما عن أنفك إلى تهنئتك بما يسمى "عيد ميلادك" و هو اليوم الذي يوافق ذكرى وجودك في هذا العالم, فما أصبح يوم الخامس عشر من فبراير حتى انهالت على صفحتي التهاني بهذا اليوم من أشخاص بكل تأكيد يحبونني و يحترمونني.

لكنهم للأسف يهنئون شخصا ما بمناسبة هو لا يحبها, و لا تدخل إلى قلبه السعادة كما يظنون, بل هي مناسبة يخافها, و تزيد من قلقه كلما جاءت, نعم فالذي نعلمه علم اليقين أن لكل شخص منا عمر محدد و مكتوب لا يمكن له أن يزيد أو ينقص (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)  و بالتالي فإن هذا اليوم هو بمثابة جرس إنذار سنوي يعلن عن انتهاء عام أو فرصة من عدد من الأعوام كتبها الله لك و قدرها, و بالتالي فإن حقيقة الأمر أنك في هذا اليوم تفقد  فرصة جديدة قبل أن تصل إلى الهدف المنشود, و لذلك فلا أرى مطلقا منطقا يجعلني أتقبل التهاني على عام قد مضى من عمري إلا إذا كنت قد وصلت للهدف المنشود في حياتي, فكيف يكون ذلك و قد قال عمر بن الخطاب في آخر أيامه (لو نادى منادي من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحد ، لخفت أن أكون هو . ولو نادى مناد : أيها الناس ، إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً ، لرجوت أن أكون هو), فهذا عمر بن الخطاب اقترب من الموت و لكنه لا يزال خائفا وجلا لا يرى أنه حقق أفعالا تضمن له الوصول للهدف المنشود فما بالكم بشخص مثلي ؟!

أحبتي ... لا أدعو في هذه الكلمات إلى اليأس أو القنوت, و لا أدعو إلى الحزن و سكب الدموع, و لكني أدعو إلى أن تكون هذه المناسبة وقت لحساب النفس, فيحاسب الإنسان نفسه عن العام الذي مضى بشكل خاص و عن العمر الذي مضى بشكل عام, هل أضاف لك هذا العمر شيئا جديدا في ميزان آخرتك ؟! هل قربك أكثر من هدفك المنشود ؟ أم لا زلت بعيدا تتلطمك أمواج الشهوات و الشبهات و المصالح و الآخرين ؟

ففي هذا اليوم على الإنسان أن يفر إلى الله تعالى راجيا و متمنيا , يفر إلى الله بطاعة و صدقات, يفر إلى الله داعيا أن يهديه و يزيد في هداه, فمن لديه العلم بأن يعود عليه العام المقبل أم لا ؟!

لا يمكنني في نهاية هذه الكلمة إلا أن أذكر نفسي و إياكم بأنَّ احتفال المحتفلين بهذه المناسبة ليس من ديننا في شيء و لو كان فيه خيرا لسبقنا إليه أهل الخير من الأولين, ثم أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل نفس طيبة ظنت أنَّ تهنئتي في هذا اليوم ستسعدني فبادرت إلى فعلها ...
و في الختام استودعكم الله ...