...

آه يا بلاد العسكر


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

آه يا بلاد العسكـر

بقلم/ محمود رفيق الفرا

22.6.2012

جلست طويلا أفكر في السر الكامن خلف التدليل الواضح الذي يقوم به رؤساء العرب للجيش و قواتهم المسلحة, و ما هو السر الذي يجعل الحكومات العربية تفضل ضباط الجيش على علماء الدين و العلم و المعلمون و الطلبة المجتهدون في بلادهم, حتى أن رواتبهم تعتبر أضعاف رواتب المعلمون و الأطباء, لا أقلل من القيمة الكبيرة لهم و لأثرهم في حماية البلاد, و لكن في الوقت ذاته فإن المعلم هو من يُخرج قادات و أطباء و مهندسي البلاد, و لو فسد المعلم أو فسد حاله فإن بالتأكيد إنتاجه سيكون أكثر سوءا.

هذا التفكير الطويل الذي كثيرا ما وقفت على إجابات مختلفة له و في كل مرة يثبت أنها ليست الإجابة الأصح, حتى مرت بلاد العرب و الإسلام بما تمر به اليوم من ما يسمى الربيع العربي, و حالة الرفض للواقع الذي يعيشه المواطن العربي المسلم.

هنا كان للجيش في تلك البلاد كلمته الواضحة, و كان له موقف موحد يصب في جانب الحاكم سواء كان الحاكم الحالي أو المخلوع !! ففي بلاد الشام، تراق دماء أهل السنـة أطفالا كانوا أو شيبا, و بأعداد ضخمة جدا تكاد تكون ضعفي ما قتل الصهاينة من الفلسطينيين، و في بلاد النيل ظن الكثيرون أن العسكر قد حموا الثورة و وقفوا مع مظالم الشعب، و لكن الواقع و الأحداث المتلاحقـة أظهرت أن العسكر في مصر لم يكن موقفهم أقل بشاعة من نظرائهم في دمشق!!

آه يا بلاد العسكر كم أنت حقيرة و قبيحة, كم فيك من الظلم و العدوان على البلاد و العباد, آه يا بلاد العسكر كم فيك من التخلف على كل الأصعدة, فالعلم فيك أقرب على الجهل, و الدين فيك يكاد يشترى و يباع, و الكرامة فيك أصبحت و أمست عملة نكاد نراها في متحف الآثار, آه يا بلاد العسكر فيك الضعيف يقام عليه الحد, و الضابط و ابن الوزير تغير من أجله القوانين و التشريعات.

هي بلاد العسكر، تلك البلاد التي يؤل فيها كل شيء إلى ذلك الحاكم و حاشيته، فلا كرامة فيها إلى العلم و المتعلمين, و لا احترام و لا تقدير فيها لأهل السنـة أهل المنهاج القويم، و لا تقدير لذلك الطالب النجيب إنما التقدير و الكرامة و الاحترام لكل ما من شأنه إضاعة البلاد و الدين، كلاعب كرة قدم، أو ممثل ساقط أو فاتنة وقحة, أو قاض فاسد يحكم بغير  الحق مرضاة لذلك الحاكم أو أحد حاشيته.

بلاد العسكر هي بلاد ترسخ فيها العدوان و الظلم و التخلف و الرجعية، و لا يمكن لها أن تحقق النجاح أو التفوق بين بلاد العالمين بين ليلة و ضحاها, و لا يمكن للعاقل أن يظن أنَّ مجرد تغيير في الرسومات أو الأصوات أو الأشكال يمكنه أن يغير من حال البلاد، بل لابد من تغيير حقيقي يصل إلى النفوس و السلوك و الأخلاق, لا يمكن أن يحدث التغيير دون أن يشعر المعلم بدوره و مكانته, و أن يشعر الطبيب و المهندس بحجم الاحترام و التقدير له, دون أن نبخس حق الشرطي أو حرس الحدود حقوقهم.

و لعل ذاك الوزير الياباني الذي سُأل كيف تمكنت اليابان من تحقيق ثورتها الشاملة بعد الدمار الكبير الذي أحل ببلادها, فقال كلام يكتب بماء الذهب حيث قال : (أعطينا للمعلم راتبـا كالوزير, و حصانة  كالنائب, فأصبح يعمل مطمئنـا غير قلق, فكا لنا ما كان), هي بلاد تبحث عن أصل الداء و الدواء و تسعى بحق لتغيير يغير من حال البلاد لا تغيير  يغير فقط من الأشكال.

اسأل الله أن يعافينا من مآسي العسكر و دورهم المفسد في بلاد الإسلام و أن يعيدهم إلى الحق و أن يعيد ولاة أمورنا إلى رشدهم.

مُحب أهل السنـة