...

مفهوم الأحزاب السياسية


يحيى نافع يونس الفرا

رئيس نيابة

التفاصيل

مفهوم الأحزاب السياسية وحق الانضمام إليها وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني

بقلم أ.يحيى نافع

 

** مقدمة :-
"قال تعالى"(من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون)
إن الأحزاب السياسية تشكل في هذا الزمن تأثيراً قوياً سواء على الصعيد المحلي أو الدولي والحزب له دوراً في تطور ونمو أي دولة من الناحية الإيجابية كما أنه من الممكن أن يؤثر سلباً على نمو الدولة وتقدمها .
فالحزب السياسي يعتبر حلقة الوصل التي تربط الشعب بالسلطة الحاكمة ، ويشارك في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة ، ويشارك في صنع القرار وإذا أراد الحزب السياسي النجاح فيجب أن يكون على صلة مباشرة مع المواطنين والجماهير من خلال وسائل عديدة ، هذه الصلة إما أن تكون داخل الحزب نفسه ( بين القادة والأعضاء) أو مع عامة المواطنين وذلك لمحاولة تجنيد أكبر عدد ممكن من الشعب في هذا الحزب .
وتعتبر الأحزاب السياسية إحدى الوسائل الشرعية التي تمارس من خلالها بعض المفاهيم الديمقراطية ، والحقوق والحريات الأساسية للمواطنين : مثل حرية الرأي ، والمشاركة ، والتنظيم ، والانتخابات ، والفكر والإبداع وغيرها والتي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني الصادر بتاريخ 29/5/2002 في الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات العامة والواقع في (25) مادة كفل فيها جميع الحقوق والحريات العامة للمواطنين وخاصة المادة (19) منه والتي نصت على أنه " لا مساس بحرية الرأى ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشرة بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون " والمادة (26) تنص على أنة " للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية :
1. تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها وفقا للقانون .
2. تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقا للقانون …… الخ فقرات النص .
وهذا واضح جليا من خلال المواد السابقة والتي تدل على إبراز رأي عام يمكنه التأثير على الحياة السياسية في المجتمع . كما تعمل على إبراز التركيبة الاجتماعية للمجتمع بكل فئاته ، وإبراز التعارض بين مصالح الفئات المختلفة ، والتعبير عن هذه المصالح والاتجاهات ، وهذا بمجمله قلب الديمقراطية .
وكما طرح معظم المفكرون السياسيون "لا ديمقراطية بدون أحزاب".ولأن فلسطين ما تزال بين حيرة سلطة الحكم الذاتي الذي بدأ من عام 1994م وحتى أواخر سبتمبر عام 2000م عندما بدأت انتفاضة الأقصى ، فإن الأحزاب والفصائل السياسية تظهر في دورها الفعال والمؤثر على جميع الأصعدة عند حالة عدم الاستقرار.
من هنا ارتأيت بأن أبحث في هذا الموضوع من حيث نشأة وتعريف ووظيفة الحزب السياسي في المبحث الأول ، وتم تخصيص المبحث الثاني في دراسة نقدية قانونية لمشاريع قانون الأحزاب التي تم اقتراحها عام 1995 ، 1996، 1998 والتي تم مناقشتها والذي يهمنا في هذا المقام مناقشة بعض المواد والنصوص التي تتعلق فى الشروط الواجب توافرها فى العضو المؤسس وكذلك الشروط التي يجب أن تتوفر فى الأعضاء الذين لهم الحق في الانضمام للأحزاب السياسية التي كفلها القانون الأساسي سالف الذكر من خلال نص المادة (26) الفقرة الأولى منه ، أما المبحث الثالث تم استعراض الانتقادات الموجهة على مشاريع القوانين المقترحة للأحزاب السياسية ، لعلنا نصل إلى بعض النتائج الهامة في نهاية الموضوع .


المبحث الأول : مفهوم الحزب السياسي

الفرع الأول : نشأة الأحزاب السياسية :-
للحزب السياسي جذور تاريخية قديمة وعريقة ، بداية نشأته كانت للدفاع عن مصالح طبقات المجتمع المختلفة سواء أكانت تلك المصالح اجتماعية أم دينية أم اقتصادية أم سياسية (1) .
والحزب السياسي بالمعنى الصحيح لم ينشأ في دول العالم إلا منذ حوالي قرن ونيف من الزمان ، ففي عام 1850م لم يكن هناك دولة في العالم – سوى الولايات المتحدة الأمريكية – تعرف الأحزاب السياسية بمعناها الحقيقي .
ولقد كان يوجد ما يسمى اتجاهات الرأي العام ، والأندية الشعبية ، وجماعات الفكر، والمجموعات البرلمانية ، دون الأحزاب بمفهومها المعاصر(2) .
ولا يمكن لنا معرفة الحزب بالشكل الواضح إلا إذا تناولنا نشأة الأحزاب السياسية من ناحيتين هما : النشأة البرلمانية والانتخابية ، والنشأة الخارجية للأحزاب السياسية .
• النشأة البرلمانية والانتخابية :-
تنشأ الأحزاب السياسية على شكل مجموعات برلمانية ، ثم يتم تشكيل اللجان الانتخابية ، حيث يتم إقامة علاقات دائمة بين هذه التنظيمات .
1- المجموعات البرلمانية :-
ويطلق عليها البعض الجماعات البرلمانية ، وهذه الجماعات سابقة في نشأتها على اللجان الانتخابية وكانت اعتبارات الجوار المكاني والرغبة في الدفاع عن المصالح المهنية التي تجمع أفراد المهنة الواحدة من بين الأسباب الرئيسية التي دعت إلى تكوين الجماعات البرلمانية وهكذا تكونت المجموعات البرلمانية في ظل الجمعية التأسيسية الفرنسية سنة 1789م حيث تجمع مندوبي كل إقليم من أقاليم الدولة الفرنسية معاً بغية الدفاع عن مصالحهم المشتركة وتأسيساً على ذلك تكونت مجمعة الــــ BRETAGNE والتي اشتهرت بعد ذلك باسم مجموعة اليعاقبه ، وتكونت مجموعة أخرى مثل مجموعة GIRONDINS .(3)
وكما كان الحال في فرنسا ، كان في بريطانيا حتى مجيء قانون الإصلاح البرلماني عام 1832، الذي نظم هذه الكتل لتتعدى في تجمعها مدينة لند إلى باقي المملكة (4).
أما عامل المصلحة ، فقد لعب دوراً بارزاً في قيام بعض الكتل البرلمانية والسعي الدائم إلى المحافظة على بقائها في هذه المجالس . وبالتالي عمد كثير من أعضاء هذه اللجان إلى التحالف مع الوزراء الذين يمثلون الصف الأول في الدولة ، وكان هدف كل طرف تقوية مركزه والطمع في البقاء سواء أكان في الوزارة أم البرلمان . حتى ليقال بأن الوزراء الإنجليز كانوا لفترة طويلة يؤمنون لأنفسهم الأكثرية القوية بشراء أصوات النواب ، إن لم يكن ضمائرهم . وكان الأمر يتم بصورة شبه رسمية(5) .
2- اللجان الانتخابية :-
لقد تكونت اللجان الانتخابية تحت تأثير عامل هام ورئيسي وهو تقرير مبدأ الاقتراع العام ، الذي وسع من قاعدة الناخبين ، وعمل على تقوية الشعور لدى المواطنين بالمساواة ، مما جعل الاتصال بين النواب والناخبين أمراً مستحيلاً ما لم توجد حلقة اتصال بينهما ، فكانت الأحزاب بمثابة تلك الحلقة . وأيضاً كانت بمثابة أجهزة وصل ملأت الفراغ الذي نتج عن تزايد عدد الناخبين ، وشعورهم بضرورة وجود مؤسسات تعرفهم بممثليهم ، وتشرح لهم برامجهم .
فكانت هذه الصورة أقرب إلى الديمقراطية من نشأة أحزاب الكتل البرلمانية التي كانت تتكون من تجمعات وشلل تجري وراء تحقيق مصالحها المحدودة ، إقليمية كانت أو مهنية وبهذا يتأكد رأي الفقه القائل بأن نشوء اللجان الانتخابية يكاد يكون مبادرة من اليسار ، إذ بفضلها أمكن التعريف بالنخبة الجديدة القادمة على منافسة المجموعة القديمة في أذهان الناخبين (6).
ولقد ترتب على وجود المجموعات البرلمانية واللجان الانتخابية قيام علاقة بينهما بصفة مستمرة ، وذلك أن أعضاء المجموعة البرلمانية مرتبطون بها وبمجموعتهم الانتخابية ، ومن هنا يتم الارتباط بين التنظيمين لنكون بصدد حزب سياسي (7).
• النشأة الخارجية (اللابرلمانية) :-
ما بيناه سابقاً هو النشأة البرلمانية للأحزاب ، إلا أن هناك أحزاباً لا تأتي من خلال البرلمانات أو من حولها فقط ، وإنما قد تأتي وتنشأ بعيدة عن ذلك وإن اختلف أساس نشـأة كل منها .
فمنها ما ينشأ من خلال جمعيات معينة أو متأثرة بها ، ومنها ما كان نتيجة تطور لصور مختلفة من النقابات ، بل أن البعض منها نشأ نتيجة لظروف عامة قد تتصل بالدين ، أو الوضع السياسي ، وأخيراً فإن منها ما نشأ تجسيداً لمطامع شخصية بحتة (8).
ولا يسعنا أن نضع قائمة شاملة لهذه الأحزاب ، فهي كثيرة ومتزايدة ، ومن ثم فسوف نكتفي ببعض الأمثلة :
1- الجمعيات :-
الجمعيات كثيرة ومتنوعة .منها ما يتخذ طابع العلانية وأغلبها فكرية كالجمعية الفابية Fabianism التي قام على أفكارها حزب العمال البريطاني واتخذ من مبادئها إطاراً أيدلوجياً عاماً (9).
ولا يفوتنا الحديث عن أثر الجمعيات السرية ، التي تعمل في الخفاء على نشأة الأحزاب السياسية ، وهذه الجمعيات ذات أهداف سياسية ، وإن كانت لا تظهر على مسرح النشاط الانتخابي والبرلماني المحظور عليها ، ولكن بمجرد رفع ذلك الحظر عنها فإنها سرعان ما تتحول إلى أحزاب ، كما حدث عام 1945م حين حاولت حركات المقاومة في الدول التي سبق أن وقعت في قبضة الاحتلال ، التحول إلى أحزاب ولكنها لم تنجح في ذلك . بل إن الحزب الشيوعي السوفيتي لم يكن سوى جمعية سرية ، وقد تحول عام 1917م من نطاق عدم الشرعية إلى تولي الحكم في الدولة مع الاحتفاظ بسمات تنظيمه القديم (10).
هذا بالإضافة إلى أن هناك جمعيات ذات طبيعة وظروف خاصة كان لها أثر مباشر في نشأة بعض الأحزاب السياسية ، كالأحزاب الفاشية التي قامت من خلال عمل جمعيات المحاربين القدامى التي تكونت بعد الحرب العالمية الأولى من رجال الجيش المتقاعدين وحزب المحافظين الكندي الذي نشأ عام 1854م بفعل الجمعيات الصناعية والمشروعات المالية هناك . هذا بالإضافة إلى اتحادات الطلبة وجمعياتهم التي طالما لعبت أدواراً هامة في خلق كثير من الأحزاب ، منها مثلاً الراديكالي الفرنسي (11).
2- النقابات :-
كانت حياة العمال إبان الثورة الصناعية تدعو إلى العمل الموحد لتحقيق مطالبهم والاهتمام بشئونهم ، وذلك بعد فشل النظريات المجردة في توفير هذه الحقوق وضمان تطبيقها . وكانت النقابات بمثابة المتنفس الرئيسي ، ومن خلالها استطاع العمال توفير الضمانات الكافية لحصولهم على حقوقهم من أرباب العمل من ناحية ، ومن الدولة من ناحية أخرى . تم هذا عن طريق الضغط على السلطة ، وذلك من خلال الوحدات التي دفعت بها إلى البرلمان (12).
لم يحدث ذلك دفعة واحدة ، لأن هذه النقابات لم تفكر في بادئ الأمر أن تسلك السلوك السياسي لتحقيق مطالبهم ، ولكنها لما عجزت عن تحقيق هذه المطالب لجأت إلى العمل من أجل الاشتراك في السلطة عن طريق البرلمان ، وبالتالي نشأ حزب العمال البريطاني عام 1899م فكان حزباً غير مباشر لأنه قائم على النقابات ، هدفه اشتراكي قائم على مبادئ الجمعيات الاشتراكية .
وعلى هذا يرى الكثيرون أن هناك نوعين من الأحزاب الاشتراكية:
أولهما قام حول البرلمانيين ويتميز بالنزعة الفكرية ، وثانيهما قام على النقابات ويتميز بالواقعية أكثر من كونه فكرياً أو عقائدياً (13).
وتجب الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بأثر النقابات العمالية على نشأة الأحزاب السياسية فإنه يتعين علينا أن نضع في الاعتبار أثر التعاونيات الزراعية ، والمهنية للفلاحين ، فالأحزاب الزراعية – على الرغم من تخلفها في التطور عن الأحزاب العمالية – قد أظهرت نشاطاً ملحوظاً في بعض الدول ، وبخاصة في الديمقراطية الاسكندنافية ، وفي وسط أوروبا ، وسويسرا ، وأستراليا ، وكندا (14).
3- الدين :-
إن تأثير الكنيسة والمذاهب الدينية قوي ففي هولندا على سبيل المثال ، قام بإنشاء حزب مناهض للثورة لمواجهة الحزب الكاثوليكي المحافظ ،كما قام البروتستانت وذوو الميول المتطرفة بإنشاء الحزب المسيحي التاريخي احتجاجاً على التعاون بين الكاثوليك ومناهضي الثورة . كما تدخلت المنظمات الكاثوليكية بل والكنيسة نفسها تدخلاً مباشراً في إنشاء أحزاب مسيحية يمينية قبل عام 1941م، كما أسهمت في ظهور أحزاب ديمقراطية مسيحية معاصرة (15) ومن تلك الأحزاب الديمقراطية ، الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا ، وأيضاً في ظل الديمقراطية نشأت أحزاب أخرى مثل : حزب الإخوان المسلمين الذي نشأ في مصر عام 1934م ، والحزب المسيحي في إيطاليا ، وبعض الأحزاب الإسرائيلية القائمة ، والتي تدور أغلبها – إن لم تكن كلها – حول اعتناق الصهيونية كمبدأ لها .
4- التبعية الخارجية :-
بعض الأحزاب تنشأ لترعى مصالح خارجية داخل دولة من الدول . وهي بذلك تمثل أخطر معول لهدم الاستقرار السياسي والحرمان من جني ثمار الديمقراطية . بل كثير من الاتهامات والصور المشوهة للديمقراطية إنما جاءت بسبب هذه الكارثة .
ولعلنا نرى من وقائع التاريخ السياسي العالمي أن هناك شكلي من هذه التبعية ، لعبت ومازالت تلعب أدواراً هامة في حياة الشعوب السياسية .
- الشكل الأول : ما يظهر كنتيجة لاحتلال دولة لأخرى ، حيث تقيم الأولى علاقات مع طبقة معينة غالباً ما تكون محافظة وذلك لخدمة مصالحها ، مغدقة إياها بالعطايا والامتيازات ، حتى تقوم الثانية بتكوين حزب يعمل على تحقيق مصالح هذه الطبقة من ناحية ، وتسهيل مصالح الدولة الأجنبية من ناحية أخرى . ومن هذين الاتجاهين تكون حزب (الأمة المصري) (وحزب الاتحاد ) (وحزب الشعب) ، وكلها قامت لمصر قبل ثورة 23يوليو 1952 ، وغيرها كثير (16).
- الشكل الثاني : فيتضح من خلال تبعية الأحزاب الشيوعية في العالم إلى الحزب الشيوعي السوفيتي ، والعمل باستمرار حسب إرشاداته وتعاليمه . ولهذا عمدت كثير من دول العالم إلى تحريم إنشائه فيها بأي صورة كانت . أما ما سمحت له بذلك ، فقيدته بالنظام العام واحترام القواعد الأساسية للمجتمع ، إلا أن ذلك لا ينفي التأثر والتعاطف مع الحزب الشيوعي السوفيتي بصورة عامة (17)0
- ولعل الأطماع والمصالح الشخصية تجد من خلال هذين الشكلين وسيلة للوصول ، وتحقيق الرغبات الخاصة البعيدة عن مصالح الشعب وأمانيه ، فتكون دافعاً إلي إنشاء حزب يلتف حوله مؤيدوه ، طامعين في تحقيق مركز سياسي أو اجتماعي أو أية مصلحة خاصة (18)0
- هذا ولا يفوتنا أن نذكر بأنه ليس من السهل إيجاد أساس واحد كأصل للحزب السياسي ، وإنما يمكن أن تصلح كل أو بعض المداخل التي من خلالها نشأ الحزب وتطور علي أنه في كل حالة يمكننا تغليب أساس علي آخر ، وذلك وفق كل حالة علي حدة ، بالنظر إلي الظروف المختلفة التي نشأ فيها ، ووفق المحيط الاجتماعي ، النظام الاقتصادي ، والتركيب البنائي للشعب الذي من خلاله نشأ الحزب ونما وتطور (19)0
• أوجه الاختلاف بين الأحزاب البرلمانية والأحزاب الخارجة :ـ
بعدما تبين لنا من عرض لنشأة كلا النوعين من الأحزاب السياسية ، فلا بد أن تظهر أوجه الاختلاف بينهما والتي تم حصرهما في نقاط ليست مقننة ولكن أهم النقاط التي تبين لنا الاختلاف بين النوعين :ـ
1- السلطة المركزية :ـ
لعل أول ما يميز النوعين من الأحزاب هو مدي ( السلطة المركزية ) للحزب علي هيئاته المختلفة 0 فالملاحظ أنه بالنسبة للأحزاب ذات النشأة البرلمانية والانتخابية ، أن القاعدة هي التي تنشئ السلطة المركزية للحزب ، فهذه اللجان تكون قائمة بالفعل ، ولكنها تعمل علي تجميع قواها في تنظيم واحد يعمل علي تنسيق نشاطاتها ، ومن ثم فهي في تحديدها لسلطات الهيئة المركزية للحزب تعمل علي الاحتفاظ بكامل سلطاتها ولا تتنازل للحزب إلا عن القدر الأدنى اللازم للقيام بمهمته 0
إذن فمن الطبيعي أن تتميز هذه الأحزاب بنوع من اللامركزية في ممارسة السلطات بعكس الأحزاب التي أنشأتها هيئات خارجة عنها ، حيث يتم إنشاؤها علي أساس التنظيمات الخارجية ، والتي يكون البناء فيها من أعلي ، أي من السلطة المركزية للحزب ، وهي التي تعمل علي إنشاء الهيئات واللجان التابعة لها ، ومن ثم تعمل علي الاحتفاظ لنفسها بأكبر قدر من السلطات في مواجهة فروعها ، وتحدد السلطة المركزية كما يتراءى لها اختصاصات هذه الفروع ، ولذلك تتميز السلطة في هذه الأحزاب ب ( مركزية ) تتفق وأسلوب نشأتها (20)0
2- التنظيم الداخلي للحزب :ـ
إن الأحزاب ذات النشأة الخارجية تكوم أكثر تنسيقاً وانضباطا من الأحزاب ذات النشأة البرلمانية ، وتفسير ذلك يسير هو أن الأحزاب ذات التكوين الخارجي تنبع من تنظيم سابق علي إنشائها ، في حين أن الأحزاب ذات النشأة البرلمانية يتعين عليها تأسيس روابطها وقواعدها دون أن يتاح لها في البداية سوي مجموعة متعايشة من النواب في نفس البرلمان 0
3- الهدف من الأحزاب :ـ
نلاحظ أن الأحزاب ذات التكوين الخارجي لا تهتم كثيراً بالفوز في الانتخابات التي تعتبر وسيلة تستخدمها الأحزاب في تحقيق أغراضها وأهدافها 0
أما الأحزاب ذات النشأة البرلمانية فهي تهتم بالفوز في الانتخابات وتمثيل نوابها بأكبر عدد من المقاعد ، مما يعتبر الهدف الرئيسي لهذه الأحزاب 0
وأيضاً نري أن الأحزاب ذات النشأة الخارجية تسعي إلي تحقيق أهداف أبعد وأوسع من الأهداف التي تسعي لها الأحزاب ذات النشأة البرلمانية من خلال بث بعض القيم الفكرية والأدبية ، مستخدمة إياها للوصول إلي غايتها البعيدة 0 بينما تسعي الأحزاب ذات النشأة البرلمانية أولاً وأخبراً إلي الوصول أو البقاء في المجالس التشريعية 0
أي أن هدفها الرئيسي سياسي بحت ، بينما الأحزاب ذات النشأة الخارجية تعتبر الصراع السياسي أحد عناصر عمل الحزب وليس العنصر الأساسي لها 0
4- تأثير المجموعة البرلمانية :ـ
نجد أن تأثير المجموعة البرلمانية مختلف في كل نوعي الأحزاب 0 ففي الأحزاب ذات النشاط البرلماني ، يلعب النواب أعضاء المجموعة البرلمانية دوراً هاماً ، بل يلعب هؤلاء الدور الأول في قيادة الحزب :ـ فهم أعضاء اللجنة المركزية ، وهم في ذات الوقت رؤساء أغلب لجانه 0 وهذا أمر طبيعي فقد لعبوا في نشأة الحزب ( الدور الأول ) ، نظراً لأنهم كانوا ( بأشخاصهم) همزة الوصل التي ربطت بين ( المجموعة البرلمانية ) و( اللجان الانتخابية ) ، فأدي هذا الربط الدائم والقائم إلي قواعد ثابتة لميلاد ( الحزب ) 0
هذا الدور الأساسي ، لا يلعبه النواب في الأحزاب ذات النشأة الخارجية لذلك فهم لا يلعبون
( الدور الأول ) في داخل الحزب ، بل كثيراً ما نجد أن ( الهيئة المركزية ) لهذا النوع من الأحزاب مختلفة تمام الاختلاف عن (هيئته البرلمانية ) ونجد اتجاها من الهيئة المركزية إلي إخضاع الهيئة البرلمانية للسلطة المركزية ورقابتها ، فأعضاء الهيئة البرلمانية لم يكن لهم دور في وجود الحزب ، بل ربما كان العكس هو الصحيح ، أي أن الحزب هو الذي ( دفع ) بهم إلي البرلمان ، لذلك وجب أن يخضعوا له وأن يظلوا تحت سيطرته (21)

الفرع الثاني : تعريف الأحزاب السياسية :ـ
لابد من معرفة المعني اللغوي ثم المعني الاصطلاحي للأحزاب السياسية ، ثم نتطرق للتعريف الموضوعي والتعريف الذاتي للأحزاب السياسية 0
1- المعني اللغوي لكلمتي " حزب " و" سياسي " :ـ
جاء في "لسان العرب " لابن منظور ، " ومعجم متن اللغة " للشيخ أحمد رضا أن الحزب معناه النوبة في ورد الماء ، وورد الرجل من القرآن ( أي حصته ) ، وجاء بمعني : الطائفة ، والسلاح ، والجماعة من الناس ، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم ، وإن لم يلق بعضهم بعضاً 0 والأحزاب جمع من تألبوا وتظاهروا علي حرب النبي صلي الله عليه وسلم فكانت موقعة الأحزاب 0 وأحزاب الرجل جنده وأصحابه ، والذين علي رأيه (22)0
وجاء في مختار الصحاح (حَزَبَ) الرجل أصحابه ، والحزب أيضاً الورد ومنه(أحزاب القرآن) و(الحِزْبُ) أيضاً الطائفة ، و( تحزبوا ) تجمعّوا 0
أما المصباح المنير فقد جاء فيه )الحزب ) الطائفة من الناس والجمع أحزاب، ( وتحزب القوم )
صاروا أحزاباً ، ويوم الأحزاب هو يوم الخندق ، والحزب الورد بقيادة الشخص من صلاة وقراءة وغير ذلك (23)0
وبناءً علي ما تقدم ، فإننا نري أن كلمة ( الحزب ) بمعناها اللغوي تدل علي الجمع من الناس وأيضاً علي الورد وهو الاعتياد علي شيء ما 0
وأما كلمة (سياسي ) فهي مأخوذة من كلمة ( سياسة ) والسياسة فعلها (ساس يسوس ) وقد استخدم العرب لفظ السياسة بمعني الإرشاد والهداية وتشمل دراسة السياسة نظام الدولة ، وقوانينها ، وأنشطتها المختلفة (24)0
وبالتالي توصف الجماعة بأنها سياسية عندما يكون هدف هذه الجماعة الأساسي والرئيسي هو الوصول إلي الحكم وتسيير دفته 0 وبالتالي فإضافة وصف سياسي ضرورة للتحديد وعدم الخلط.0
2- المعني الاصطلاحي للحزب السياسي :ـ
يصعب النظر إلى الأحزاب من وجهة نظر واحدة ، وإعطاؤها من ثم تعريفاً شاملاً . فالأحزاب كأغلب الظواهر السياسية يمكن أن تكون لها مدلولات متعددة ، ويمكن لذلك دراستها من جوانب متعددة .
فطبقاً للأيدلوجية الماركسية يعرف الحزب الشيوعي بأنه : "طليعة الطبقات الكادحة التي تسعى إلى تصفية الاستغلال بشتى أشكاله وصوره ، وحين يصل هذا الحزب إلى الحكم ويقيم ديكتاتورية البروليتاريا ، إنما ينادي بأنه يقيم ديكتاتورية الطبقات الكادحة لتصفية الاستغلال والتمهيد لقيام نظام لا طبقي (25).
وبالنسبة للفكر الليبرالي يركز على الجانب العملي أو الهدف النهائي للعملية السياسية التي يقوم بها الحزب . فالبرنامج السياسي للحزب يلعب دوراً جوهرياً في مرحلة تأسيسه إذ يعمل على تحقيق التآلف بين أفراد متفرقين حتى تبرز الاعتبارات التنظيمية فيما بعد .
وبالتالي نرى الفقيه الفرنسي "بنيامين كونستانت" يعرف الحزب بأنه " جماعة من الناس تعتنق مذهباً سياسياً واحداً"(26).
أما الأستاذ الدكتور رمزي طه الشاعر : يعرف الحزب بأنه :" جماعة من الناس لهم نظامهم الخاص وأهدافهم ومبادئهم التي يلتفون حولها ويتمسكون بها ويدافعون عنها ، ويرمون إلى تحقيق مبادئهم وأهدافهم عن طريق الوصول إلى السلطة أو الاشتراك فيها " (27).
وذهب جانب من الفقه المصري إلى أن الحزب السياسي يعد وحدة معقدة فهو منظمة اجتماعية لا جهاز إداري كامل و هيئة موظفين دائمين . كما أن لها أنصاراً عديدين بين أفراد الشعب منتمين إلى بيئات وفئات عدة ولهم عادات مختلفة . كما أن القيادة لازمة لكل حزب سياسي . لأن الحزب يهدف دائماً إلى الاستيلاء على القوة السياسية . ولا شك أن السعي الدائم من قبل الحزب للاستيلاء على السلطة هو الذي يحقق الرابطة القوية بين أنصار الحزب العاملين .
فالحزب لا يتمكن من تحقيق أهدافه إلا عن طريق الاستيلاء على الحكم أو الاشتراك فيه مع غيره من الأحزاب . أو عن طريق الحصول على قدر من التأييد الشعبي يسمح له بالضغط على السلطة الحاكمة (28).
ويرى جانباً آخر من الفقه المصري أن الحزب السياسي عبارة عن " جماعة متحدة من الأفراد ، تهدف إلى تنفيذ برنامج سياسي معين عن طريق السلطة السياسية ". وذلك وفق العقيدة التي تحكم سلوكه وبما يتضمنه من سلطة صنع القرارات فهو أحد مؤسسات النظام السياسي التي تسهم في ترجمة أهداف وخلافات ومنازعات المجتمع إلى قرارات لحلها ويتضح كل ذلك في برنامجه .
والحزب كمؤسسة سياسية في داخل النظام السياسي يتضمن العناصر الآتية: (29)
1- منظمة لها بناء .
2- أعضاء الحزب يتبعون وينتمون إلى عدة جماعات اجتماعية أخرى.
3- يسع هؤلاء الأعضاء إلى تأييد نشط لزعامة الحزب وقيادته من أجل السعي إلى السلطة والقبض على زمامها ومناقشة غيرهم في ذلك . وذلك ابتغاء تحقيق أهداف الحزب.
4- كل ذلك وفق مبادئ وأفكار بغية تكون الجسم العقائدي للحزب .
5- برامج واضحة يصب فيها الحزب أهدافه ويترجم مصالح المجتمع وخلافاته ومنازعاته إلى حلول وسياسات عامة وفق رغبات الشعب والصالح العام .
كما ذهب المؤلفان "لابالومبارا" و "فاينر " لتعريف الحزب السياسي وهو يجب أن تتوافر أربعة شروط لكي يسمى حزباً سياسياً والشروط هي : (30)
1- تنظيم دائم . أي تنظيم يعد أمله في الحياة السياسية أعلى من أمل قادته في وقت ما .
2- تنظيم محلي وطيد بشكل جيد ، ودائم وظاهرياً ، ويقيم صلات منتظمة ومتنوعة مع المستوى القومي .
3- إرادة واعية للقادة القوميين . والمحليين للتنظيم ، لأخذ السلطة وممارستها ، لوحدهم أو مع الأخرى ، وليس فقط التأثير على السلطة .
4- الاهتمام بالبحث عن دعم شعبي من خلال الانتخابات أو بأية طريقة أخرى .
ويمكننا أن نعرف الحزب السياسي بأنه منظمة سياسية دائمة وليست مؤقتة . مفتوحة أبوابها لجميع مواطني الدولة بلا استثناء . كقاعدة عامة تستهدف التعبير عن آراء أعضائها في كل المجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وتبتغي الاستيلاء المشروع على السلطة السياسية أو بالأقل المشاركة الإيجابية والفعالة في العمل السياسي أو الاحتفاظ بالسلطة السياسية إذا ما كانت في مقعد السلطة سعياً لتطبيق برنامجها الخاص كما تسعى دائماً إلى كسب التأييد الشعبي الواسع من خلال الانتخابات أو الطرق الدعائية الأخرى المشروعة (31) ، يفترض في الحزب السياسي الاستمرارية والوجود من المستوى المحلي حتى المستوى القومي في إطار برنامج واضح ودقيق .
وبعد هذا العرض لأشهر التعريفات الاصطلاحية للأحزاب السياسية ، فإننا نرى أن الحزب السياسي هو " جماعة من الأفراد هدفها الوصول إلى السلطة للعمل على تنفيذ برنامج سياسي معين ، وذلك بالطرق والوسائل الديمقراطية " .
وعلى ذلك نجد أن الحزب السياسي يرتكز على مقومات أساسية لا بد من توافرها وهي (32):-
1- وجود جماعة من الأفراد ، ولا يشترط في هؤلاء الأفراد أن يكونوا من جنسية واحدة أو جنس واحد ، أو من طبقة اجتماعية واحدة .
2- هدف هذه الجماعة الوصول إلى الحكم لتنفيذ برنامج سياسي معين سواء كانت أغراضه اجتماعية أو اقتصادية 0000الخ .
3- تسلك هذه الجماعة لتحقيق هدفها الطرق الديمقراطية ومن هنا فإن الأحزاب التي تلجأ إلى استخدام القوة والعنف تخرج من نطاق التعريف ، وأيضاً تلك التي يكون من مبادئها الاشتراك في الحكم .
من ذاك كله نلاحظ أن الهدف الرئيسي للأحزاب هو هدف سياسي بحت وهو الوصول إلى الحكم ، وتنفيذ برنامجها السياسي المعين عن طريق ذلك المنصب المستهدف من قبل الأحزاب كافة بلا استثناء .

الفرع الثالث : وظائف الأحزاب السياسية :-
الأحزاب باعتبارها مؤسسات سياسية في الدولة تقوم بالعديد من المهام تجاه الدولة التي تعمل بها من المهام محاولة الوصول للسلطة بالإضافة لوظائف أخرى لا تقل أهمية كل واحدة عن سابقتها ، وسوف نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر .


• محاولة الوصول إلى السلطة :-
وهي محاولة الوصول للحكم لتطبيق الأفكار التي تؤمن بها والبرنامج الذي يتضمنه ذلك لأن الأحزاب المعارضة تقوم بتوجيه النقد للحكومة " الأغلبية " . وهذا النقد يعد ضرورة من ضروريات الديمقراطية والمعارضة استناداً إلى البرنامج الخاص بها ، واعتماداً على ما لديها من إمكانيات تضغط بها على الحكومة لكي تستجيب لرغبات الأفراد والتعديل دون أن تتعرض المؤسسات الدستورية لأي خطر (33).
وهكذا في ظل نظام تعدد الأحزاب الحقيقي يمكن أن تتغير المؤسسات السياسية والدستورية للدولة في إطار من القانون والدستور .
وذلك رأيناه مؤخراً في الولايات المتحدة عندما فاز الحزب الديمقراطي برئاسة الدولة ، وكما يحدث في المملكة المتحدة وفرنسا وأغلبية الدول الأوروبية وإسرائيل التي نلاحظ تبادل رئاسة الحكم بين مجموعات الليكود وحزب العمل على الوصول إلى السلطة وإذا ما تحقق ذلك تحقق التغيير بما يتفق ورغبات أغلبية الأفراد دون ثورة أو انقلاب .
وهذا التبادل بين الأحزاب على تقلد مناصب الحكم تفتقر إليه الدول العربية التابعة لنظام الوراثة سواء في النظام الملكي أو النظام الجمهوري والرئاسي .
• الشعور بالمسئولية :-
تسهم الأحزاب السياسية في خلق وزرع الشعور بالمسئولية تجاه الوطن ، والقومية العربية داخل أفرادها وهذا يؤدي بدوره إلى خلق الضمير القومي والوطني كما ذكرنا . ناهيك عن المساهمات ذات الطبيعة السياسية من المشاركة في القضايا السياسية بالرأي والرأي الآخر إلى الرقابة على الجهاز الحكومي في ممارسته ولصلاحياته السياسية (34).
• تكوين الإطارات والكوادر السياسية :-
تعد الأحزاب مدرسة سياسية عظمى يتدرب فيها الأعضاء على ممارسة السلطة وعلى القيام بمهام الحكم .وتتولى الأحزاب السياسية تثقيف أعضائها الذين لديهم القدرة على الدفاع عن آراء ومبادئ الحزب ، وتقوم بمدها بالمعلومات التي تستطيع من خلالها مواجهة التعديلات الحالية والمستقبلية سواء بالنسبة للأفراد أو الحكام ، فتكون بعملها هذا نقطة اتصال بين الحكام والمحكومين .

• الأحزاب السياسية تعتبر همزة الوصل بين الحكام والمحكومين :-
وعن طريق الأحزاب يلتقي الشعب بنوابه ، وتتاح له الفرصة لمناقشة احتياجاته والتساؤلات التي تدور بداخله ، ويكون في استطاعة الأفراد التأثير في النواب عن طريق الحزب الذي ينتمون إليه .
• تكوين رأي عام مؤثر :-
الاتصال المباشر وغير المباشر بالجماهير ، وذلك عن طريق عقد الاجتماعات والمحاضرات والخطب بواسطة أجهزة الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة مرئية ومسموعة ، وذلك لتوجيه وتغيير الرأي العام ودراسته وشرح حقائق الأمور وتبسيطها مستهدفة رأياً عاماً مؤثراً لصالح برنامجها الحزبي والمستهدف بطبيعة الحال وصول الحزب للحكم وهذا هو هدف الأحزاب السياسية في تكوين الرأي العام والذي تعددت تعريفا ته ، فيرى الأستاذ الدكتور العميد / رمزي طه الشاعر أن الرأي العام : "اجتماع كلمة أفراد الشعب على أمر معين تجاه مشكلة معينة ، أو حادث ما ، في حالة انتمائهم إلى مجموعة اجتماعية واحدة(35) .
ويرى البعض أن الرأي العام هو خلاصة الرأي السائد بين مجموعة من البشر تجاه قضية معينة في وقت معين ، وليس من الضروري أن يكون هذا الرأي هو رأي الأغلبية فقد يكون في البداية رأي فرد أو عدد قليل من الأفراد،وبالتفاعل بين الأفراد يتطور هذا الرأي ليكون رأياً عاماً (36).
• تدخل الأحزاب في اختيار المرشحين :-
يمكن القول بأن أي مرشح إذا لم يعتمد على مساندة حزب سياسي ، فإنه لن يحظى بما يريد ، فالأحزاب تقدم للهيئة الناخبة للمرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية والإدارية ، وتقدم لها البرامج السياسية والطرق اللازمة لتنفيذها ، كما تمدها بالوسائل الفعالة لنقد أعمال الحكومة ، والشعب بطبيعته غير قادر على القيام بهذه الأعمال ، فهو لا يستطيع أن يقدر سياسة بديلة عنها ، إلا في حالة توافر التنظيمات السياسية وغيرها من الإمكانات التي توفرها الأحزاب ، وتتيح له المعلومات الكافية لرسم هذه السياسة(37) .
وهذا يجب ألا ننسى أن رؤساء الأحزاب يلعبون دوراً كبيراً في تفضيل أحد المرشحين على غيره ، وذلك إذا كان النظام الانتخابي يأخذ بنظام القوائم ، لأنهم هم الذين يضعونها ويرتبون الأسماء الواردة بها .
• الأحزاب مدارس الشعوب :-
تعمل الأحزاب على تكوين ثقافة سياسية لدى الأفراد تمكنهم من المشاركة في المسائل العامة والحكم عليها حكماً أقرب إلى الصحة حتى أن أستاذنا العميد الدكتور سليمان الطماوي يصفها بأنها " مدارس الشعوب " (38).
ذلك إنها تعمل بوسائلها على توضيح مشاكل الشعوب ، وبسط أسبابها واقتراح وسائل حلها كما أنها تساعد على تكوين نخبة ممتازة يعهد إليها بالحكم إذا ما فاز الحزب بالأغلبية حتى إنه أصبح من الممكن الآن - إلى حد كبير-معرفة تشكيل الوزارة متى عرف الحزب المنتصر (39).




















المبحث الثاني : قانون الأحزاب السياسية في السلطة الوطنية الفلسطينية
الفرع الأول : مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1995
صدر في السابع من أيلول لسنة 1995عن ديوان الفتوى و التشريع في وزارة العدل بالسلطة الوطنية الفلسطينية مشروع بشأن الأحزاب السياسية ، على أن يتم إقراره في غضون ثلاثة أشهر من تاريخه . وهذا القانون يمس عصب الحياة السياسية الفلسطينية الراهنة والمستقبلية فى الوطن والشتات على حد سواء ، بما يحتويه من مضامين ترسم معالم العلاقات بين السلطة الفلسطينية من جهة ،وبين الشعب الفلسطيني ومجموع قواه المنظمة وفي طليعتها فصائل العمل الوطني التاريخية وكافة الأحزاب والجماعات السياسية الفلسطينية من جهة أخري ، والقانون المقترح لم يكن في صيغته النهائية وقابلاً للتعديل .
وهذا القانون عرض للمناقشة والإقرار ولم يتم إقراره ولاقى معارضة الأغلبية من الأحزاب و القوى السياسية في السلطة الوطنية الفلسطينية ، وأيضاً من بل المجلس التشريعي الفلسطيني ، وهذا سنراه فيما بعد .
ولكن الذي يهمنا في هذا المقام نظرة المشروع لموضوع البحث وهو مدي حق الانضمام و القيود التي ترد على ذلك الحق ، ومن الشروط التي وضعها لتأسيس الحزب .
فتناولت المادة الأولى من مشروع قانون الأحزاب سنة 1995 المعاني الخاصة للألفاظ و العبارات الواردة في هذا القانون حيث قالت : " يكون للألفاظ والعبارات الواردة في هذا القانون المعاني المخصصة لها أدناه ما لم تدل القرينة على غير ذلك " .
الوزارة : وزارة الداخلية .
الوزير : وزير الداخلية .
المحكمة : محكمة العدل العليا .
الحزب : هو كل تنظيم سياسي يتألف من جماعة من الفلسطينيين وفقاً لأحكام هذا القانون بهدف المشاركة في السياسة وتحقيق أهداف محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويعمل بوسائل مشروعة وسليمة " .
نلاحظ أن المادة عرفت الحزب تعريف يشوبه عيب في الألفاظ المنتقاة له ويعتبر تعريفاً ناقصاً ، وذلك نلاحظه عند كلمة ( المشاركة في السياسة ……..) فكان أولى على المشرع أن يكون واضحاً ودقيقاً في انتقاء الألفاظ فيفترض علية أن يقول ( المشاركة في الحياة السياسية……….) ، وأيضاً عندما حدد الأهداف بقولة ( وتحقيق أهداف محددة ….) فالأهداف لم تكن محددة ، ولكن الهدف هو طموح الإنسان و الطموح لا يقف عند حد معين . وهذا مجرد إشارة سريعة للألفاظ فقط ، لأن النقد له مكانة الخاص به ولكن الذي يهمنا المعنى الذي يريد توصيله المشرع لكافة أفراد الشعب فهو يقد بتعريفة بالحزب أنه تنظيم هدفه سياسي يتألف من جماعة من الفلسطينيين ، ومعنى ذلك أن غير الفلسطيني لا يجوز انضمامه لأي حزب فلسطيني ، أو حزب ينشأ تحت اسم السلطة الفلسطينية ، وذلك لأن الحزب تنظيم وطني بحت ولا تنطبق علية صفة الدولية ، ووضع المشرع قيداً يجب أن تحترمه الأحزاب وهو أن يكون وفقاً لأحكام ذلك القانون ، والهدف من وراء تكوين الحزب هو سياسي واقتصادي واجتماعي ، وتعمل الأحزاب لتحقيق تلك الأهداف بوسائل مشروعة وسليمة ، وغير ذلك يكون مخالفاً لأحكام القانون .
أما بالنسبة لحق تأليف الأحزاب السياسية فقد نصت المادة الثانية من المشروع على أنة " للفلسطينيين الحق في تأليف الأحزاب السياسية ، ولكل فلسطيني الحق في الانتماء لأي حزب وفقاً لأحكام القانون " .
والخطاء الذي وقع فيه المشرع في تلك المادة هو كلمة انتماء فكان علية أن يقول : (…. ولكل فلسطيني الحق في الانضمام لأي حزب ….) لأن الفرق شاسع في المعنى ، لأن الانتماء يكون للوطن ، ولا يوجد شريك لوطن يستحق الانتماء إلية ، فأما الانضمام فهي تعني أنة يكون عضواً في ذلك الحزب ، وله ممارسة كل حقوقه وتقديم ما علية من واجبات يطلبها منه الحزب ، وهذا المعنى لا يقلل من شانة ، ولكنه يجب أن نرفع من شأن الوطن أولا وأخيراً وأن نجعل له خصوصيته ، ولكن المعنى الذي نهدف إلية وهو أن المشرع ذكر أحقية الانضمام لأي حزب يرغبه أي فرد من أفراد الشعب الفلسطيني دون قيد غير التقيد بأحكام القانون ، وهو الذي نريد أن نصل إليه من وراء نص تلك المادة ، وهو أنه حق لكل فلسطيني أن ينضم لأي حزب يراه محققاً لأهدافه وأفكاره ، ولكن القانون لم يحدد من هو الفلسطيني ، هل هو ذلك الفلسطيني الذي يعيش تحت قيادة السلطة الفلسطينية فقط ، أم يشمل الفلسطيني الذي يقيم في المنطقة التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي ، وهل يشمل كذلك الفلسطينيين المغتربين في مختلف الدول العربية والأوروبية .
ومع ذلك فسوف نفهم القصد ضمنياً أنة يقتصر على الفلسطينيين الخاضعين لقيادة السلطة الفلسطينية ، لأن نص المادة من المشروع التي وضعته السلطة الفلسطينية وجاء في نص المادة الرابعة من المشروع نفسه ما يلي : " يشترط لتأسيس حزب ما يلي :
1. ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين عن خمسون عضواً .
2. ألا تتعارض مبادئ الحزب وأهدافه وبرامجه وسياسته وأساليبه في ممارسة نشاطاته مع أحكام الدستور ومقومات الوحدة الوطنية والسلام الجماعي .
3. أن يتميز في برنامجه و سياسته تمييزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى .
4. أن يلتزم مبدأ التعددية السياسية في الفكر والرأي و التنظيم .
5. ألا يكون قائماً على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة .
6. عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية .
7. ألا يكون قائماً كفرع لحزب أو تنظيم سياسي في الخارج وألا يرتبط أو يتعاون مع أى أحزاب أو تنظيمات أو جماعات أو قوي سياسية تعادي الشعب الفلسطيني .
8. العلانية في مبادئه وأهدافه وبرامجه ومراسلاته ووسائل مباشرة نشاطاته وتشكيلاته وعضويته ومصادر تمويله .
9. عدم استخدام العنف في سبيل تحقيق برامجه وأهدافه السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
10. أن يتفق نظامه الأساسي مع أحكام هذا القانون .
ونصت المادة الخامسة من المشروع على أنه :
يجب أن تتوافر في العضو المؤسس الشروط الآتية :-
1. أن يكون فلسطيني الجنسية .
2. ألا يقل عمرة عن 25 سنة ميلادية .
3. ألا يكون قد سبق الحكم علية في جناية أو جريمة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره .
4. أن يكون متمتعاً بالأهلية المدنية والقانونية الكاملة .
5. أن يكون مقيماً عادة في فلسطين .
6. ألا يكون من أعضاء الهيئات القضائية أو السلك الدبلوماسي أو هيئة الرقابة العامة أو من أفراد الأجهزة الأمنية .
7. ألا يكون عضو في حزب آخر قائم .
ونلاحظ من المادتين السابقتين أن المشرع الفلسطيني ذكر في المادة الرابعة شروط تأسيس الحزب نفسه ، وفي المادة الخامسة ذكر شروط من يؤسس الحزب أى ( العضو) ، وهي شروط تقليديه توجد في نصوص قانون الأحزاب لأية دولة أخرى ، ولكن بها انتقادات سوف نوردها فيما بعد في مكانها الخاص بها ، ولكن المشرع نص في المادة الرابعة عشر فيما يتعلق بعمر العضو المنتسب إلي الحزب حيث قال : " يشترط في العضو الذي يرغب في الانتساب إلي الحزب بعد الإعلان عن تأسيسه أن يكون قد أكمل الثامنة عشر من عمرة " من ذلك نجد أن المشرع الفلسطيني سمح لكل عضو فلسطيني يرغب في الانتساب إلي الحزب أن يكون قد أكمل الثامنة عشر من عمرة ، وبهذا فمن كان عمرة اقل من ذلك تكون عضويته غير قانونية ، وبهذا القيد أشترط على العضو أن يكون كاملاً للأهلية القانونية ولأن القانون ينص على الأهلية القانونية في فلسطين بإتمام الثامنة عشر من العمر فهو بذلك جعل عضوية الحزب واحدة من المعاملات التي تتطلب الأهلية القانونية الكاملة للشخص وبقي أن نشير إلى أن مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 1995 مكون من أربعة وعشرون مادة وقد تناولنا فقط المواد التي نصت على موضوع هذا البحث .
الفرع الثاني : مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 1996
تم إصدار مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1996م ، تعديلاً لمشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1995 ، والذي تم الاعتراض على ما جاء فيه من متناقضات ونقص في مواده ، ولكن بالملاحظة بين المشروعين لا نجد ذلك الفرق ، فإن المضمون واحد فى الاثنين ، ولعل الفرق فقط في ترتيب الألفاظ والجمل التي جاءت مكملة في بعض المواد وأكثر تناسقاً من المشروع السابق ذكره ، ومع ذلك وجدنا هذا المشروع أيضاً قد لازمه الخطأ في مضمونه وألفاظه فنجد أن المشرع في ذلك المشروع قد نص فى المادة الأولى على تعريف الحزب فقط وتجاهل المصطلحات الأخرى والتي ذكرها مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 1995م حيث قال " الحزب هو كل تنظيم سياسي يتألف من جماعة من الفلسطينيين وفقاً لأحكام هذا القانون بهدف المشاركة في الحياة السياسية وتحقيق أهداف محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويعمل بوسائل مشروعة وسليمة بهدف تداول السلطة " فهنا المشرع عدل في الألفاظ فقط ، وأضاف أيضاً في آخر المادة هدف جديد وهو ( تداول السلطة ) ، ولكن المعنى واحد ، والهدف واحد في مشروع قانون 1995م، ومشروع قانون 1996م ، وأيضاً أضاف كلمة الحياة السياسية و التي لم تذكر في مشروع قانون 1995م والتي كانت محل نقد فى الصيغة الكاملة ولكنة لم يغير شيئاً في نص المادة الثانية من مشروع قانون الأحزاب سنة 1996م فالنص كما هو مشروع قانون الأحزاب سنة 1995م وهو " للفلسطينيين الحق فى تأليف الأحزاب السياسية ، ولكل فلسطيني الحق في الانتماء لأي حزب وفقاً لأحكام القانون " وأما بالنسبة للمادتين الرابعة و الخامسة فإنه حذف بعض الجمل وأيضاً بعض الشروط ، وعدل في مضمون بعض من الشروط الأخرى حيث جاء في نص المادة الرابعة من مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1996م.
يشترط لتأسيس الحزب ما يلي :
1. ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين عن 50 عضواً.
2. ألا يتعارض مبادئ الحزب وأهدافه وبرامجه وسياساته وأساليبه في ممارسة نشاطاته مع أحكام الدستور .
3. أن يلتزم بمبدأ التعددية السياسية في الفكر و الرأي .
4. ألا يكون قائماً على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة .
5. عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة تشكيلات عسكرية أو شبة عسكرية .
6. ألا يكون قائماً كفرع لحزب أو تنظيم سياسي في الخارج .
7. العلانية في مبادئه وأهدافه وبرامجه ومراسلاته ووسائل مباشرة نشاطاته وتشكيلاته وعضويته ومصادر تمويله .
8. عدم استخدام العنف في سبيل تحقيق برامجه وأهدافه السياسية والاقتصادية و الاجتماعية .
9. أن يتفق نظامه الأساسي مع أحكام هذا القانون .
ومن قراءتنا للمادة الرابعة التي نصت عليها ديباجة مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1996م ، نلاحظ أن المشروع قد حذف الشرط الثالث التي نصت عليه ديباجة مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1995 ، والذي يقول فيه : ( أن يتميز في برنامجه وسياساته تمييزاً ظاهراَ عن الأحزاب الأخرى ) ، فهذا الشرط حذفه أو وجوده لا يغير شيئاً كثيراً في المضمون ، لأنه مجرد تذكار فقط بعدم التشابه بين الأحزاب في سياستها ، وهو خاص بالأحزاب فيما بعضها ، وكل حزب يهمه أن يكون متميزاً عن الأحزاب الأخرى ، فنحن نعتبره تصحيح لخطأ شكلي وقع به المشرع في مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1995 فقط .
أما بالنسبة للمادة الخامسة فقد جاء بها اختلاف بالجانب الموضوعي اكثر منه شكلياً ، فبذلك تنص المادة الخامسة من مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1996 على أنه " يجب أن تتوافر في العضو المؤسس الشروط الآتية :
1. أن يكون فلسطيني الجنسية .
2. ألا يقل عمرة عن 21 سنة ميلادية .
3. ألا يكون قد سبق الحكم علية في جناية أو جريمة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكون قد رد إليه اعتباره .
4. أن يكون متمتعاً بالأهلية المدنية و القانونية الكاملة .
5. ألا يكون من أعضاء الهيئات القضائية أو السلك الدبلوماسي أو هيئة الرقابة أو من أفراد الأجهزة الأمنية .
6. ألا يكون عضو في حزب آخر قائم .
فالمشرع هنا حذف الشرط الخامس الذي كان منصوصاً علية في مشروع قانون الأحزاب السياسية سنة 1995 في سياق نص المادة الخامسة منة وهو ( أن يكون مقيماً عادة في فلسطين ) ، وعدل في الشرط الثاني وهو ( ألا يقل عمرة عن 25 سنة ميلادية ) ، ووضع مكانة الشرط ( ألا يقل عمرة عن 21 سنة ميلادية ) ، ولو كان المشرع أكثر دقة وجعله مشروطاً بأن يكون كامل الأهلية القانونية وهي ( ألا يقل عمرة عن 18 سنة ميلادية ) ، والملاحظ هو أنها تجربه جديدة لمشرع فلسطيني ، ونحن نؤيدها كتجربة ، وكل إنسان يخطئ ويصيب ، ولكن المهم أن نتعلم من الخطأ لكي نصل إلى الصواب . أما المادة الرابعة عشر فلم يطرأ عليها تعديل سوى إضافة جمله في آخر متن ال