...

إنفلونزا السيارات


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

بسم الله الرحمن الرحيم ..,,

إنفلونزا السيارات


بقلم الدكتور : أسامة الفرا ...محافظ خان يونس

 

مرض إنفلونزا الطيور الذي يطل فجأة ويفتك بملايين الطيور ويصل بمداه إلى الإنسان، أجبر المواطنين وبخاصة في الدول التي يتوطن بها المرض على اقتناء الكمامات لاستخدامها كلما أطل المرض برأسه في دولهم أو حتى القريبة منها، وما ان يتردد خبر اكتشاف المرض في مزرعة دواجن حتى يبدأ الجميع دون استثناء بارتداء الكمامة، ولعل هذا ما يميز دول شرق آسيا، واستخدام الكمامة ظهر في العديد من الدول التي شهدت تلوثا بيئيا خطيرا، وفجأة ظهرت الكمامة في قطاع غزة، ولا علاقة لمرض إنفلونزا الطيور بذلك، وكذلك الحال السبب لا يتعلق بتلوث بيئي ناتج عن الصناعات التي لا تعير البيئة أهمية تذكر، فالصناعة الخجولة في قطاع غزة توقفت منذ عدة شهور، وغادر معظم أصحابها القطاع بحثاً عن استثمار في دول الجوار بعيداً عن الحصار والمعابر، ولكن الظهور المفاجئ للكمامة بالقطاع مرده ما تعج به شوارعه من رائحة تزكم الأنوف وتترك غصة في الصدور، الصدور التي ضاقت بكل ما آلت إليه الحياه في معتقل قطاع غزة، رائحة زيت الطهي ( السيرج المقنن ) تفوح في شوارع وأزقة وحواري قطاع غزة، وتنفرد الرائحة بالأجواء دون مشارك أو منازع، وكي لا تتداخل الأمور فالسبب ليس له علاقة بالمطاعم المتواضعة في القطاع، ومصدرها الوحيد السيارات التي باتت تعتمد على زيت الطهي بديلاً عن الوقود، وبالتأكيد فإن الحاجة هي التي أجبرت المواطن على الإنصياع لهذا ( التغيير )، دون أن يكون للجانب الإقتصادي دوراً يذكر، وفي قطاع غزة عليك أن تستخدم المتوفر وليس المطلوب، كما هو الحال مع المدخنين بما يفرضه عليهم البائع من الموجود.
*******





المهم أن المؤسسات الصحية وحتى الحقوقية بدأت بالحديث مؤخراً عن المخاطر الصحية من وراء هذا الإستخدام الخاطئ والخطير على صحة الإنسان، وأعتقد أن المسألة لا تحتاج بحثاً علمياً أو اجتهاداً للدلالة على ذلك، ويكفي أن نقول ان زيت الطهي يتعرض داخل ( موتور السيارة ) لظروف قاهرة لا يحتملها، تخرجه عن صفاته التي تتسم بالصفاء والتجانس، ليتحول تحت تأثير الظروف القهرية لرذاذ سام يتغلغل في سماء الوطن المعذب، وبالتأكيد أن هذا الوقود ( المستحدث ) يفتك بالسيارات المتهالكة التي باتت تعتمد عليه، وبالتحديد لما يخلفه من ارتفاع حاد في نسبة الكوليسترول يصل بمستواه إلى جلطة ( حركية ) تقعد السيارة عن العمل، ولن يمكنها علاج في الداخل أو حتى تحويلة إلى الخارج من العودة إلى الشارع الذي اعتاد على برطعتها، ولكن المهم أن الأمر لا يقتصر على ذلك بل يضرب بعنف صحة المواطن التي أضنتها أخبار الوطن، ومن البديهي أن تبدأ الأعراض بضيق في الصدر الذي يعاني أصلاً من جلمود الصخر القابع عليه، لا تلبث أن تصل بتأثيراتها إلى الخلايا الدماغية لتشل ما تبقى منها على قيد الحياة الفكرية.
وأمام ذلك لم يعد من مفر لسكان قطاع غزة سوى الإعتكاف في المنازل أو الفرار من مركز المدينة إلى ما تبقى من ريف لم تصله المدنية بعد، أو الإستعانة بكمامة ( لا تسمن ولا تغني من جوع ).
*******





ومن الجدير ذكره أن الحياة ( المسمومة ) في قطاع غزة من مخلفات زيت الطهي وخلافه، زاوجت بين الحقيقة المؤلمة والنكتة، كحال صديق استسلم لإلحاح الزوجة لشراء زجاجة زيت طهي ( سيرج )، وعندما أبلغ صاحب المحل عن رغبته، فوجئ بإستفسار من صاحب المحل ( خارج النص ) إن كانت السيارة ( مرسيدس ) أو خلاف ذلك، وبعد أن تأكد صاحبنا بأنه في محل (بقالة) وليس قطع غيار سيارات أعاد الطلب مرة أخرى لعل صاحب المحل يعود لرشده، إلى أن أدرك صاحبنا بأن الدنيا ( مقامات ) وأن ما يرتضيه من زيت السمسم والصويا لا تقبل السيارات الحديثة بأقل من زيت الذرة جودة. أما صديقنا ( المدرس ) الذي أرهقه المنهاج الطويل على مدار عام دراسي شارف على الإنتهاء، وتحت وطأة إرتفاع الأسعار إضطر إلى العمل ( سائقاً ) في الفترة المسائية، عمد للإستعانة بزيت الطهي وقوداً لسيارته التي شارفت على التوقف عن الخدمة، وبينما كانت تسير متثاقلة مما تحمله من بشر لم يسبق لها أن استوعبته، حتى فاض الأمر بمن فيها إلى فتح أبوابها لخلق مساحات إضافية وقنوات تهوية تخفف من رائحة ( القلي ) المنبعثة من مقدمة السيارة، وفي خضم ذلك أشار مواطن، عذبه طول الإنتظار، لعله يتمكن من الفوز بمساحة في السيارة حتى وإن كانت على يسار السائق، فما كان من صديقنا المدرس (السائق) إلا أن قال له ( في القلية التانية ). فهل تحولت الحياة في الوطن إلى وجبة في زيت يحترق؟....