...

الحياة في غزة


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

Untitled 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة في غزة
22.12.2008
بقلم: أ.نبيل كمال الفرا


أن تعيش قي غزة وتحتمل قساوة الحياة في غزة فهذا يعني أنك بشر من نوع خاص ، فلكي تعيش في غزة لابد أن تتحمل تلك الحياة ، فهي حياة خشنة قاسية جافة تحتمل كل التوقعات ، سأتناول في هذا الموضوع الحياة في غزة من خلال مواصفات أسرة فلسطينية :

الأب : يحمل هموم كثيرة أولها الراتب ، هل سيقبض الشهر القادم أم لا وإن قبض هل الراتب كامل أم سلفة وإن قبض في أي يوم سيقبض ، قبضنا الراتب والفلوس موجودة والحمد لله ، كيف سيوفر لقمة العيش ، الطحين موجود أم لا وإن موجود سيشتري ويخزن لكم من الوقت حيث أن الطحين الأبيض ينفع في اليوم الأسود ، تم تأمين الطحين لشهر والحمد لله ، الآن مشكلة الغاز ، الغاز مقطوع !! ، لمتى؟؟ ، لابد من اتخاذ حلول عملية ، لن يبقى معتمدا على الغاز ، اشترى الأب بابور الكاز ، بالتأكيد الكثير من الأجيال الجديدة في المجتمعات العربية لا تعرف ما هو بابور الكاز ، حتى الكاز أصبح عملة نادرة في غزة ، لذلك لجأ الأب إلى أسلوب آخر في الطهي وهذا الأسلوب هو أسلوب العصر الحجري إنه الحطب وستستمر الحياة ، السؤال أين الأب الإنسان ليعيش لنفسه ولو للحظات في هذه الحياة المزدحمة .

الأم : وما أدراك ما الأم ، إن الأم الغزاوية اليوم هي الفتاة المدللة لأهلها قبل عشر سنين أقل أو أكثر قليلا ، تلك الفتاة التي كانت تحلم بفارس يخطفها على حصان أبيض ويدخلها عش الزوجية الذي كانت تتخيله قصر جميلاً ، تزوجت لم تجد لا حصان أبيض ولا قصراً ولكن وجدت بيتاً جميلاً وحياة متوسطة حمدت الله وتأقلمت وأخذت تعمل مع زوجها على إدارة عشهما الجميل وتوفير المال من كل شهر لشراء أثاث المنزل الناقص وشراء بعض الحلي لها وتوفير بعض من مظاهر الحياة الاجتماعية ، بالرغم من كل هذه الظروف كانت لا تزال سيدة بيتها وعندها من أوقات الفراغ لكي تهتم بنفسها ولكي تلتقي بصديقاتها ، أي لا تزال تشعر بالدلال الذي تربت عليه في بيت أهلها ، فجأة جثم الحصار على غزة ، لا كهرباء لا غاز لا دواء ، لم تستسلم تلك المرأة التي أصبحت أم لأطفال ولابد من توفير الحياة لهم ، نست نفسها في خضم هذه الأحداث المتتالية وأصبحت تعيش حياة جدة جدتها في حين أنها تطالع المسلسلات العربية والخليجية وتجد المرأة في نفس سنها وهي تنعم بحياة مرفهة ، أصبحت تخبز على فرن الطينة بعد أن كانت تشتري الخبز من المخبز ، أصبحت تطهو الطعام على بابور الكاز أو نار الحطب بعد أن كانت تطهوه على البوتوجاز ، وبالرغم من ذلك تجدها قنوعة راضية باسمة متحدية ، أين تجد مثل تلك المرأة في مجتمعاتنا العربية ، في مجتمعات السوبر ستار ، والستار أكاديمي .

الأبناء الأطفال : لقد أقحم الأطفال غصباً عن أنفسهم في تلك الحياة ، فالطفل كثيراً ما يهب من نومه فزعا على صوت القصف ، ومن نجا من أطفال غزة من القصف الصهيوني فهو يعاني من الخوف والاضطراب ، والكثير من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي في سن متأخرة ، من زاوية أخرى الطفل يجلس مع أهله وجيرانه ويسمع الكلمات ويردد ومع مرور والأيام والحصار أصبحت مفردات أطفال غزة تجعل الانسان يبكي عليها ، طفل أبو سنتين مفرداته ( يهود ، طخ ، أباتشي ، نفق ، حصار ، عرب ) ، تعال لعمر أكبر شوية طفل خمس إلى سبع سنوات تجده يفهم في السياسة ولو تركت له المجال ليتكلم سيحكي لك كل شيء ويعرف أسماء قادة الفصائل الفلسطينية ويعرف بوش ويعرف أسماء قادة بني صهيون ، بالطبع هذا ظلم كبير لأطفال غزة ، الطفل يجب أن يعيش لطفولته ، يجب أن يلعب ويلهو مع أقرانه ، ولكن كلمة يجب في غزة لا يوجد لها معنى.

الأبناء في سن المراهقة: في تلك الظروف والنشأة أصبح الشاب الفلسطيني ( وهنا أقصد كلا الجنسين الشاب والفتاة ) أكثر تصميماً وأكثر عزيمة ، رب ضارة نافعة ، أصبح الشاب الفلسطيني مثقف وخصوصاً من الناحية السياسية ، الشاب الفلسطيني اليوم يعرف أين هدفه ، وكل شاب فلسطيني لو أتيحت له الفرصة لكان قائد بكل معنى الكلمة ، يعني يا غزة أنتِ اليوم تستطيعي تصدير قادة لدول العالم ، ولكن لتلك الميزة عيب أيضاً ، فللأسف الشديد أصبح الشاب الفلسطيني متطرف في رأيه ويعتقد أن رأيه هو الصحيح وما دونه هو الخطأ ، فتجد هذا الشاب إما فتحاويا حاقداً على كل ما هو حمساوياً ، أو حمساوياً حاقد على كل ما هو فتحاوياً ، واعتقد هذا الشاب أيضاً أن سبب حصاره هو الطرف الآخر ، وبالتالي انشغلنا عن العدو الحقيقي ، نتمنى أن يتم معالجة تلك النقطة وأن نخلص لنتيجة مفادها أن الكل مشارك بالحصار ويجب الجلوس إلى طاولة واحدة للخروج لما هو في مصلحة الشعب الفلسطيني ، ويجب أن يقنع الشاب الفلسطيني بأن هذا الفتحاوي أو الحمساوي هو أخوه وجاره وابن دينه وابن وطنه .

هذا توصيف بسيط لحياة أسرة بسيطة في غزة والتي تمثل الشريحة الأكبر في المجتمع ، بالطبع الوصف فيه الكثير من القصور، والمعاناة على أرض الواقع أكبر من ذلك بكثير، كان الله في عونك يا غزة