...

يا حكام غزة .. أغلقوا الأنفاق قبل فوات الأوان


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

لقاء السبت

يا حكام غزة .. أغلقوا الأنفاق قبل فوات الأوان

بقلم: أبو يسار

 

 

كنت قد أعددت مقالين دفعت بأحدهما للطباعة ثم قررت سحبه وتأجيله ، وهو الجزء الثاني عن الشهيدة بي نظير ذو الفقار علي بوتو ، وذلك إثر جولة قمت بها أمس الأول في سوق العتبة؟!! هكذا يطلقون عليه ، والمقصود هو سوق القلعة في وسط المدينة ، والعتبة حي وسوق شعبي في وسط القاهرة يقع بين ميدان ابراهيم باشا ومبنى الأوبرا القديمة غرباً والأزهر شرقاً . عندما تتجول في سوق القلعة المنطقة الأثرية الوحيدة في المدينة ومن خلال ما تشاهده عيناك من بضائع وخردوات تشعر فوراً وكأنك في حي العتبة وسط القاهرة.

تجولت وسط هذا السوق فضولاً مني لأرى ماهية ما يجلبه التجار من بضائع مصرية مهربة ، ورغبة مني أيضاً في إيجاد سلعة أقاوم بها انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة ، أو أحل بها مشكلة انقطاع غاز الطهي المزمنة ؟، فماذا وجدت هناك؟. معظم ما تشاهده هناك هو سلع تكميلية لا تحل مشكلة الحصار ، ولا تنهي معاناة المواطن ، باستثناء الشموع ولمبات الجاز  ( سراج) ومواقد الجاز للطهي ( بابور جاز ) وهذه وسائل كانت جدتي رحمها الله تستخدمها قبل نصف قرن ونيف ، فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه أننا عدنا للخلف أكثر من نصف قرن ، وما عدا ذلك ماذا ترى هناك ؟. فول سوداني .. شيبسي .. قبعات وجوارب .. صابون .. سجائر ومعسل ( للنرجيلة ) أنواع مختلفة من الشوكولاة .. خردوات؟! .

معظم هذه السلع لا تحل مشكلة الحصار حيث أن السلع الأساسية مفقودة ولا يتم جلبها من قبل ملوك الأنفاق كالدقيق والأرز والسكر وحليب الأطفال والدواء وغاز الطهي ، صحيح أن الأنفاق قد حلت مشكلة الوقود ( بنزين و السولار والجاز الأبيض ) ، ولكن ماذا يغني هذا عن رغيف الخبز المفقود ؟.. حيث باتت الأفران مغلقة لافتقادها الدقيق وغاز الطهي معاً .

مع ملاحظة أخرى أن سعر هذه السلع يبلغ ما يقارب من 10 أضعاف ثمنها في رفح المصرية أو العريش أو القاهرة ، وسأضرب أمثلة هنا لأسعار بعض ما رأيته من سلع تكميلية...

·   شيبسي ( حجم عائلي ) يباع في مصر بمبلغ جنيه وربع أي أقل من شيكل بينما يباع هنا بـ 10 جنيهات ( 7 شيكل )

·         كيس شمع به 10 شموع صغيرة يباع في مصر بنصف جنيه بينما يباع هنا بخمسة جنيهات وأكثر ( 4 شيكل )

·        موقد جاز للطهي ( بابور جاز ) يباع في مصر بمبلغ 25 جنيهاً ويباع هنا بـ 200 جنيه ( 150 شيكل )

·        لمبة شمبر ( لوكس إنارة بالجاز ) يباع في مصر بمبلغ 50 جنيهاً ويباع هنا بـ 200 جنيه ( 150 شيكل )

·        موقد جاز فتيلة صغير يباع في مصر بـ 5 جنيهات بينما يباع هنا بمبلغ 60 جنيهاً   ( 40 شيكل ).

وهكذا دواليك ، إنها عملية استنزاف كبيرة يمارسها ملوك الأنفاق ضد المواطن الخالي الجيوب أصلاً ، فأي حصار يقوم بفكه هؤلاء الملوك ؟؟!! ، إنهم يفرضون حصاراً فوق الحصار ، فالمواطن مذبوح أصلاً بسكين الفقر والحاجة وافتقاد السلع الضرورية ، ليذبح مرة أخرى بسكين الاستغلال والاستنزاف الذي يمارسه ملوك الأنفاق.

إن أي دراسة اقتصادية بسيطة لهذه العملية ستشير لنا فوراً بالضوء الأحمر ، لأن هناك ثلاثة مشاكل خطيرة تواجه اقتصاد قطاع غزة جراء عمل هذه الأنفاق والقائمين عليها بالتجارة الحرام أو تجارة التهريب أو السوق السوداء ، وما أكثر أساتذة الاقتصاد في جامعاتنا ، وعلى حكام غزة أن يلجئوا إليهم ويستشيروهم ويكلفوا من يثقوا بهم بإعداد مثل هذه الدراسة ( دراسة الجدوى ) ، أهم وأخطر هذه المشاكل هي هروب رأس المال الفلسطيني ( شيكل أو دولار ) وذهابه في اتجاه واحد دون عملية تدوير لهذا المال ، فينضب القطاع من المال وتستنزف البنوك وشركات الصرافة وجيوب المواطنين ، وأي عملية تجارية بين الدول تتم بتدوير رأس المال ، فهذه الدولة تصدر لتلك الدولة وتستورد منها أي تجري عملية تبادل ، وينظم ذلك ميزان مدفوعات لدى الطرفين ، وكثيراً ما تتبادل الدول عملياتها التجارية سلعاً بسلع ، ما يسمح للدولة بتنمية ميزانيتها والحفاظ على نقدها فلا تنكسر ولا تفلس ، وهذا عكس ما يجري الآن عندنا فنحن نستورد عبر التهريب ونسدد نقداً وبأسعار مضاعفة ؟!.

أما ثاني تلك المشاكل تتمثل في ظهور شريحة اجتماعية طفيلية ( قد تتحول قريباُ إلا طبقة) تعتاش من خلال تجارة التهريب ( الأنفاق ) وتنمو ويكبر رأس مالها كتجار الحروب ، وهنا نقول تجار الحصار والذين باتوا في ليلة وضحاها من القطط السمان جداً ، ولما لا ؟ فالنفق الواحد يدّر على صاحبه من 300000 _ 350000 دولار في اليوم الواحد ؟! وهذه الشريحة المتحولة حتماً إلى طبقة اجتماعية ستتمكن وستتحكم في مصير الناس ، لما لا ؟ وهي الوحيدة التي تملك رأس المال ، وبرأس المال هذا يمكنها أن تجيّش العديد من المرتزقة وتسلحهم لتحمي انجازاتها اللا مشروعة ، وهذا يبدو واضح المعالم الآن ، ونحن ما زلنا نمتلك القدرة على إيقافه وإنهائه  فلما لا يبادر من هم في مواقع المسؤولية السياسية والقانونية على إيقافه قبل فوات الأوان وقبل أن نستيقظ يوماً لنرى مسلحين في الشوارع يضعون على أكتافهم أو قبعاتهم علامات جيش الدفاع عن الأنفاق أو قوات حماية الأنفاق ... إلخ!

فهل من صحوة لدى الحكومة المقالة في غزة وهي التي تتولى السلطة لما يجري الآن وما ستؤول له الحال في القريب؟ أتمنى ذلك ، كما أتمنى أن يكون كلامي خفيفاً عليهم.

وثالث المشاكل وهي ليست أقل خطورة من سابقتيها تتمثل في هروب كم كبير من طلبة المدارس الثانوية والذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 – 18 سنة للعمل داخل هذه الأنفاق والتي باتت تستوعب قرابة 40000 عامل يقسّمون على ورديات على مدار 24 ساعة ، وهؤلاء هم مقدمة الجيش الذي أشرت له في الفقرة السابقة ، يقول أحدهم ( ماذا سآخذ من المدرسة والجامعة ؟.. فأنا أحصل على 100 دولار خلال 5 ساعات !! ) ، وبحسبة بسيطة فإن هذا الفتى اليافع يحصل على 100 دولار في الوردية الواحدة ، وعندما يعمل وردية واحدة يومياً ، فهذا يعني حصوله على 3000 دولار في الشهر ، أي أن دخله وهو لم يتجاوز السادس عشر ربيعاً من عمره يفوق راتب وزير في أي حكومة ، وراتب أي جنرال في أي جيش ، وأي رئيس للمحكمة العليا في سلك القضاء ، وأي أستاذ جامعي وأي طبيب استشاري ....إلخ ، ناهيك عما يهدد هؤلاء الشباب من وسائل الانحراف جراء وفرة المال وسيولته في أيديهم كالمخدرات وما سينجم عنها من جرائم كالقتل والاغتصاب وتفريغ المؤسسات التعليمية والمدارس وتحويل كماً من هذا الجيل إلى أميين غير متعلمين ركضاً خلف مغريات الأنفاق.

إننا مدعوون للصراخ أغلقوا هذه الأنفاق التي لن تحل مشكلة الحصار ، ولن تحسن أوضاعنا الاقتصادية ، ولن تزيدنا إلا فقراً وحاجة قبل فوات الأوان وأختم بقول الله سبحانه وتعالى (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )).