...

الحرب النفسية الإسرائيلية وأبعادها التدميرية إبان حربها على قطاع غزة


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

الحرب النفسية الإسرائيلية وأبعادها التدميرية إبان حربها على قطاع غزة

د.إسماعيل صالح الفرا

جامعة القدس المفتوحة

توطئــة

عرف الإنسان الحرب النفسية منذ القدم، وعلى الرغم من أنها لم تكن معروفة بهذا الاسم إلا أنه مارسها بطرائق لا تختلف في جوهرها كثيراً عما كانت عليه قديماً إلا في الأساليب، والوسائل والاتساع ، والعمق ، وسرعة التنفيذ، والممارسة، وما يزال الإنسان يمارسها وهي ليست حرباً بالمعنى التقليدي فهي حرب بلا مدافع وصواريخ وطائرات .. إنما هي حرب الكلمة والأفكار وغسيل الدماغ ، وتغيير الاتجاهات والنفوس .

والحرب النفسية هي حملة شاملة واستخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول في وقت الحرب أو السلام لإجراءات إعلامية متنوعة للتأثير في نفسيات وعقول وذاكرة وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية معادية أو محايدة أو صديقة بطرائق تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الطرف الذي يشن هذه الحرب.

وتستهدف الحرب النفسية العسكريين والمدنيين معاً والأفراد والقادة وغالباً ما يشتد وطيسها عندما توجه إلى القيادة ؛ بهدف تفويض سمعتها وذلك من قبيل حرب الأعصاب وحرب الدهاء والخداع ، وغسيل الدماغ ، ومحو الذاكرة ، وبث الإشاعة ونشر الأخبار الكاذبة والدعايات المدمرة ، وهي حرب أفكار هدفها الوصول إلى عقول أفراد المجتمع وإذلال إرادتهم ، وتعد من أخطر أنواع الحروب لأنها تستهدف الجانب النفسي للفرد فميدانها الشخصية وهي حرب أيديولوجية عقائدية ، وحرب سياسية دبلوماسية، وحرب باردة مستمرة في الحرب والسلم طويلة الأمد مستخدمة الإثارة تارة والتهدئة تارة أخرى وفق طبيعة المواقف والأوضاع أو متطلبات الحال وتطلعات المستقبل ونلمس أثارها على مدار الساعة وخاصة في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات "و الانفوميديا" التي تجمع بين الصوت والحركة واللون والإثارة والمباشرة ، فالكلمة تلف الكرة الأرضية سبع مرات في الثانية الواحدة كما أضحت الصورة فعالة كالقذائف.

الحرب النفسية معركة العلم ومعركة المعتقد

الحرب النفسية ليست عملاً يتعلق إنجازه بالمؤسسة العسكرية فقط كما يقول المتخصصون " فالجيش كان وما يزال بيد الساسة بقصد فرض الإرادات لصالح المنتصر ، وبالتالي أصبح الجيش وفعله في أثناء الحرب وقبلها وبعدها أحد أدوات الحرب النفسية ، ولم يعد يقتصر فعلها فقط على الدبلوماسية في ممارسة الضغط والعزل وقطع العلاقات ، ولا على الاقتصاد والتجارة وعمليات التجسس والاستخبارات وفرض الحصار بل هي كل هذا وأكثر .

فكل جهد مدني أو عسكري الطابع أو اقتصادي أو اجتماعي أو معلوماتي ، يمكن استثماره في تحليل وإدارة الصراع بصورة عملية ودائمة ومستمرة ومن خلال استخدام المعطيات النفسية لإيجاد الاقتناعات والآراء والاتجاهات نحو حالتي السلم والحرب ، وبصورة تدفعنا إلى التفكير في أنسب الوسائل للتحصين النفسي ضد أدوات التأثير التي يمتلكها النظام العالمي الجديد والصهيونية العالمية والتي تكاد تكون آثارها موجودة بأسلوب وآخر في كل بيت ومدرسة ومصنع أو التي أخذت طابعاً شمولياً أصبح فيه الإعلام أحد أدواته الرئيسية ، فهي حرب أفكار وحرب دعاية وإشاعات وحرب كلمات تستهدف تحطيم إرادة الأفراد المدنيين قبل العسكريين وزيادة التوتر لدى المحايدين ودعم المؤيدين فأصبحت الحرب النفسية معركة العلم ، ومعركة المعتقد ، وهي علم له صلة بعلوم متنوعة .. ولعل أقرب العلوم وأمتنها صلة بالحرب النفسية الفكرية علم النفس بفروعه .. كعلم النفس العسكري أو ( الحربي ) وعلم النفس الاجتماعي والتربوي وعلم الاجتماع العسكري وعلم الأنثروبولوجيا الثقافية والحضارية وعلم القياس الاجتماعي ، وعلم السكان .. بالإضافة إلى العلوم السياسية الدبلوماسية والعسكرية .

 

أهداف الحرب النفسية والفكرية :-

إذا كانت الحرب النفسية حرب هجومية تخوضها دولة ما بكل قوتها ضد أعدائها فهي عنصر أساسي من عناصر الحرب الشاملة التي تستخدم في الحرب والسلم وفي كل الأوقات وتخاطب كل الأفراد " فيقال أنها السلاح الرابع بعد سلاح الطيران والبحرية والمدفعية وهي تسبق الصراع المسلح ، وتواكبه وتدعم انتصاراته أو تبرر هزيمته" .. وذلك بشن هجوم على القوى الروحية والمعنوية والنفسية والمعتقدات الثابتة لدى الدولة المعادية لزعزعتها ، وتقوية جبهتها الداخلية ، وتعزيز موقف الصديق وكسب المحايدين والمرجفين ..

وسواء أكانت الحرب النفسية تكتيكية أو استراتيجية أو تعزيزية أو كانت علنية أو سرية أو موجهة إلى جمهور العدو أم للمحايدين أو كانت على المستوى الدولي أو الإقليمي أو الداخلي فهي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية .. كثيرة منها :-

•  إضعاف الجبهة الداخلية للدولة المعادية والعمل على تحطيمها وإحداث ثغرات داخلها ودعم الطوائف والمتمردين .

•  تفتيت وحدة الأمة وإحداث الفرقة بين صفوفها وإضعاف معنوياتها .

•  بث اليأس والشك والقنوط في نفوس أفراد العدو ، وذلك بالتهوين من امكاناتهم وأسلحتهم وعتادهم، وإبعاد فكرة تحقيق النصر لديهم ، والتلويح بالتفوق العلمي والتكنولوجي والعسكري .

•  تشكيك الجهة المستهدفة في قياداتها السياسية والعسكرية وزعزعة الإيمان بمبادئها وأهدافها .

•  زعزعة إيمان العدو بمبادئه وأهدافه وذلك عن طريق إثبات استحالة تحقيق هذه المبادئ أو الأهداف ، وتصويرها على غير حقيقتها ، وتضخيم الأخطاء التي تقع عند محاولة تحقيق هذه المبادئ.

•  تحطيم الروح المعنوية الدفاعية ( Defensive Morale ) والمعنوية الهجومية ( offensive Moral e ) لجنود العدو المحاربين وكذلك المدنيين .

•  تشجيع جنود الدولة المعادية على الفرار أو الاستسلام عن طريق نداءات الاستسلام وكذلك المنشورات ، ولقد ألقى الأميركيون بأن حرب فيتنام 12 مليار منشور وعلى العراق في 2003 ألقت أميركا قوات التحالف مع بداية الحرب أكثر من ( 2890000 ) مليونين وثمانمئة وتسعون ألف منشور باللغة العربية وفي الحرب الأخيرة على غزة ألقت إسرائيل ملايين المنشورات التي تدعو الناس إلى محاربة المخربين الإرهابيين!!....

•  وتهدف الحرب النفسية إلى ترويع الدولة المعادية وإرغامها على التخلي عن الأعمال العسكرية وتحطيم تحالفاتها السياسية عملاً بالمبدأ القائل من لا تكسبه كصديق اعمل على أن يظل على الحياد ومن ليس معنا يمكن أن يصبح معنا ".

•  إرباك صانعي السياسة والقيادات العسكرية والتشكيك في القيادة وكفايتها وإخلاصها وإظهار عجز النظام عن تحقيق ما تصبو إليه الجماهير فضلاً عن استخدام الضغوط الاقتصادية والحصار بكل أنواعه حتى انهيار النظام .

•  تعزيز الصداقة وتمكينها مع الشعوب الحليفة واكتساب صداقة المحايدين ، وتثبيت فكره أن النصر أمر حتمي والتفوق العسكري مستمر ولا يضاهيه أي تفوق عبر إطلاق التصريحات الظاهرة والضمنية واستخدام مبدأ الحشد للبوارج والطائرات والصواريخ والدبابات .

 

استراتيجية الحرب النفسية الإسرائيلية :-

تسعى إسرائيل دائماً لتحقيق النصر في المعركة الإعلامية على المستوى المحلي والعالمي ضد العرب الفلسطينيين باعتمادها على كل ما هو متاح من وسائل الحرب النفسية وأدواتها الإعلامية السمعية والسمعية البصرية ، والمطبوعة والمقروءة .. وتقنياتات الاتصال الحديثة كالهاتف والفاكس والحواسيب والبرامج المحوسبة والبريد الالكتروني بالإضافة إلى الاستخدام الماكر للمعارض والمتاحف والسينما والمسرحيات والندوات والاجتماعات والملصقات والمنشورات وكذلك عبرالتبادل الثقافي والعلمي مع الآخرين .فالغربيون يعدونها إحدى الدول الأوربية معلوم أن 26 دولة أوروبية تزود اسرائيل بالسلاح وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا ... كما وافدات مؤسسة (كِرب) المستقلة مقرها في بروكسل 11/1/2009. وفي المقابل ماذا يقدمون للفلسطينيين لعل ما يقدمونه للفلسطينيين يظهر في ما جسده رسم كاريكاتوري في شخص أوروبي يقدم المساعدات على شكل حذاء لطفلة فلسطينية مبتورة الأقدام !!! ولقد حظي " الحذاء " في تاريخنا المعاصر بالتقدير !!!! وهذا يحتاج إلى مقال آخر .

تستخدم إسرائيل تلك الأدوات والأساليب بمزج مجالين تدميرين معاً المجال التدميري الأول القوة الفكرية الخبيثة باستخدام الدعاية و الإشاعة والتضليل الإعلامي والتبرير والتزوير والمماطلة ، وبث الرعب والخوف وفرق تسد ، والفوضى الخلاقة وافتعال الأزمات وإثارتها والإرباك السياسي والعسكري والفكري وحرب المصطلحات والتلاعب بها وغسيل الدماغ الجماهيري والتلاعب بالاتجاهات والأفراد والجماعات هدماً وبناء لتحقيق الغزو الفكري والثقافي ..

والمجال التدميري الثاني القوة العسكرية التكنولوجية وتكون بالعدوان والحرب والعنف والإرهاب وارتكاب المجازر والمحارق والتدمير والتهديد بالبطش والاغتيالات والاعتقالات ، وهدم المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات وكل البنية التحتية وحتى مواقع تابعة للأمم المتحدة منها مدارس ومستودعات غذائية كما تستخدم الحرب الاقتصادية بالحصار ... وإغلاق المعابر وإقامة الحواجز .

وتتمثل استراتيجية الإعلام الصهيوني النفسية ، ضد المدنيين والمقاومين في الحرب على الفكر والحرب على الزعماء والحرب على الوحدة الوطنية ، والحرب على العلم والعلماء ، والحرب على الأمن والاستقرار والحرب على نفسية المواطن وعقله ووعيه وقيمه والحرب على العاطفة الجماعية ، والحرب على عوامل الثقة والمحبة ، والحرب على الانتماء للمجتمع ، وعلى الأمن الشخصي والمجتمعي .

ولتحقيق ذلك تستخدم الحرب النفسية الإسرائيلية إثارة الفتن والتوتر وحرب الأعصاب والتشكيك المستمر بجدوى المقاومة ، وتبرير أعمال القتل لكل شيء والتضليل والكذب المتعمد وعدم المصداقية في تغطية الخبر ، والافتراء العلني وإظهار إنسانية إسرائيل أمام الرأي المحلي والعالمي والإقليمي والتحريضي والحقد ، والكراهية والإشاعات بأنواعها الكثيرة منها : إشاعة الإعلام المرئي وتقنية الصورة والخداع والدبلجة كما حدث في صورة الشهيد محمد الدرة بوضع قبعة المتدينين اليهود على رأسه لتظهر أنه طفل يهودي يتعرض للقتل على يد إرهابيين فلسطينيين

ومعلوم أن الحرب الإسرائيلية العسكرية التي تشنها إسرائيل تقوم على قاعدة المعلومات الاستخبارية التي تزودها بها أجهزة الإعلام كالإذاعة والتلفاز والمطبوعات وأجهزة الإعلام الحربي التابعة لوزارة الخارجية وفروعها كثيرة جداً حيث لا يوجد وزارة للإعلام في إسرائيل وكذلك الاعتماد على المخابرات والاستخبارات بأقسامها العديدة .

 

مجالات الحرب النفسية الإسرائيلية :

تعمل الحرب النفسية الإسرائيلية في كافة المجالات الدولية والعربية والفلسطينية وأيضاً إسرائيلية وفي المجال الإسرائيلي تبث دائماً أنها في حالة حرب دائمة مع العرب وأنها محاطة بأعداء يريدون اقتلاعها .. وأن الولاء يجب أن يكون لإسرائيل دائماً .. وهي القوية المنتصرة دائماً وعلى المستوى العربي تبث أن العرب أعداء ولا يرغبون في السلام وهم أغبياء دينهم إرهابي وبؤرته المساجد وأن لديهم رغبة في القضاء على إسرائيل وهذا سيدفع العالم لحرب عالمية ثالثة والتدمير للحضارة الإنسانية ، وعلى المستوى الفلسطيني دائماً تبرر الحرب النفسية الإسرائيلية الأعمال التي تقوم بها إسرائيل على أنها مشروعة ووفق الحق التوراتي التاريخي والشرعية الدولية .. فلهم الحق التاريخي في القدس وإقامة الجدار العنصري وهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه ، وذلك على يد مفكريهم زعمائهم وقادتهم وليس أولها ، ما قام به مجرم (القرنين) شارون وجنوده من تدنيس للمسجد الأقصى وقتلهم لعدد كبير من الفلسطينيين وهذا ليس إلا أحد الأساليب الصهيونية المتنوعة التي أدت إلى انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 ومنذ بداية هذه الانتفاضة وإسرائيل تكثف من حربها النفسية والفكرية التحريضية المسمومة عبر التهديدات والتصريحات التي يطلقها المسئولون الإعلاميون الإسرائيليون ضد الشعب ورجال المقاومة وضد السلطة الفلسطينية وتحديداً رئيسها الشهيد ياسر عرفات ففي 6/10/2000 قال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي "دان مريدور": إن عرفات كان زعيم منظمة تخريبية ومسؤول عن جرائم وعن موت عشرات الأطفال والتحريض على قتل الفلسطينيين أو وقف الانتفاضة يقول باراك لإذاعة إسرائيل الناطقة العربية : في 16/11/2000 لو اعتقدنا أن ألفي قتيل فلسطيني بدلاً من مائتي قتيل كان سيضع حداً لأعمال العنف قد فعلنا ذلك " وبعد 9 سنوات يفخر باراك في أثناء حربه على غزة في يوم 17/1/2009 بأنه قتل أكثر من 1200 شخص من أهل غزة بينهم أفراد من حماس ، أما إسرائيل فقد فقدت عشرة جنود وضابط و3 مواطنين فقط ، وفي نفس اليوم أولمرت رحيم القلب يأسف لما حدث لأهل غزة وأنه لا ينوي الإضرار بهم !! وكيف إذا كان ينوي الإضرار بهم ؟ماذا كان سيفعل أكثر من استخدام أسلحة محرمة دولية ترقى إلى جرائم الحرب .. وقبل ذلك لقد ربط الإعلام الصهيوني تفجير الطائرات في برجى التجارة في نيويورك بشخصية الرئيس ياسر عرفات مختطف الطائرات إبان وجوده في لبنان .

فالقادة الفلسطينيون كلهم إرهابيون وكذلك المنظمات الفلسطينية مخربة وحتى مقابر الأموات وصور الشهداء لم تسلم من أيدي الحرب النفسية الإسرائيلية بعد استشهادهم كما حدث مع الطفل الشهيد محمد الدرة فبعد ثماني سنوات من استشهاده يقول مراقبون فرنسيون: اللوبي اليهودي يسعى إلى طمس حقيقة استشهاد الطفل محمد الدرة الذي استشهد في غزة يوم 30/9/2000م .

والحرب النفسية ما تزال مستمرة وتعتمد على التزوير والخداع وبث الإشاعات والتضليل وبث الفرقة والتخويف والضغط النفسي وإثارة الفتن بين أبناء الشعب الواحد والتحريض والكراهية وتبرير استخدام الأسلحة المحرمة دولياً وأعمال القتل وجرائم الحرب التي يرتكبها "جيش (الدفاع) الإسرائيلي" وتسعى دائماً لتبرئة المتهم واتهام المعتدي عليه وقتل الضحية وطحنها بالدبابات المصنوعة من أميركا كما أن الفسفور الأبيض مصنوع من أميركا سنة 1998 كما أفادت منظمة " هيمن وتيش رايزس" وهي السنة التي زار فيها الرئيس الأميركي كلينتون غزة وألقى كلمة أمام المجلس الفلسطيني في غزة، وتم فيها تعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. فالحرب النفسية الإسرائيلية تخضع لتخطيط قائم على أسس علمية تهدف إلى جعل المواطن يتشكك في دوافعه وقدراته ونفسه وبوصلته وفكره ويشعر بالانهزام الداخلي المدمر .. الذي تنعكس سلبياته على مجتمعه وعدالة قضيته هذه القضية المنتصرة طال الزمن أم قصر إن شاء الله ..

 

الحرب النفسية الإسرائيلية في أثناء الحرب على غزة 27/12/2008

إن نيران الحرب النفسية الإسرائيلية على غزة تزامنت مع نيران الحرب العسكرية التي دمرت أحياء بأكملها ودمرت البيوت على ساكنيها والمساجد على المصلين فيها وطالت مدارس ومستشفيات ومستودعات غذائية ودوائية تابعة للأونروا في مدة 22 يوماً مستخدمة فيها أسلحة محرمة دولية على حد قول منظمات حقوقية عديدة ومنظمات حقوق الإنسان والأطباء العرب والأجانب منهم أطباء نرويجيين .. وغيرهم . فقتلت إسرائيل ما يزيد عن 1300 شخص من نصفهم أطفال ونساء ... وأكثر من خمسة آلاف جريح ... " وزارة التربية والتعليم تفيد باستشهاد (164) طالباً وإصابة (454 ) طالباً وقصف (158) مدرسة خلال العدوان على غزة . ( تلفزيون فلسطين 12/3/2009)" فألقت إسرائيل على أجسادنا في غزة أكثر من ألفين طن من الذخائر كما أفادت التقارير الإخبارية بذلك.

 

وملامح الحرب النفسية الإسرائيلية على غزة ظهرت فيما يأتي :-

أولاً : الاسم الذي اختارته لحربها على غزة هو " الرصاص المصبوب (أو المسكوب ) وهو كناية عن الجبروت والقوة فمعدن الرصاص الساخن يحرق ويؤذى ويؤلم مباشرة، كما أن كلمة الرصاص قد يفهم منها القنابل والصواريخ التي تصب على رؤوس أهل غزة كلهم وعلى ممتلكاتهم ومقومات حياتهم ..أكد ذلك الكلام ما الاسم أطلقته إسرائيل على الحرب (العملية) البرية يوم 3/1/2009 وهو " اضربوا بكل قوة ولا تكترثوا للرأي العام " وفي هذا تحد للجميع وبمباركة أميركية فأحد كتاب صحيفة واشنطن بوست يقول يوم الحرب البرية 3/1/2009 أن حرب إسرائيل على غزة مبررة وفق قانون الأمم المتحدة والمادة 151 وهي دولة في الأمم المتحدة وينبغي مدح إسرائيل لأنها تدافع عن نفسها وهدف الحرب هزيمة حماس أو إبادة إسرائيل التي هي عضو في الأمم المتحدة !! وعبارة إبادة إسرائيل كأن العالم كله ضدها وأن المقاومة تمتلك أسلحة التدمير الشامل وليست صواريخ محلية الصنع ، ويؤكد في نفس اليوم المراسل العسكري الإسرائيلي إيال عليما من تل أبيب يقول : القوانين الدولية تبرر القصف على غزة . فعلاً فهي انتقام مقصود ليس فقط رصاص مصبوب .

ثانياً : تكرار إعلان قادة إسرائيل وإعلامهم قبل عمليتهم (حربهم) على غزة وفي أثنائها وبعدها أن الهدف هو حرب حماس والمقاومة وليس الشعب. فأولمرت رئيس الوزراء يقول في يوم 29/1/2009 الفلسطينيون ليسوا أعداءنا ، عدونا حماس وحزب الله ونحن نقدم خدمة للمعتدلين العرب" وخطورة هذا الكلام أنه لقرب الجبهة الداخلية وتمزيق الجسد الفلسطيني بداية، ثم تعميق الخلافات العربية والعربية الفلسطينية أيضاً ..

ثالثاً :تصريحات قادة العدو أن الضربة الأولى هي بداية ، وأن " العملية" الحرب ستطول لأيام عديدة وهي مقدمة لاجتياح كبير سيطال عمق المدن ، على سبيل المثال أن الخطوة القادمة ستكون إلى محافظة خان يونس واختارت لها اسم " الوردة الحمراء" والطابور الخامس وإشاعاته كانت تغذى هذه الحرب أحياناً .

رابعاً : الاعتماد على الإرباك والتشتيت وخلط الأوراق والدفع باتجاه الاستسلام باستخدام أسلوب الصدمة في الضربة الأولى التي نتج عنها شهداء وجرحى وتدمير لمقررات حكومية ومؤسسات مدنية كثيرة بالاعتماد على الضربة القاضية المرتكزة إلى سطوه القوة بشكل شامل ومركز للقضاء على المقاومة الفلسطينية الباسلة ... التى شهد لها أحرار العالم في كل مكان.

خامساً : التجرؤ على ضرب المساجد فقد دمرت 23 مسجداً وبعض المدارس ومستودعات غذائية ودوائية تابعة للأمم المتحدة كما حدث يوم 15/1/2009 ومستشفيات كمستشفى القدس ومخازن أدوية تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني ومستشفى الوفاء للمعاقين والمؤسسات الإعلامية وقتل عدد من رجال الإسعاف والدفاع المدني والصحفيين كما قصفت بيوت العزاء المقامه للشهداء... أيضاً ، بما يجعل الناس يفهمون أنه لا خطوط حمراء تمنع إسرائيل عن مواصلة حربها .. وعند سؤال ايال عليما عن سبب قصفهم للمسجد والمصليين بداخله في أثناء صلاة المغرب وقتل أكثر من 13 مصلياً قال : أن المساجد بها أسلحة ويختبئ فيها الإرهابيون 3/1/2009 .

سادساً : المبالغة في نشر المنشورات الاستسلامية على كل القطاع وخاصة المناطق الحدودية في رفح وشمال غزة بهدف بث الرعب والفرقة في قلوب الناس وكلها تحريض على المقاومة التي هي سبب الدمار والخراب ومزودة برقم هاتف خلوي للتبليغ عن المقاومين .

وقرأنا العديد من تلك المنشورات وعادة ما تنتهي بمثل أو حكمة مثل أعذر من أنذر ، الحماية أفضل وقاية ، وإلي عقله في رأسه بيعرف خلاصه ، وتكرار مضمون تلك المنشورات عبر الهواتف الأرضية والخلوية ، وتقول انتظروا التعليمات جيش الدفاع الإسرائيلي في أثناء الاجتياح ".واستمرات بعد انتهاء الحرب في استخدام الهواتف في البحث عن الجندي الأسير شاليط مقابل دفع ملايين الدولارات لمن يبلغ عن أي معلومات عن مكانه...

سابعاً : استخدام قادة العدو والإعلام الإسرائيلي التهديد باستخدام المزيد من العنف والقوة والتدمير. واستمرار لتحقيق الحرب النفسية أهدافها على غزة فقد رفض أولمرت في يوم 6/1/2009 اقتراحاً للاتحاد الأوروبي بوقف اطلاق النار وفي نفس اليوم يقول محلل إسرائيلي لإذاعة لندن BBC : لماذا نقبل وقف النار إذا كان العرب معنا والأميركان معنا والأوربيون معنا وكذلك المجتمع الإسرائيلي وقبل ذلك في يوم 29/12/2008 ويقول " وزير الجيش الإسرائيلي" باراك: ستستخدم إسرائيل كافة الوسائل القانونية للدفاع عن مواطنيها ولم يقل هنا كافة أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً .. ولقد استخدمت إسرائيل ما يفوق قوة قنبلة نووية فاستخدمت نصف سلاح الطيران ضد شعب محاصر وإمكانياته بسيطة جداً جداً ، فميزانية الجيش الإسرائيلي 62 مليار دولار سنوياً .‍!!

ثامناً : قيام قادة إسرائيل بجولات دبلوماسية للخارج قبل الحرب وفي أثنائها لكسب التأييد العالمي وجلب غطاء دولي على ما تستخدمه من أسلحة وما ترتكبه من جرائم فحركة وزيرة الخارجية " تسيف ليفني" وتصريحاتها كلها تدل على أن الحرب على غزة لها ما يبررها فهي ضد الإرهابيين وضرورة منع تهريب السلاح إلى حماس المقاومة في غزة وبهذا الخصوص وقعت اتفاقية أمنية (في يوم 16/1/2009) مع رايس قبل انتهاء مدة الحكومة الأمريكية سيئة السمعة .

تاسعاً : ممارسة القرصنة على الإذاعات واختراق الفضائيات وبث بيانات ووسائل تحريضية ضد المقاومة وقادتها والدعوة للاستسلام وحجب المعلومات عن الجمهور الإسرائيلي ومنع الصحفيين من الدخول إلى غزة بالإضافة إلى قطع التيار الكهربائي وضرب محولات الكهرباء لمنع الأخبار وجعل الناس يعيشون في ظلام دامس لزيادة المعاناة النفسية والحياتية بمنع وصول المياه لسكان الأبراج وعدم القدرة على تصريف مياه الصرف الصحي ومنع المخابز من تقديم الخبز للمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ وكذلك حرب الهواتف وتقطيع الأسلاك ..

عاشراً : استمرار لشن الحرب النفسية الإسرائيلية نيرانها على عقول ونفوس أهل غزة المدنيين والمقاومين خلق سيناريو سياسي إعلامي دعائي يتعلق بوقف إطلاق النار من طرف واحد بما يوحي أن لإسرائيل الحق في استئنافه متى تريد وكأنها هي التي اختارته وليست المقاومة وصمودها لمدة 22 يوماً هو الذي دفعها لاتخاذ هذا القرار وأيضاً عدم تسجيل موقف إعلامي للمقاومة أن وقف الحرب تم باتفاق بينهما .

الحادي عشر : ممارسة التضليل الإعلامي العسكري والدبلوماسي بهدف قلب الحقائق وتزوير الوقائع على الأراضي وعرضها على وسائل الإعلام وكأنها ضحية صواريخ الفلسطينيين والإعلام المرئي يركز على الصور التي تخدم المصلحة الإسرائيلية وأنها تفتتح المعابر في أثناء الحرب وتظهر صور شاحنات المساعدات فهي رحيمة وتوقف الحرب لمدة 3 ساعات يومياً من طرف واحد ‍‍‍‍‍‍ وكل يوم تغير موعد الثلاث الساعات ولكن على أرض الواقع لم تلتزم بهذه المواعيد فعلى سبيل المثال في أثناء الموعد التي حددته في أحد الأيام قصفت طائراتها بصاروخ ثلاثة أطفال يلعبون في الشارع العام بالقرارة في خان يونس وكذلك أطفال أخرون في المنطقة الشرقية من خان يونس.

وإسرائيل تعرض صور لمصابين يهود أو قتلى بطريقة فنية (و مدبلجة ) بهدف إشعار المتلقى بالحزن والأسى على قتلى اليهود الذين هم ضحية الإرهاب الفلسطيني كما يزعمون .. وكأن الفلسطينيون هم الذي يضربون إسرائيل بالفسفور الأبيض المحرم دولياً .

والتضليل الإعلامي الدبلوماسي أكثر من أن يحصى فإسرائيل تدافع عن نفسها وأمنها هذا ما سعت إلى نشره الدبلوماسية الإسرائيلية .. وأيضاً ما نشرته الصحف الإسرائيلية في اليوم الذي جاء فيه مبعوث الرئيس الأميركي أوباما إلى الشرق الأوسط "ميتشل" في شهر ينار 2009 من أن يوجد اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على موضوع توسيع المستوطنات، وأن إسرائيل ستزيل 600 بؤرة استيطانية غير مشروعة في الضفة الغربية وكأن هناك استيطان مشروع وآخر غير مشروع وكذلك تضليل " لميتشل الأميركي" وأيضاً ما قامت به من إخفاء أسماء القادة الذين شاركوا في الحرب على غزة حتى لا يخضعوا لمحاكمتهم كمجرمي حرب .

الثاني عشر : استغلت الحرب النفسية الإسرائيلية حرب المصطلحات واستبدال الأسماء وإن كانت هذه الحرب قديماً شنتها إسرائيل على أسماء المدن والقرى الفلسطينية كمصطلح (أورشليم) بدلا من القدس واسم ( يهودا والسامرة) على الضفة الغربية لتزيد الارتباط العاطفي من قبل يهود العالم معها وغير ذلك كثير فقد استخدمت هذا الأسلوب في أثناء حربها على غزة فأطلقت عليها " عملية" ضد الإرهابيين وليس الحرب، وقف إطلاق النار من جانب واحد وكأنها حرب متكافئة من بين دولتين وإسرائيل تعمل ضد العنف الفلسطيني وحربها دفاع عن النفس وليس قتل الفلسطينيين وغير ذلك الكثير من حرب المصطلحات.

الثالث عشر : بث الطمأنينة لدى الجمهور الإسرائيلي وتدفع تعويضات فورية للمتضررين من أصحاب البيوت والمحلات التجارية وإغلاق المدارس أما شهادة (البجروت ) حددت لهم مواعيد و أماكن آمنه تحت الأرض لإتمام الدراسة كما أفادت الإذاعة الإسرائيلية لذلك.

الرابع عشر : أصدر الحاخامات العسكريون "فتاوى" أنه وقت الحرب يجوز قتل العسكريين والمدنيين والأطفال والنساء، بل الحيوانات وهذه الفتاوى قديمة وأعادت نشرها وبثها في نشرات للجنود المقاتلين حسبما أفادت صحيفة هارتس 27/1/2009 وكذلك يجوز القتال يوم السبت الذي هو يوم مقدس ، " والعمل فيه ثواب أكثر " ..‍‍‍‍‍‍‍‍

كما أن مواقع على النت طالبت الجمهور الإسرائيلي بالصلاة والدعاء للجنود المقاتلين على أرض غزة وتقول أن الملكة "راحيل" تقاتل مع الجنود وستساعدهم على تحقيق النصر .

الخامس عشر : تسعى الحرب النفسية الإسرائيلية إلى زيادة الفرقة والانقسام في الصف العربي واستغلاله بما يخدم أهدافها العدوانية فمثلاً نشر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على الإنترنت العديد من المقالات المنقولة من صحف عربية لكتاب عرب تدافع عن وجهة نظر جيش الاحتلال في عدوانه على غزة وتحمل الطرف الفلسطيني المسؤولية عن الأحداث الأخيرة ونشرت صحيفة فلسطين الصادرة في غزة أسماء بعض هؤلاء الكتاب يوم 23/1/2009 وكذلك صحيفة الاستقلال الصادرة في غزة 12/2/2009" تحت عنوان " الخارجية الإسرائيلية تشكر كُتاباً عرباً لمساندتهم لموقف الاحتلال خلال الحرب على غزة " . ورداً على تلك القائمة ظهر على صحفه BBC على الانترنت مقالاً بعنوان "هل تحاصر قائمة العار حرية النقد في الصحافة العربية" ويحتوى المقال على ردود لبعض من وجدت كتاباته على صفحة الإنترنت التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية ( BBC موقع الإنترنت 31/1/2009)

كما أن وزير "الخدمات الاجتماعية والشتات" الإسرائيلي يستحاق هرتسوع يدعو إلى إطلاق تلفزيون على شاكلة (قناة الجزيرة) يبث بلغات عديدة صرح بذلك في مؤتمر عقد في هرتزيليا (جزيرة نت 3/2/2009) وكأن ما تمتلكه إسرائيل من هيمنة إعلامية لا يكفي الإسرائيليين . فلقد باعت إسرائيل مؤخراً قماراً صناعياً للهند بغرض التجسس ولكن (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وخاصة بعد أن قالت حماس والمقاومة أنها حققت انتصاراً على إسرائيل .. في حربها الأخيرة على غزة .

 

ختاماً واختصاراً :-

سعت إسرائيل وما تزال تسعى للتأكيد على أن لها حق توارتي تاريخي في أرض فلسطين (أرض الميعاد) وتساندها في ذلك حربها النفسية التي تردد دائماً أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض... " وأن إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وتنشد السلام دائماً وتريد مفاوضات مباشرة مع كل العرب وهي دولة منتصرة دائماً ..

وتخطى بدعم وإعجاب أمريكى وغربي مستمرين ، واليهود جادون ومتفوقون تكنولوجياً وأذكياء واليهود محاربون شجعان وقساه وتنشر ذلك عبر وسائلها الإعلامية المتنوعة بهدف تهويد المعرفة والغزو الفكري العالمي واستغلال الإعلام الأميركي والغربي المهيمن على مقدرات العالم وثرواته وأفكاره والعمل على عولمته بما يخدم الأهداف الصهيونية التي تسعى إلى تحقيقها واطلاق من أقماراً صناعية وإذاعات فضائية بلغات عديدة منها اللغة العربية فالحرب النفسية الإسرائيلية مخططة ماكرة ( لا تمسك الثور من قرينه ) .لذا عرفوا كيف يتحكمون بالعقول لكي يتحكموا بالقرار ويؤثروا فيه .

وإن ما تحققه إسرائيل من نجاحات في مجالات كثيرة يعود لأسباب كثيرة منها غياب التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم ورصد الميزانيات اللازمة لتوحيد الجهود لحماية الإنسان العربي وماضيه وحاضره ومستقبله فالثروة البشرية أثمن الثروات والتفريط فيها تفريط في كل شيء ويجب أن نعلم جميعاً علم اليقين أن ما حققه اليهود وما يسيطرون عليه من أساليب الحرب النفسية وأسلحة التدمير العسكرية ليس لأنهم لا يُقهرون ولا لأنهم قدر لا يرد ! ولكن لأن الخلاف والاختلاف والفرقة هي السائدة وسيدة الموقف للأسف ... بين العرب والمسلمين ... فانتصر التخطيط الماكر على الفوضى والضعف والتخاذل .. ( وإن الله لا يغر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .