...

حواديت ...للحديث بقية


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

حواديت

للحديث بقية

د. أسامه الفرا

إنشغل صديقي على مدار أيام عدة مع أفراد أسرته في توزيع ( التركة ) التي ستهبط عليه من حيث لا يحتسب ، ولم يكن الأمر بالهين عليه حيث لم يسبق له أن تعامل مع لغة الأصفار في عالم المال ، وإقتصرت إدارته المالية على راتبه الشهري ، حيث بنود الصرف ثابتة دون متغير يتطلب إجتهاداً أو( فزلكة ) ، وعادة ما يدفعه العجز بين الإيراد ( الراتب الشهرى ) والمصروفات المتعددة الأشكال والألوان إلى تجنب المرور بجوار البقال ، ويفضل المكوث بالبيت بما يخلقه من مشاحنات كلامية عن مغادرته بما يترتب عليه من فضح جيوبه الخاوية ، وبالتالي من حقه أن يغرق مع أفراد أسرته في توزيع الثروة التي جاءته دون سابق إنزار عبر البريد الألكتروني ، ولعل الحاجة هي ما حجبت عنه الحقيقة ودفعته لمتابعة بريده اليومي وما يحمل من مستجدات علها تغير واقعه وتمكنه من التغلب على الإرتفاع ( الصاروخي ) للأسعار ، كان صديقي قد إستقبل عبر بريده الألكتروني رسالة تخبره بأنه فاز بمبلغ كبير من المال من شركة عالمية إرتبط اسمها بالأغنياء في هذا العالم ، وأمام الفرحة لم يتوقف صديقي البتة عند الآلية التي جاءت به إليهم ، وسارع إلى الرد عليهم مستعيناً بصديق يعلم لغتهم ، وتمنى عليه أن يبقي الأمر سراً كي يتجنب ( الحسد ) وإيماناً بمقولة ( داري على شمعتك تقيد ) ، المهم أن صديقنا في ذلك اليوم أصر على ضرورة العودة لمنزله لأمر هام ينتظره ، رغم إلحاحنا عليه ونحن نعلم أنه ( فاضي أشغال ) أن يلغي موعده ، ولكن إصراره على العودة دفع الفضول لدينا لكشف المستور لديه ، فبدأ متردداً في البوح بالسر العظيم الذي حاول تغليفه بكلمات مبهمة ، ليس من باب التشويق بل خوفاً على حلمه من التبخر من ( نق ) الأصدقاء ، فتحدث عن الثروة التي هبطت عليه ( بالبريد ) وأنه ينتظر اليوم ( تهميش الهوامش ) ، وكانت الثروة هذه قد عشعشت في وجدانه ونسج منها مستقبلاً له ولأسرته ، لم يكن من السهولة بمكان علينا أن نعيده لصوابه ، وأن نسقط عليه حقيقة السراب الذي إستسلم له ، وبالتالي كان علينا أن نجرعه الحقيقة ( المرة ) بنظام التنقيط ( التفتوت ) ، وإبتعدنا قليلاً عن الحقيقة لنتناول حجم الكذب الذي يتداوله البريد الإلكتروني ، وإقتربنا رويداً من عمليات ( النصب ) التي تسخرها اليوم تكنولوجيا الإتصالات ، وأنه لم يعد من متطلبات ( اللص ) اليوم القدرة على تسلق الأسوار وخفة اليد في التسلسل إلى ما خفي داخل الجيوب ، بل باتت السرقة تتم من مكاتب فارهة وقبضة معلومات توفرها قاعدة البيانات على صفحات الإنترنت ، وعودة على صديقنا ، الذي حاول أن يبقي حالته بعيداً عن دائرة ( النصب ) التي نتحدث عنها ، تحدث بشئ من الجدية عن تبادل الرسائل على مدار الأيام السابقة مع ممثل الشركة ( المزعوم ) ، وتأكد من ( مصداقيته ) بإتصال هاتفي أكد له فيه أن كل الخطوات تسير على أكمل وجه ، وأن تحويل المبلغ الكبير ( الجائزة ) بات في متناول يد صديقنا ( حلال زلال ) ، بعد أن وفر صديقنا له البيانات الشخصية بما في ذلك رقم حسابه البنكي ، وقبل ان يواصل صديقي حديث الواثق ، بأنه بات قاب قوسين أو أدنى من ثروة تنقله إلى صفوة الأغنياء في المنطقة ، قاطعته قائلاً له بأن تحويل الثروة ( الطائلة ) إلى حسابه الشخصي منوطة بإيداع مبلغ صغير لا يتجاوز بضع دولارات في حساب من سيتولى أمور التحويل ، عندها لا حت على وجه صديقي تغيرات فاقت في تنوعها ألوان قوس قزح ، وأدرك حينها ، وإن حاول إخفاء ذلك ، أن الرسالة التي وصلته بنفس مضمون ملايين رسائل النصب التي تنتشر يومياً في أصقاع العالم عبر البريد الألكتروني ، تبحث عمن يصدقها ، ودعت صديقي مؤكداً له بأن للحديث بقية .