...

قمة العرب .. وحكومة نتنياهو


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

لقاء السبت

قمة العرب .. وحكومة نتنياهو

   بقلم : أبو يسار

 

 

خلال الأسبوع الماضي انعقدت قمة العرب في الدوحة، قمة المصالحات كما أسموها؟.. ولا ندري أي مصالحات هذه التي يتحدثون عنها.. فهي لم ولن تخرج عن تقبيل اللحى عند العرب، مظاهر مصالحة، ولكن الخلافات تبقى معششة في القلوب والعقول معاً، فمنذ انتهاء الدولة العثمانية الموحدة في بدايات القرن الماضي (1917) وظهور الكيانات الإقليمية في الوطن العربي وبروز الحدود بين هذه الكيانات بفعل التقسيمة البريطانية الفرنسية أن ذاك (معاهدة سايكس بيكو) زرعت بزور الخلاف بين هذه الكيانات لتنبت ثم تنمو وتكبر لتتحول إلى أشجار معمرة كالبلوط والسرو والكينيا، وقبائل العرب تتفرج على هذا الزرع وتراقبه عاجزة لا تقدر على فعل أو أي عملية تغيير، فالمهندس الزراعي المشرف إما أمريكي أو بريطاني أو فرنسي وعلى شيوخ تلك القبائل استلام التعليمات والمنشطات والأدوية التي تحافظ على زرع الفرقة المغروس منذ عام 1917 قائماً متنامياً من ذاك المهندس الذي رسم وخطط لهذا الزرع.

وبالرغم من قناعات العديد من أبناء الأمة العربية بأن هذه القمة كغيرها من القمم لا تخرج عن كونها مجرد لقاء يجمع شيوخ القبائل العربية ليتصافحوا ثم يقفوا في صورة تذكارية ثم يأكلوا الولائم ثم يغادروا بعد أن يكلفوا مضيفهم بإلقاء بيان تم إعداده مسبقاً للصحافة ووسائل الإعلام، اثنان وعشرون قمة حتى الآن جمعت شيوخ العرب، ولم نرى أي فعل عربي حقيقي يصحح مسيرة هذه الأمة أو يرفع من شأنها، بل على العكس لا نرى إلا انتكاسات وتراجعات ومزيداً من التنازلات.

وقد يتساءل البعض لماذا؟ أليس بمقدور هؤلاء الشيوخ توحيد كلمتهم ورص صفوف قبائلهم؟ وببساطة بات كل العرب يدركون أن السبب يكمن في ارتباط هؤلاء الشيوخ بأجندات دولية تضمن بقاءهم في كراسي المشيخة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنهم قادرون على توحيد الكلمة ورص الصفوف إذا وضعوا مصلحة الأمة مجتمعة فوق مصالحهم القطرية الخاصة وفوق الكراسي وكان لديهم الاستعداد للتضحية وامتلاك إرادتهم ومن ثم قرارهم.

لقد بات حال العرب لا يسر صديق ولا حتى عدو، فأضحوا كالحملان الذين تتخاطفهم الذئاب يقدمون تنازلات تلو أخرى ولا يجدوا إلا تشدداً وطناشاً  واحتقاراً من عدوهم الذي خبر ماءهم كما تقول العجائز.

القمة الـ 22 للعرب والتي أكدت على ما أسموه سابقاً بالمبادرة العربية للسلام مع الكيان الصهيوني والتي يتجاهلها العدو منذ إعلانها في قمة بيروت عام 2002 ولم يكلف نق\فسه عناء الرد عليها، ولا زال العرب يصرون على تسويقها وهي لا تشكل إلا بضاعة بائرة عند العدو الصهيوني، ونحن العرب لا نتعلم لا سيما وأن عجائزنا قلن في أمثالهن ( إللي بدلل على بضاعته بتبور)، فلماذا الإصرار على بضاعة بائرة يرفض العدو النظر إليها؟ كان على العرب سحبها من السوق السياسي وإظهار بضاعة أخرى تجبر العدو على النظر إليها بجدية، كان الأجدى بالقمة الـ 22 أن تسحب هذه المبادرة وتقول للعدو أنها ليست الخيار الاستراتيجي، وأن اليد الممدودة للسلام يمكنها أن تحمل البندقية أيضاً، وغصن الزيتون لا يجدي مع عدو شرس متغطرس لا يفهم إلا لغة القوة، والعالم اليوم لا يحترم ضعيفاً متنازلاً عن حقوقه الشرعية، فنحن أمام عالم ظالم لا يحترم الضعفاء بل يخاف من الأقوياء، وطالما حافظنا على الفرقة والشرذمة والقطرية لن نكون من الأقوياء، وعلينا أن نرى كيف يتعامل العالم مع كوريا الشمالية التي يقتلها الجوع بينما تقتلنا التخمة، كوريا الشمالية تجوع وتربط الأحزمة على البطون لتمتلك قوة الردع، ونحن نأكل ونشبع حتى التخمة ولا ننتج ما نأكل بل نستورده من أعدائنا، وإيران الجارة لنا فرضت نفسها في السوق السياسي والعالم الذي يرفض حتى النظر لما نسوقه، هو نفسه الذي يلهث وراء ما تسوقه طهران.

إنها لغة القوة التي يخاصمها العرب وحدهم، بينما يسعى لها الآخرون، إننا نبدو كمن يملك يداً واحدة تحمل غصن الزيتون ولا يملك اليد الأخرى التي يمكنها حمل البندقية.

في اليوم التالي لقمة العرب أعلن بنيامين نتنياهو حكومته التي أكدت ( وبلسان وزير خارجيتها العنصري ليبرمان) رفضها لقيام دولة فلسطينية، وأن الاستيطان حق مشروع للعدو الصهيوني، وأن القدس هي عاصمة الدولة اليهودية، وأنه لا انسحاب من الجولان، كما أكدت على رفض خارطة الطريق الأمريكية واتفاق أنا بوليس؟!، وقال نتنياهو أنه على استعداد لعملية سلام اقتصادي؟ وهذا يعني أنهم مستعدون لإعطائنا ما يتخمنا وينسينا حقوقنا الشرعية!!.

كان الأجدى بشيوخ قبائل العرب (الملوك والرؤساء والأمراء) أن يدركوا أن العالم لا يحترم إلا من يحترم نفسه، ولا يعطي موقعاً إلا لمن يأخذه بيده، ولا يقر حقاً مسلوباً من أحد إلا لمن يسترجعه بإرادته وقوته، وأن الشرعية الدولية لا يجب أن تحل محل الشرعية الوطنية ولا تكون على حسابها، وأنه لا يجب الاعتراف بهذه الشرعية طالما استمرت بالكيل بمكيالين، فأي شرعية دولية تلك التي تريد تقسيم السودان بعد أن قسمت العراق وأضاعت فلسطين، على شيوخ العرب الاعتراف بالشرعية الدولية عندما تعترف بحقوق العرب في فلسطين ولبنان والجولان والسودان، ونحن كعرب مستعدون لمناقشة وحوار من يقف خلف هذه الشرعية الكاذبة عندما يشكلون المحاكم الجنائية الدولية ويجلبون مجرمي الحرب الأمريكان والبريطانيين والصهاينة معاً لمحاكمتهم بتهم جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين ولبنان والعراق، متى يفهم شيوخ العرب أن الشرعية الدولية قد حولت المقاومة الشرعية إلى إرهاب؟ وحولت الحرب على الإرهاب إلى حرب علينا؟ وتريد إرهابنا بما يسمى الديمقراطية؟ على شيوخ العرب إدراك حقيقة هامة بأننا لا نريد ديمقراطية مفروضة علينا ومستوردة من أمريكا، بل نريد ديمقراطية تفرضها شعوبنا وتقر بها شريعتنا، عندما يدرك شيوخنا كل ذلك فنحن حتماً سنسير إلى أمام ونفرض ما نريد وستكون يدنا هي العليا.