...

مأساة العراق .. مأساة غزة


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

لقاء السبت

مأساة العراق .. مأساة غزة

بقلم : أبو يسار

 

كان من الواجب أن أكتب اليوم عن استمرار مأساة غزة وتعاظمها بعد الحرب ، لاسيما وأن الحصار ما زال مفروضاً بقسوة عليها الأمر الذي يفرض على العديد من الأسر أن تعيش تحت الخيام التي لا تقي حراُ ولا برداً دون أن يشعر أحد من هؤلاء المتحاورين بمعاناتها ، والذين لا زالوا يبحثون عن الحصص ويدّعون حرصهم على القضية والشعب والوطن ، بينما الحقيقة تكذبهم جميعاً كونهم يبحثون عن مصالح فئوية ضيقة وعن كراسي ، والناس البسطاء باتوا يدركون أن من يدّعون أنهم قيادات الشعب وخياره ليسوا إلا تجاراً بضاعتهم معاناة الشعب المغلوب على أمره في غزة والقضية التي تتوارى يوماً بعد آخر بسبب نظرتهم المحدودة والمتمثلة في استمرار بقائهم على خوازيق ما يسمى بالحكومة.

لا شك أن الكتابة في هذا السياق ستثير حفيظة هؤلاء المدّعين تمثيلهم للشعب والذين لا يحتملون رأياً حراً ولا نقداً بناءاً ولا نصيحة مخلصة تتعارض مع مصالحهم الفئوية ، وسيعتبرونها موجهة ضدهم وسيصنّفوا صاحبها بالعدو أو من يتساوق معه ويقف في صفه ؟؟!! ولهذا آثرت السلامة وإراحة الدماغ عناء الصداع ، وقررت أن أكتب عن مأساة العراق الذي أعتبره وطني الثاني حيث درست فيه وتخرجت منه وعشت مرحلة شبابي ونضوجي في أحضانه ، شربت من مائه وأكلت من زاده وأصابتني نعمه وخيراته الوفيرة ، وخبرت أهله بكرمهم ورجولتهم وشهامتهم وعزتهم وشموخهم ، هذه الصفات العربية الأصيلة التي عمل الاحتلال الأمريكي جاهداً وعملائه المحليين على محاولة ضربها للقضاء عليها من خلال تدمير البنية الاجتماعية والنسيج الإنساني للشعب العراقي الكريم .

ولكي يحقق الاحتلال الأمريكي أغراضه في ذلك لابد له من تدمير الأساس المتمثل في الأسرة العراقية ، وهذا لا يتم إلا من خلال تجويع الناس وحرمانهم ودفعهم للبحث عن رغيف الخبز بأي ثمن ، لاسيما وأن العراقيين لم يعرفوا الجوع قبل الاحتلال ، وكل من عاش في العراق يعرف أن الأسرة العراقية تتريق في الصباح الباكر بالقيمر وخبز التنور الساخن ثم تتناول إفطارها في العاشرة صباحاً والمكون من التكّة والمعلاق المشوي ، وفي وجبة الغذاء تتناول الخضار مع التمّن ولحم الضأن الوفير ، أما وجبة العشاء فالسمك المسقوف أو اللحوم المشوية ، هذه هي عادات الأسرة العراقية في الطعام حيث لم يكن هناك ضيقاً أو ضنكاً بل خيرات ومال وفير .

نجح الاحتلال الأمريكي وعملاؤه المحليين في تفكيك الأسرة العراقية جراء الحرب وتقسيم العراق واقعياً وظهور الطوائف والملل وانتشار ميليشيات القتل والسلب والاغتصاب ، الأمر الذي دفع العديد من أبناء الشعب العراقي الكريم للبحث عن رغيف الخبز بأي ثمن ، فمنهم من باع كتبه ثم أثاث بيته ثم أعضاء جسده ، ووصل الأمر لبيع الجسد كله فالجوع كافر لا يرحم ، وانتشرت عصابات المتاجرة بالرقيق الأبيض ، وتحويل الحرائر العراقيات إلى بغايا في سوق النخاسة ، وتطور الأمر للمتاجرة بأطفال العراق جيل المستقبل الذي بات هدفاً للاحتلال الأمريكي وأعوانه لإتمام مخطط تصفية العراق بمستقبله ..  خمسة عشر طفلاً عراقياً يباعون يومياً .. أي 450 طفلاً في الشهر !!! .. أي 5400  طفل في السنة ، والسعر 300 دولار للطفل الواحد ؟! يا بلاش!!! ،  يباع بعض هؤلاء الأطفال لأغراض التبني والبعض الآخر للاستغلال الجنسي أي لتحويلهم للرقيق الأبيض ، وهذا للأسف ما أكدته مصادر عراقية رسمية في حكومة نوري المالكي العميلة .

مصدر في وزارة الداخلية العراقية التي يجلس في قمة هرمها الإيراني الأصل بيان جبر صولاج أكد أن العصابات التي تقوم بهذه المهمة تنقل هؤلاء الأطفال المباعين إلى الأردن والكويت وسوريا وإيران كمحطة أولى ومن هناك يجري توزيعهم إلى دول أخرى ومن هذه الدول إسرائيل ؟ .. وهذا يؤشر على دور واضح للموساد في هذه العملية الخبيثة الخطيرة التي تستهدف البنية التحتية ( الأسرة العراقية ) في المجتمع العراقي ، أب عراقي باع كل ما لديه من حطام الدنيا ولم يبقى لديه شيء يبيعه لإطعام أسرته المكونة من 9 أفراد قال أنه استغل غياب زوجته في عملية بحث عن الطعام وباع أصغر أبنائه البالغ من العمر تسعة شهور ،وعندما عادت الزوجة ولم تجد وليدها الرضيع أصابتها الصدمة فتناولت سماً وماتت .

ألا تدفع هذه الواقعة الأمة للاحتجاج والنهوض لنصرة شعب العراق الذي لم يتباطأ يوماً في نصرة كل الشعوب العربية في فلسطين .. الجزائر .. اليمن .. لبنان .. مصر .. السودان .. الأردن .. موريتانيا ..؟ ألا تهز هذه الواقعة ضمير حكام العرب المتخمون من كثرة ما يأكلون حتى تكرّشوا وباتوا بلا رقبة ؟ ثم ما هو دور جامعة الدول العربية وأمينها العام وهو الحاضر الغائب الذي لا نرضى له أن يظل كشاهد الزور ؟ وأين هي منظمات حقوق الإنسان التي تتبجح دفاعاُ عن أهالي دارفور ؟ وأين هي الشرعية الدولية التي تشكل محاكم جرائم الحرب وترصد الميزانيات الضخمة للصرف على تلك المحاكم ؟ لماذا لا يتولى دعاة هذه الشرعية الكاذبة الدعوة لإنشاء المحاكم الخاصة لمحاكمة من تسبب في تدمير العراق وتمزيق شعبه وتجويعه ؟.. أسئلة لم ولن تجد إجابة طالما ظل هذا العالم المنافق يكيل بمكيالين وطالما ظل حكام العرب تنابلة للسلطـــان.