...

في ذكرى النكبة.. حوار طرشان


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

لقاء السبت

في ذكرى النكبة.. حوار طرشان

بقلم: أبو يسار

21-5-2009

كنت غير راغباً في أن يكون عنوان مقالي هذا (حوار الطرشان) وخصوصاً ونحن في ظل ذكرى النكبة الكبرى، نكبة قيام الكيان الصهيوني على أرضنا وآمالنا ومستقبلنا، وما سببته لنا هذه النكبة من جراح تنزف حتى اليوم، لن تندمل إلا بتحرير الأرض وتوحيد الشعب والعودة إلى الوطن، وكنت أرغب أن أكون مبشراً لا منفراً، وليس كما يقول البعض متفائلاً لا متشائماً، كوني سياسي براجماتي لا أعرف التفاؤل والتشاؤم حيث لا وجود لهما في العمل السياسي، لأن السياسة مصالح تحتكم إلى العقل لا إلى العاطفة، ومن الطبيعي أن نحاكم القضايا عقلانياً لا عاطفياً،.

قبل أيام قليلة مرت علينا ذكرى النكبة.. الذكرى المريرة التي لا تنقطع بآلامها وجراحها النازفة، ونحن نعيش الآن نكبتان متصلتان.. نكبة الانقسام من جهة ونكبة الحصار المفروض علينا من جهة أخرى، وكنا ننتظر من هؤلاء المتحاورين أن يستشعروا آلام النكبة الأم لتكون دافع لهم للتخلص من أمراض القسمة والشرذمة والفئوية الفصائلية والأنانية وعشق الكراسي والسلطة بلا سيادة ليسهموا في دمل جراحنا ويخلصونا من نكبة الانقسام والفرقة والاشتباك على الأرض والفضائيات معاً ونشر غسيلنا القذر، ليتفرج عليه العالم ويتشفى فينا العدو.

جولة تعقب جولة والأصح أن نقول حلقة تعقب حلقة في مسلسل الحوار الممل والذي كره الناس مشاهدته أو متابعته، مسلسل تقسيم الكعكة التي يطمح هؤلاء المتحاورين الحصول على النصيب الأكبر منها، على حساب الشعب المحاصر والجائع والنائم بعضه في العراء تحت خيام في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا لا تقي برداً ولا حراً، حيث يعيشون حياة بدائية تعيد إلى الأذهان منظر مخيماتنا عام 1948م بل أسوأ، وينتظرون بفارغ الصبر وهم يترقبون الإذاعات سماع خبر اتفاق هؤلاء الفاقدين للحياء والإحساس الجالسون في فنادق الخمس نجوم يأكلون أشهى الطعام وينامون في التكييف، ويتشدقون لوسائل الإعلام مدّعين تمثيلهم للشعب وحرصهم عليه وهم يكذبون كما يتنفسون، لو كان الشعب المتسابقون هؤلاء على قهره ونكئ جراحه يهمهم أمره لاتفقوا في جلسة واحدة، نحن جميعاً بتنا ندرك أن القضية بالنسبة لهم ليست الوطن ولا الشعب، وإنما الكراسي والمصالح المكتسبة فئوياً وذاتياً، وبتنا ندرك أيضاً أن هؤلاء لا يمثلونا ولا يمثلوا شرعية يدعوها فهم يتفنون في الاختلاف وإجهاض أي مقترحات يمكن أن تقربهما للاتفاق، لأن هذا الاتفاق المنشود سيؤثر حتماً على المصالح الخاصة، وسيفقد الكثير منهم امتيازات مكتسبة مهنية ومادية ومعنوية حصلوا عليها جراء هذا الانقسام.. هؤلاء لا مصلحة لهم في وحدة ووفاق، وملعون أبو الوطن والقضية الضائعان منذ 61 عاماً.

وفي الوقت الذي تستغل فيه قيادات العدو الصهيوني المستريحة كل ثانية ودقيقة وساعة من الزمن إعلامياً وسياسياً وميدانياً محلياً وإقليمياً ودولياً لقضم الأرض وتهويد القدس وبناء المستوطنات وتعبئة قطعان المستوطنين، يبدو أن القيادات التي ابتلانا بها الله لا تعير لهذا الزمن انتباهاً بالرغم من وجود أيادينا في النار.

كان يمكن أن تكون ذكرى النكبة الكبرى الواحد والستون دافعاً كبيراً لإنجاز اتفاق الوحدة والتخلص من الانقسام، ولكن الواضح أن المصالح الفئوية أكبر بكثير من النكبة بحد ذاتها وأكبر من الوطن، ومن حقنا نحن أهل فلسطين أن نتساءل وأن نسأل هؤلاء على ماذا يختلفون؟، وهل نقاط الخلاف هذه لمصلحة الوطن والقضية ونحن معاً أم هي مصلحة فئوية؟، ثم ما هي نقاط الخلاف التي يراوحون أمامها؟، وهل تحتاج لكل هذا الزمن المهدور؟.. لو خلصت النوايا ووضع هؤلاء (السادة) مصلحة الوطن فوق مصالحهم الخاصة والفئوية لتمكنوا من الاتفاق في جلسة واحدة لا سيما إذا كان الهدف هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، نحن في الحقيقة لا نعرف على ماذا يختلفون، وكل ما يقال ويسرّب عبر وسائل الإعلام أنهم مختلفون على شكل الحكومة ونظام الانتخابات القادمة وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، هل تستدعي هذه المسائل كل هذا الزمن لو كان هؤلاء يضعون نصب أعينهم مصلحة الوطن والشعب؟!، فمن يدّعي الحرص على الوطن والشعب معاً يجب أن يظهر استعداداً عالياً للتضحية، لأن المصلحة الوطنية تأتي دائماً على حساب المصالح الفئوية، لا سيما أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني ولم نصل بعد إلى مرحلة الاستقلال والدولة ذات السيادة، وعلينا أن نتذكر كيف توحد الجزائريون إبان حرب التحرير الشعبية بكل ألوانهم وانتماءاتهم يميناً ووسطاً ويساراً تحت سقف جبهة التحرير الوطنية الجزائرية التي تمكنت من إنجاز التحرير فالاستقلال ثم الدولة دون أن يتناحر هؤلاء أو يتقاتلوا، وكذلك فعل الفيتناميون عندما توحد الحزب الشيوعي بقيادة الجنرال جياب مع أقصى اليمين إبان حرب تحرير فيتنام من الاحتلال الفرنسي الأمريكي وتوحيد شطريها تحت سقف جبهة التحرير الفيتنامية (فيتكونج) ولم يتمترس أحد من هؤلاء أمام مصلحة فصيل أو حزب لأن التحرير كان بالنسبة لهم فوق كل اعتبار حزبي.

لماذا يتوقف هؤلاء المدعين تمثيل الشعب وحرصهم عليه أمام شكل الحكومة؟، وهل تكون حكومة وفاق وطني أم حكومة فصائلية؟، ولماذا يتوقفون أمام نظام الانتخابات.. نظام القوائم أو نظام الدوائر أو الاثنان معاً.. مم يخافون؟، من يدّعي أنه يمثل مصلحة الشعب ويحرص عليه لا يتوقف كثيراً أمام هذه المسائل، أما من يشترط نظاماً محدداً للانتخابات فهذا يعني خوفه من السقوط في الامتحان يوم الانتخابات لأنه يعرف أن الشعب فقش بيضته واكتشف أنها حائضة لا تحمل جنيناً.

أما الأجهزة الأمنية والتي يتفق الجميع على إعادة هيكلتها على أسس وطنية والكفاءة والنزاهة بعيداً عن الانتماء الفصائلي والارتباطات الخارجية، فإن إنجاز هذا الملف وبمساعدة عربية أو بدونها لا يحتاج زمناً طويلاً ولا جهداً خارقاً.

أيها السادة الفصائليون أنتم بصراحة تكذبون ليس علينا لأننا كشفناكم بل على أنفسكم.. كل طفل فلسطيني يكشفكم اليوم وسيلعنكم غداً، كل إمرأة ثكلى أو أرملة تلعنكم بلسانها وبقلبها، أيها السادة الفصائليون مصر لن تحتملكم كثيراً.. المصريون رسمياً وشعبياً قرفوا منكم.. وأن لم تتفقوا سيبصقون عليكم، لأن مصر لم تعد تقبل بدور المضيف الحليم فقط فاستمرار الانقسام يضر بأمنها القومي، اتقوا غضب شعبكم وغضب المضيف معاً.