...

أخبروني .... مع من أجلس؟


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

أخبروني .... مع من أجلس؟ 
 

أَعلَنُوا عَنْ رِحْلَةٍ فِي الْكُلِيَةِ الْتِي أَعْمَلُ بِهَا, وَ تَرَكُوا لِلْمُشَارِكِيِنِ حُرِيَةِ اخْتِيَارِ الْجَلِيِسِ لِكُلِ مُشْتَرِكٍ وَ قَالُوا أنَ كُلِ مُشْتَرِكٍ سَيَجْلِسُ مَعْ جَلِيِسِهِ طِوَالِ مُدَةِ الْرحْلَةِ الْتَي سَتَمْتَدُ مِنَ الْسَاعَةِ الْسَابِعَةِ صَبَاحًا وَ حَتَى الْعَاشِرَةِ مَسَاءً ...

و أَصْبَحَ أَمَامِي خَيَارَاتٍ مُتَعَدِدِةٍ بَيْنَ جَلِيِسٍ يُحِبُ كَثْرَةِ الْكَلَاَمِ فِي كُلِ شَيءٍ وَ آَخَرٍ يُحِبُ شُرِبِ الْدُخَانِ وَ ثَالِثٍ يُحِبُ صَلَاَةِ الْجَمَاعَةِ وَ رَاَبِعٍ يُحِبُ حُضُورِ الْأَفْلَاَمِ وَ سَمَاعِ الْمُوسِيقَي وَ خَامِسٍ لَاَ يَصْعَدُ مُرْتَفعَاً وَ لَاَ يَنْزِلُ مُنْحَدَرًا إلا مُكَبِرَاً وَ مُهَلِلاً وَ مُسَبِحًا .... وَ سَادِسٍ وَ سَابِعٍ وَ ,,,,  

وَ بَدَأْتُ أُفَكِرُ مَنْ أَخَتَارُ جَلِيسِا لي فِي هَذِه الْرِحْلَةِ حَتَى أَكُونَ سَعِيْدَاً وَ مرْتَاحًا وَ لَا يُصِيبُنِي مَكْرُوه... فَبَدَأْتُ أُفَكِرُ وَ اَبْحَثُ فَأنَا يهِمُنِي جِدَاً الْجَلِيس فَهُو مَنْ سَيُصَاحِبُنِي وَ يُجَالِسُنِي وَ يُسَلِينِي وَ يُرْشدَنِي وَ يَنْصَحُنِي ....

بَدَأَ البَحْثُ فَإِذَا بِي أَسْمَع فِي طَرِيقِي صَوْت الشَّيْخ الْحُصَرِي يُرَتِّل آيَات رَبِّي فِي صَدْرِ سُورَة البَقَرَة :

"ذلك الكتاب لا ريب فيه" ....

فَقُلْتُ فِيهِ ضَالَّتِي فَبَحَثْتُ بَيْنَ آيَاتِهِ وَ سُطُورَه فَإِذَا بِرَبِي يُخَاطِب النَّبِي صَلَى الله عَلِيه وَ سَلَّم و نَحْنُ مِنْ بَعْدِه فَيَقُول لَه: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَـــــــانَ أَمْرُهُ فُـــــــرُطاً " وَ إِذَا بِه  فِي آية بَعْدها يَصِف حَالَ رَجُلٍ يَتَعَذبُ فِي النَار فَإِذَا بِه يَلُوم صَاحِبَه وَ يَنْدَم عَلى أَنَّه اتَخَذه صَاحِباً فَيَقُول " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَـلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَـوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا * لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى وَكَانَ الشَّيْطَـنُ لِلاِْنسَـنِ خَذُولا" .....

فَقُلْتُ هَذَا هُوَ الْمِفْتَاح , هَذَا الْرَجُل نَدِمَ عَلَى أنْ سَارَ مَعْ صَاحِبٍ مَا وَ قَالَ مُعَاتِبَاً نَفْسَهُ يَالَيْتَنِي اتْخَذْتُ مَع الْرَسُولِ سَبِيلَاً .... فَمْفتًاحُ الْفَلَاح ِهُوَ الْسَيِرِ مَع الْنَبِي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ وَ لَكِنْ الْنَبِي لَيَسَ حَيًا فَأسَيِرُ مَعَه .... و لَكِن مَنْهَجه بَاقِي مَعَنَا فَبَحَثتُ فِي الْأَحَادِيثِ فَإذَا بِالنَبِي صَلىَ اللهُ عَلَيِهِ وَسَلَمَ يُمَيْزُ بَيْنَ الْصَاحِبِ الْسَيئ وَ الْصَاحِبِ الْحَسَن فَيَقُولُ : " إنما مثل الجليس الصالح و جليس السوء : كحامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك ، و إما أن تجد منه ريحاً طيبة . و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجد منه ريحاً منتنة " ....

هَكَذَا وَجَدْتُ ضَالتِي وَ عَرِفْتُ أنَ الْجَلِيسُ الْذِي لَابُدَ أنْ اَخْتَارَه فِي هَذِه الْرِحْلَةِ هُوَ مَنْ يُحِبُ الْصَلَاَةَ وَ لَا يَسْمَعُ الْأغَانِي وَ لَا يَشْرَبُ الْدُخَانِ و َيُحِبُ الْتَسْبِيحَ وَ الْتَهْلِيلَ .... حَتَى لَا أَنْدَمُ فِي يَوْمٍ مَا.

هَكَذَا فَكْرْتُ مِرَارَا وَ تِكْرَارَاً و كُلِ وَاحِدٍ عَاقِل بِالْتَأكِيِدِ سَيُفَكِرُ هذَا الْتَفْكِير إِذَا ما وُضِع فِي هَذا المَوقِف... وَ مِنْ هُنَا وَ مَع يَقِينِنَا بِأَنَّنَا نَعِيْشُ عَلَى ظَهْرِ هَذِهِ الأَرْض كَأَنَّنَا فِي رِحْلَةٍ بَدَأَت بَالفِعْل وَ سَتَنْتَهِي فِي وَقْتٍ مَا لَنْ يَتَقَدَمَ سَاعَةِ و لَنْ يَتَأَخَرْ و فِي نِهَايَتِهَا سَيَنْتَهِي الأَمْرُ بِنَا إِلى جَنّْةٍ أَو إِلَى نَارٍ بَعْدَ طَرِيقٍ طَوِيل كَانَ فِيه خَيْرُ الزَادِ هُوَ التَقْوَى وَ أَسْوَءَهُ وَ أَضَلَهُ هَوَ مَعْصِيَةُ الرَّحْمَن و الاسْتِهْتَارِ بِأَحْكَامِهِ وَ شَرَائِعِهِ وَ الاسْتِهْزَاءِ بِسُنَنِ نَبِيه و التَقليلِ مِنْ شَأْنِها.

هَذا الطَرِيق الطَويل بِالتَأكيد كان للصَاحِبِ و الجَلِيس فِيه دَورٌ كَبَير , فهيا بِنا نُفَكر في جلساءنا قبل أن تنتهي هذه الرحلة فنندم على ما فات !!! 

كَمَا وَ مَع دُخُولِ الصَيْفِ وَ كَثْرَةِ وَقْتِ الْفَرَاغِ وَ الْرحَلَاتِ وَ الْاجْتِمَاعَاتِ وَ اللِقَاءَاتِ بْالتَأكِيدِ فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نُفَكِرَ جَيْدَا فِي مَعْ مَنْ نَجْلِسُ ؟ لأنَنَا إذَا كُنَا نُفًكِرُ هَذا الْتفَكِيِرِ الْعَمِيِق فِي جَلِيسُنَا لَمُجَردِ رِحْلَةٍ سَتَمْتَدُ 10 سَاعَاتٍ فَمَاذَا نَفْعَلُ فِي جَلِيسٍ سَيَجْلِسُ مَعَنَا الْعُمْرِ كُلُهِ ؟ وَ سَنُحَاسِبُ عَلَى كُلِ لَحْظَةٍ سَنَقْضِيِهَا مَعَهُمْ. 

أحِبَتَي إنِ للْجَلِيِسِ تَأثِيِرٌ كَبِيِرٌ جِدَاً عَلَى مَنْ يَجْلُسُ مَعَهُم فَإمَا أنْ يَكُوَنَ تَأثِيِرَه إيِجَابِياً و إمِا أنْ يَكُوُنَ سَلْبِياً وَ مِنْ هُنَا لابُد لَنَا أن نُحْسِنَ اخْتِيَارَ جَلِيسُنَا .

و نقف طويلا أمام هذا الاختيار لأن نتيجته حرجة جدا فهي جنة أو نار .... 
 

للتواصل

mralfarra@elfarra.ps