...

لمن نشكو .. يا شركة الكهرباء؟


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

لمن نشكو .. يا شركة الكهرباء؟

 

بقلم : أبو يسار

13/8/2009م

 

 

اللهم أنت القوي ونحن الضعفاء ، وأنت العزيز ونحن الأذلاء وأنت الغني ونحن الفقراء وأنت القادر ونحن العجزة .. إليك نشكو .

الحديث في السياسة المجردة بات لا يطعم خبزاً ولا ينير مصباحاً ولا يدير مروحة أو ثلاجة أو غسالة أو محرك صغير لرفع الماء إلى خزانات السطح ، لاسيما ونحن في شهر آب اللهاب ، حيث بلغت الرطوبة ذروتها ، ودرجة حرارة الشمس تشوي البيض أثناء النهار، تجعلك لا تعرف الجلوس في بيتك نهاراً ، وتفرض على النوم مجافاتك ليلاً ، إن هربت في النهار لتستظل بشجرة فإنك لا تقدر على فعل ذلك في الليل ، إنه المصير المحتوم الذي لا مفر منه قد يتحمله الشباب والأصحاء ، أما كبار السن والمرضى والأطفال الصغار فليس لهم إلا الله.

قد يعتقد البعض أن حديث السياسة عن موضوعنا هذا ، بينما الواقع العملي يؤكد أن السياسة تنبع أساساً من حاجات المواطن ، فرغيف الخبز والمواصلات والكهربـــاء والتعليم والدواء والطبابة والوقود تعتبر لب السياسة ، وأي حكومة في أي قطر في هذا الكون لا تتمكن من توفير حاجات المواطن ولا تقدر على حل الإشكالات التي تواجهه تصبح غير ذات جدوى ولا لزوم لها ، وعليها أن تستقيل وتذهب دون عودة غير مأسوف عليها .

أم المشاكل عندنا هي الكهرباء .. يمكنك الاستغناء عن أي شيء الآن إلا الكهرباء كونها عماد الحياة وإذا قال قائل ممن نعرفهم هذا هراء فسأقول له أعطني المولد الذي في بيتك كونه يكفي لتغذية أو شارع بأكمله ، وإذا قال قائل آخر ممن نعرفهم إنه الحصار والرسول عليه الصلاة والسلام قد حوصر ، وعليكم تحمل هذا والاستغناء عن الكهرباء ، سأقول له ظروفنا اليوم وزماننا يختلف كثيراً عن ظروف وزمان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقبل 50 عاماً كنا نعيش بلا كهرباء وحياتنا كانت بسيطة وغير معقدة ولم تدخلها التقنية بعد ، وعددنا كان قليلاً ، حيث لا زحام ولا كثافة سكانية ومكونات حياتنا لم تكن قد تطورت لتعتمد على الكهرباء كما هي اليوم ، ولم تكن درجات الحرارة بمعدلات اليوم بسبب التطور الصناعي وكثرة الآليات والمحركات بالإضافة إلى ثقب الأوزون.

كما أنه ليس من المنطق أو المعقول أن نعود للوراء 50 عاماً بينما شعوب أخرى تحتفل بعدم انقطاع التيار الكهربائي عنها لمدة 150 عاماً متصلة ولو لثانية واحدة ، ليس من المعقول أن نعود للوراء 50 عاماً والعالم من حولنا يغزو الفضاء ، أم أن المعقول هو الاستمرار في تعليق كل ما يحيط بنا ويصيبنا من إشكالات ومصاعب على شماعة الحصار ؟، فإن كنا غير قادرين على حل هذه الإشكالات ومواجهة هذه المصاعب فما الذي يجبرنا على التشبث في الحكم؟، الحكومة العاجزة عن حل مشاكل شعبها تستقيل ليحترمها شعبها ويقدّر لها موقفها هذا ، أما الحكومة التي تصر على البقاء مع استمرار آلام شعبها وترى حجم معاناته الغير مقتصرة على الكهرباء فقط بل تمتد لتشمل العلاج والدواء والغلاء الفاحش الذي شمل كل مناحي حياة المواطن من حيث الملبس والغذاء والدواء وكل متطلبات البيت وبات أمراً لا يحتمله الغني قبل الفقير ، وقبل أن أعود لموضوع شركة الكهرباء أود أن أذكر مثلاً علّه يكون دافعاً لوزرائنا بالاستقالة وليس الانتحار ، ففي اليابان انتحر وزير المواصلات عندما اصطدم قطارين في طوكيو أليس شعوراً عالياً بالمسؤولية ؟، وفي الصين جرى إقالة وزير الطاقة عندما انقطع التيار الكهرباء عن مدينة شنغهاي لمدة خمس دقائق ، وفي السويد استقالت الحكومة عندما عجزت عن ضبط الأسعار؟ ولا زلنا نحن نعلّق إشكالاتنا على شماعات وهمية ، بينما الجدير بنا أن نبحث عن حلول ناجعة وبسيطة لمواجهة هذه الإشكالات كي لا نزيد عجزنا عجزاًً وكي نخرج من النفق ، وبدلاً من أن تلعن حكومتنا الظلام عليها أن تضيء شمعة.

شركة الكهرباء في بلادي مملكة قائمة بذاتها ، لا نعرف من المسؤول عنها ولا نعرف إن كانت تابعة لوزارة الطاقة أم مستقلة عنها ، ولا نعرف لمن نشكوها ، شركة الكهرباء الحريصة على تحصيل فلوسها بتعرفة أعلى من أي بلد في الجوار ، والتي اخترعت نظاماً مالياً غير موجود في سويسرا أو الدنمارك أو ايطاليا أو اليابان وهو غرامات التأخير ( نظام الفوائد ) فإذا ما تأخر المواطن عن تسديد فاتورة الكهرباء عن موعد الدفع تحسب عليه هذه الشركة ( المحترمة ) نسبة الفائدة كنظام القروض في البنوك ( يأكلون الحرام ولا يخافوا الله ) هذه الشركة التي تتلاعب بتوزيع التيار الكهربائي على المناطق كما يحلو لها دون رقيب أو حسيب تقطع التيار عن مناطق لمدة عشر ساعات متصلة في اليوم الواحد في الوقت الذي تزود به مناطق أخرى لمدد أطول بكثير والله أعلم لماذا ، شركة الكهرباء التي لا ترد على هاتف أثناء الطوارئ ويعجز المواطن وهو يدير قرص هاتفه للاستفسار عن سبب قطع التيار المتصل أو متى سيتم إعادة التيار فلا يجد مجيباً لأن الموظف المسؤول بكل بساطة يرفع سماعة الهاتف ليريح نفسه عناء الرد .

  شركة الكهرباء التي لا تضع جدولاً زمنياً تقوم بتعميمه على المناطق والأحياء ليتمكن المواطنون من معرفة مواعيد انقطاع التيار وساعاته وتصر على ذلك تقوم بقطع التيار عن كل من يتخلف عن دفع مستحقاتها ( الفاتورة ) لظروف صعبة أهمها عدم امتلاكه قيمة الفاتورة.

شركة الكهرباء التي لا تكلف نفسها عناء الرد على استفسارات المواطنين عبر الهاتف بينما يتقاضى موظفوها رواتب عالية بحاجة إلى مساءلة ومحاسبة ، ولكن السؤال المحير هو من يحاسبها ومن يسألها ؟.

وأنا أكتب هذا المقال يكون قد مضى على انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة التي أسكن فيها 27 ساعة متصلة ولا زال التيار مقطوعاً وخلال هذه الفترة التي تجاوزت اليوم بأكمله حاولت الاتصال أكثر من 100 مرة آملاً أن أجد في تلك المخروبة من يجيبني على الهاتف ولكن عبثاً ودون جدوى ، فلا حياة لمن تنادي ، ويبقى اللغز وتستمر الحيرة ولا مجيب ، وأعتقد أننا ما دمنا على هذا الحال فلن نجد من يحل لنا هذا اللغز ويخرجنا من حيرتنا فحكومتنا أعانها الله مشغولة بقضايا كثيرة أكبر من معاناة الشعب ، ولا زال السؤال يحيرني أين نهرب ولمن نشكو وفي وجه من نصرخ ؟ أم أن المفروض أن نبحث عن هجرة جديدة وغربة نحتملها تكون أهون على نفوسنا من موتنا قهراً في الوطن؟.