...

القدس بين مطرقة التهويد وسندان الوهن والانقسام


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

القدس بين مطرقة التهويد وسندان الوهن والانقسام

 

بقلم : أبو يسار

6-9-2009م

 

لا زالت القدس تصرخ ولا مجيب لصراخها الذي يصم آذان العرب والمسلمين معاً ، فالعدو المتغطرس والمتسلّح بالقوة وبالصمت العربي وبالطناش الأوروبي الأمريكي يمارس عمليات السرقة والاغتصاب والتهويد معاً لكل ما هو عربي في القدس بدءاً من المسجد الأقصى الأسير ومروراً بحي الشيخ جراح وباب المغاربة وانتهاء بالثقافة والعادات العربية المقدسية ، وبالأمس قرر رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو بناء 2000 وحدة سكنية على أراضي القدس الشرقية الواقعة ضمن حدود الرابع من حزيران 1967 متحدياً بذلك كل القرارات الدولية بما فيها قرار محكمة العدل الدولية الذي لم يجد من يتابعه عربياً لغرض تنفيذه ، وضارباً عرض الحائط بكل أشكال التوسل وعمليات التسول العربية والدولية المطالبة بتجميد ( وليس وقف ) الاستيطان ، وبالأمس أيضاً أعلن الصهيوني العنصري ليبرمان وزير خارجية الكيان الصهيوني ( والذي تم تصديره من قبل الاتحاد السوفييتي المنقرض للكيان الصهيوني عام 1976 حيث كان مصنفاً من ذوي السوابق وله صفحة إجرامية في الشرطة الروسية وعمل عتالاً في موسكو ثم حارساً في ملهى ليلي ثم قواداً ، وبعد وصوله للكيان الصهيوني عمل في أحد الكيبوتسات وأقام في مستوطنة أرئيل ، وظل محتفظاً بنشاطه الإجرامي حيث عمل في غسيل الأموال والقوادة معاً ، ثم كون مع مجموعة من يهود روسيا الذين جاؤوا للكيان الصهيوني حديثاً حزباً صغيراً أسماه ( إسرائيل بيتنا ) وجلهم من عمال الكيبوتسات وسكان المستوطنات ، ثم دخل العمل السياسي وترشح للانتخابات البرلمانية في الكيان الصهيوني ليصبح عضواً في الكنيست ، وفي الانتخابات الأخيرة ( فبراير 2009 ) تمكن من تحقيق فوزاً ساحقاً الأمر الذي دفع نتنياهو زعيم الليكود للتحالف معه وإسناد حقيبة الخارجية لها ) أعلن ليبرمان أن مهمته كوزير لخارجية العدو تتمثل في شطب ملف الدولة والقضية الفلسطينية من وزارته ، قال هذا علناً ، ولم يرد عليه أحد لا على الصعيد الفلسطيني ولا العربي أو الدولي ؟!، وبات معروفاً لنا كيف يفكر العدو الصهيوني فهم يقرؤون الموقف العربي الرسمي ، ويدركون أن رد الفعل العربي لن يزيد عن تصريح هنا أو هناك يدين ويستنكر ويشجب ، ثم تمر المسألة ويفعل العدو ما يريد ، العدو الصهيوني ومنذ عام 1967 يمرر ما يريد بهدوء أو ضجيج على مرأى العرب ، كقرار ضم القدس ، وقرار ضم الجولان، وقرار سرقة أراضي القدس والضفة الغربية وتحويلها لمستوطنات ، وقرار جدار الفصل العنصري ، والنظام الرسمي العربي الواهن والمنبطح يرى ويسمع دون أي رد مناسب ، بل يجتهد في تقديم مكافئات للعدو كفتح السفارات ومكاتب التمثيل التجاري وأخيراً فتح الأجواء والمطارات العربية أمام طائرات شركة العال الإسرائيلية كخطوات حسن نية من قبل الرسميين العرب للعدو المتغطرس الذي يعرفهم ويعرف إمكانياتهم ومدى ردود أفعالهم ، فهو يحلبهم دون أن يقدم لهم شيئاً أكثر من الوعود الكاذبة ، وهكذا باتت القضية الفلسطينية برمتها تتآكل يوماً بعد آخر ، فمن دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعودة اللاجئين أو التعويض وعودة القدس الشرقية لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة إلى خارطة طريق المجرم المدحور بوش ( والذي رغم عنصريته وإجرامه الوحشي ) يعتبر أفضل في تصوره للقضية الفلسطينية من إدارة المنكوس المتعوس أوباما الذي بات ينظر لكل القضية الفلسطينية في مسألة واحدة هي تجميد وليس وقف وإزالة الاستيطان ، هذا الأوباما الذي غنى له النظام الرسمي العربي وكتّاب ومثقفي السلاطين وصوروه لنا كمنقذ للحق العربي الفلسطيني والذي يقف الآن متسولاً على عتبات ليبرمان ونتنياهو معاً؟!، ولم يكتفي بهذا بل زاد على ذلك مطالباً حكام العرب المخصيين باتخاذ خطوات تطبيعية تجاه العدو المتغطرس الذي لا يأبه بهم كونه يعرفهم جيداً ، والنظام العربي الرسمي لا يملك أكثر من الاستجابة لنداءات وأوامر أي رئيس للإدارة الأمريكية ، كيف لا ونحن العرب من المحيط إلى الخليج نعيش في زمن العار والعيب هذا العار الذي كسانا به حسني مبارك ومن هم على شاكلته من الحكام والسلاطين ، وفرضوه علينا عبر ثقافة روجوا لها من خلال ما يملكون من وسائل وأدوات يسيطرون عليها ليصبح صاحب الرأي الحر معارضاً وعميلاً مأجوراً يقبض من جهات مشبوهة ؟!، ولتصبح الدعوة إلى الحرية والكرامة درباً من دروب العبثية والتآمر على الوطن ؟!، ولتصبح ثقافة التطبيع والانبطاح والخيانة والتعامل مع العدو وجهة نظر عقلانية ومصلحة وطنية ، وليتحول الحلم العربي بوحدة ونهضة وتحرر عربي واقتصاد قوي شعاراً خشبياً يضر بالوطن وأمنه القومي .

وعودة إلى القدس ، يقول الله في كتابه العزيز ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) هذه الآية الكريمة تؤكد أن الله سبحانه وتعالى قد ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام في مكة ، وهذا يعني أن الخطر الذي يطول القدس الآن لا بد أن يطال مكة والمسجد الحرام فيها ، ولا بد من التأكيد أن العدو الصهيوني ولو توافرت له كل عوامل القوة والنفوذ لن يتمكن قطعاً من أسر المسجد الأقصى وعروبته وإسلامه للأبد ، لأنه ( أي الأقصى ) أولى القبلتين التي ربطها الله سبحانه وتعالى ببيته الحرام في مكة ليكون آية للمسلمين كافة ، هل يفهم سلاطين وحكام العرب ونافخي مزاميرهم هذه الآية ؟! إنني في شك حول ذلك من القدس إلى مكة ، ولو فهم هؤلاء المخصيين آية الله الكريمة هذه لما رضوا بالهوان والذل ، ولجيشوا الجيوش من مكة إلى القدس كما فعل صلاح الدين الأيوبي عندما حرر القدس وأقصاها من أسر الصليبيين .

ومسألة أخرى يجب أن ينفرد بها عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود ، والذي ورث لقب خادم الحرمين الشريفين عن أخيه، لماذا غابت عنه تلك الآية الشريفة في مطلع سورة الإسراء ، وإذا كان لم يقرأها أفلم يسمعها أو ألم يقرأها أحد على مسامعه وإذا كان قد قرأها أو سمعها ألم يتدبر معناها؟ وإذا تدبر معناها فلماذا لا يبادر فوراً بتعديل لقبه من خادم الحرمين الشريفين إلى خادم الحُرم الشريفة الثلاثة ( الحرام ، الأقصى ، النبوي )؟، وطالما ينكّب(جلالته) على خدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة فلماذا يبخل بهذه الخدمة على الحرم الثالث ( الأقصى ) في القدس؟ أم أن المسألة سياسة اختارتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عندما استبدلت لقب جلالة الملك بلقب خادم الحرمين الشريفين في العام 1986 إمعاناً في خداع المسلمين ؟، هذا السؤال برسم (جلالته) علّه يجيب عليه عملياً بتعديل لقبه بمرسوم ملكي ، وحينها نقول بدأنا على أول الطريق الصحيح.

ولكي لا نريح أنفسنا كفلسطينيين من عبء المسؤولية ونلقيها على العرب فلا بد من التأكيد على أن الانقسام الراهن في الحالة الفلسطينية قد زاد الطين بلّة ، وساهم بقوة في تشجيع العدو الصهيوني على ارتكاب جرائم السرقة والاغتصاب للأرض والاستمرار في عمليات التهويد المتسارعة ، فمنذ انقلاب حركة حماس على الشرعية الفلسطينية واستيلائها على السلطة في غزة وتشكيلها حكومة معزولة لتعزل غزة بعيد 14/6/2007 ولم تنل أي اعتراف محلي أو عربي أو إقليمي أو دولي، وما تبعها من عملية حصار خانقة على غزة شملت كل مناحي الصحة والتعليم والاقتصاد والطاقة ، وانشغال الفلسطينيين وبعض العرب بمحاولة رأب الصدع الفلسطيني ووأد فتنة الانقسام وإعادة اللحمة من جديد ، والتي باتت تبدو درباً من دروب العبث لأن الكل يتمترس عند ما يعتبره إنجازاً ومكاسباً يرفض التخلي عنها وإن كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية والحلم الفلسطيني برمته ، العدو هو المستفيد الوحيد من هذا الانقسام والعرب الآخرون مرتاحون لأنهم وجدوا الشماعة التي يعلقون عليها عجزهم ، والأوروبيون والأمريكان يقولون لنا ( نتحدث مع من؟ توحدوا أولاً لكي نستطيع الضغط على إسرائيل )، والحكومة الفلسطينية في الضفة ورغم شرعيتها والاعتراف العربي والدولي بها إلا أنها غير قادرة على فعل شيء في الضفة وغزة معاً ، ففي الضفة احتلال يغلق عليها كل المنافذ ويحاصرها في داخل المدن ، وفي غزة محظور عليها ممارسة أي نشاط يتجاوز تحويل مرتبات الموظفين ، متى تدرك حكومة غزة المعزولة أن استمرار وجودها بات جزءاً لا يتجزأ من استمرار حالة الضياع الفلسطيني وعلى كل الأصعدة ؟.. الله أسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل .