...

 علاقة الانتماء بالاقتصاد


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

 علاقة الانتماء بالاقتصاد

                                                                                                                                                              د. محمد خالد علي الفرا

دكتوراه في الاقتصاد الدولي

 

هل هناك علاقة بين الانتماء والاقتصاد؟ هل يوجد فرق بين إنتاج و استهلاك من ينتمي و يتعصَّب لعائلته أو لوطنه, و من ينتمي لحزب, و من ينتمي لقومية, و من ينتمي لدينه؟ هل يوجد فرق بين الناتج القومي لدولةٍ تنتمي لحزب معين, و بين ناتج دولة تنتمي لقومية معينة, و بين ناتج دولةٍ تنتمي لدينها دون غيره؟

لو أمعنَّا النظر, نجد أن من يتعصب لقبيلته يحرص على إخلاص العمل لها دون غيرها, سواء في الإنتاج أو الاستهلاك بحيث يستهلك من محلات أبناء القبيلة بغض النظر عن الجودة, أما في الإنتاج فينتج الأجود للقبيلة دون غيرها, حتى في سوق العمل نجده يستخدم أبناء قبيلته حتى لو لم يكونوا مناسبين للعمل تاركين العمال خارج القبيلة المناسبين, و من يعمل لدى قبيلته يخلص أكثر مما لو عمل عند غيرها, و كذلك الحال في سائر الأسواق, فتنقلب الموازين من أجل القبيلة و تنتشر العصبية البغيضة, و المحاباة الرديئة, و يصبح الاقتصاد مرهون بالقبيلة و يصبح التنافس بين القبائل على حيازة الموارد و المقدَّرات بل و كما هو الحال باليمن نجد أن القبيلة تمتلك جنوداً و عتاداً فقبيلة الحوثي تعتبر مستقلة بذاتها ترتبط مع الإدارة المركزية برباط كنفدرالي, مما يترتب عليه تفكك الدولة, و تدهور اقتصادها.

ماذا عن التعصب للوطن فحسب؟ إن من يتعصب للوطن فحسب لن يبدع خارج الوطن و لن يخلص إلا للوطن بسبب نظرته الضيقة للأمور, و بناءً عليه, فلن يزيد إنتاجه إلا للوطن.

أما الدولة التي تنتمي لحزب معين فسوف تخلص للحزب الذي تنتمي له أينما كان, فالدولة  التي تنتمي للحزب الشيوعي مثلاً ستخلص لجميع الدول المنتمية لهذا الحزب دون غيرها و هكذا تتسع الدائرة شيئاً فشيئاً.

و الآن إذا كان انتماء الدولة للدين, ما الأثر على الاقتصاد؟ الحقيقة أن المسلم يعتبر أن جميع الكون وطنه فيخلص العمل لأن الناقد بصير, و الله قد استخلفه على هذه الأرض كي يعمرها و يستصلحها, و لأنه يعلم أن الله يراقبه و سوف يحاسبه على كل صغيرةٍ و كبيرةٍ, و كما قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" (لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ٍ عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ) فهو في الاستهلاك لا يبذر و لا يقتر, و في الإنتاج يبذل جهده لآن عليه أن يستغل قوته قبل ضعفه و شبابه قبل هرمه و صحته قبل سقمه.و ما عليه من واجبات يؤديه بكل كفاءة دون تلكُّؤ أو مماطلة  إنه معطاء مخلص أينما حل و نزل, أمين على العمل, محبوب عند كل من  يعرفه مادام يرضي ربه لم لا و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل". المسلم يُسأل عن عمره فيما أفناه أي عن الوقت كيف يقضيه؛ على اللهو الماجن أم في سينما  و على مسلسل, أم على المحلات العامة يلعب الميسر؟!!! كلا.. إنه يستغل وقته مادام سوف يُسأل عن عمره فيما أفناه, أما ماله فسوف يكتسبه من حلال و ينفقه في حلال, و يحرص على ألا يبدده أو يقتر و هو يعلم أن المال مال الله كما قال تعالى: "...و آتوهم من مال الله الذي آتاكم". وفي سوق العمل يستخدم الرجل المناسب في المكان المناسب دون محاباة لأحد, و يسعى ألا يبخس الناس حقوقهم, كما يؤد للأجير أجره قبل أن يجف عرقه. أما سوق المال فيخلو من المعاملات المحرمة أو المنهي عنها من ربا أو نصب أو تزوير, فالمسلمون تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم .....

نخلص إلى أن خير الأنظمة هو الإسلام الذي يجعل المستهلك رشيد و المنتج رشيد يحسنون الأداء في جميع المجالات فهم مأمورون بإعداد ما استطاعوا من قوة: في العلم و العمل و الأخلاق و العبادة و في كل شيء. هذا يكون له مردود طيب على تطور الناتج القومي غبر الزمن و تحقيق النمو الاقتصادي. فتجربة قطاع غزة ,و إن كانت وليدة, إلا أنها أثبتت للقاصي و الداني الصمود و الثبات و الكفاءة. ندعو الله للقائمين على الاقتصاد و سائر فطاعاتها السداد في القول و العمل