...

الأسطورة في زوال


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

 

الأسطورة في زوال

بقلم: بلال الفرا "أبو بكر"

15-6-2009

   ليس بغريبٍ على بني صهيون أن يعيدوا الكرةَ بهجومٍ كاسحٍ على قطاع غزة, ومع أن المؤشرات لا تُشير حاليا على ذلك, إلا أن عِزة الدولة التي لا تقهر قد مُرغت في التراب مرتين, مرة عام 2006 في جنوب لبنان, حينما قررت الهجوم للقضاء على حزب الله, ففوجئت بتقنيات عالية لم تستطع مواجهتها, ولم تستطع حتى مراقبة تصرفات حزب الله, فكانت الاتصالات سلكية بين عناصر الحزب وقيادته, وكانت شبكة الاتصالات التي يستخدمونها خاصة بهم, ففوجئوا بتحركات لم يرصدوها, وأسلحةٍ لم يعدوها, وتكتيكات هجومية وأخرى دفاعية لم يألفوها, فكانت هزيمة نكراء لن ينسوها, فقررت قيادتهم وقف إطلاق النار من طرفٍ واحد, مع بعض الترويج الإعلامي لرفع معنويات الجيش الذي لم يتعود على القهر يوماً, كيف لا وقد ضربوا مصر في ستة ساعات, واحتلوا الجولان ولم يعطوا اهتماماً للعرب, فاعتبرونا عبيداً عندهم, ولما كانت الضربة لهم في هذه المرة, كانت حالتهم النفسية يرثى لها, فالمصاب منهم أرحم حالا من المعقد نفسيا, فهو بحق عالة على المجتمع الإسرائيلي, وليس ببعيد عنا الأخبار التي كنا نسمعها من إصابة جندي بهلعٍ أو ما شابه, ففترة علاج هذا الجندي تأخذ وقتا أكثر مما لو أصيب بعيار ناري أو شظية صاروخ.

   وهزيمة أخرى عام 2009 والتي خلفت دمارا شاملاً من كل النواحي بقطاع غزة, ولا أحد ينكر شراسة الجيش- الذي ظن أنه لن يقهر- في هذه المعركة, فكانت هذه الشراسة بناءً على ما وجدوا في حربهم مع جنوب لبنان وخشيتهم بأن يلاقوا نفس المصير, فحشدوا العتاد والعدة, وألّبوا العرب على القطاع, وضربت كوندليزا رايس على الطاولة مهددة العرب بأنها لن تسمح بتفاقم الأوضاع في غزة, وهكذا حتى جاءت الجيوش من كل حدب وصوب, وبدءوا بأول ضربة لمواقع الشرطة والحكومة, وكانوا حينئذٍ يعتقدون بأن أهدافهم نبيلة وتطلعاتهم شريفة حيث أنهم لم يستهدفوا المدنيين أو المؤسسات الخاصة, بيدَ أن حقيقتهم لا يمكن أن يخفوها أكثر من ذلك, فهم قتلة الأنبياء والرسل, فطالت المعركة التي ظنوا أنهم سينهونها في غضون يومين أو أكثر باستسلام الحكومة وتركها لمن سيعيثون في الأرض فسادا, فلا الشعبُ استسلمَ ولا الحكومةُ سلّمت, وبات الجيش في العراء ووسط برودة شهر يناير, وانتهى بنك أهدافه والذي ظل يُعد له سنين, فبدأ شرفه المزعوم يختفي, وبدأت أهدافه الخبيثة تنجلي, فأصبح لا يفرق بين عسكري أو مدني, ولا بين موقع أو مؤسسة تعليمية أو حتى اجتماعية, فدمروا الأخضر واليابس, ظناً منهم أن الحرب ستنتهي بعد هذه الشراسة, ولكنهم لم يجدوا للحرب انتهاء, فبعد مرور أيام طوال باتت قيادة الجيش تعتقد أنه لا مفر من الهجوم البري والذي ادخروه للنهاية, فلم يُستقبلوا إلا بلهيب العبوات فيهم, وصواريخ الغراد التي فوجئوا بها, واتساع بقعة الزيت التي أربكتهم, فلم يستزيدوا بعد الذي فعلوه شيئا, وقرروا أن يوقفوا إطلاق النار من طرفٍ واحد والذي كانوا قد فعلوه مع حزب الله, وظلت الأمور عائمة بما يسمى هدوءٌ نسبي.

   ومن هنا, إن كانت إسرائيل قد هزمت بعدم تحقيق مآربها في الحربين الآنفة ذكرهما, فهل ستنسى ذلك وتفتح صفحة جديدة؟ أم أنها ستبحث عن وسيلة أي وسيلة لإنقاذ ما تبقى من كبريائها ؟ والجواب أنها لن تسكت بعد الذي مرّ بها, فالحالة المعنوية للجيش منهارة, وعِزة الأسطورة باتت مكسورة, فأعتقد أنه لا مفر من حربٍ قادمةٍ أشدُّ وأشرس من سابقتها.

   لكنّ المؤشرات لا تشير نحو غزة أو جنوب لبنان بالتحديد, فتحركات إسرائيل غير واضحة المعالم, بحيث أنني أعتقد أنه من الممكن ضرب هدفٍ من ثلاثة أهدافٍ بحربٍ طاحنة, إما غزة أو جنوب لبنان أو إيران الداعمة للبنان, وباعتقادي أنهم لن يجنوا من وراء أي هدف مهما اختاروا إلا هزيمة تنكّس أعلامهم, وتكسر أبطالهم, وتسحق رجالهم, فما من شك عندنا أن النصر للإسلام والمسلمين مهما كان الخلاف واقع بيننا, فالناظر إلى تاريخ الأمةِ يجد الاختلاف من قديم الزمان واقعٌ بين الأمة, ولكن رغم هذا فالنصر كان حليفهم وحليفنا بإذن الله عز وجل.