...

عينٌ على الصفقة


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

عينٌ على الصفقة

بقلم: بلال الفرا "أبو بكر"

3-10-2009

أقف في هذه السطور مع تلك الصفقة التي حدثت قبل يومين بين حماس وبني صهيون, حيث اقتضت الصفقة إخراج 20 أسيرة أمام شريط فيديو للجندي الأسير شاليط, ولكني في هذه الكلمات لن أسرد تفاصيل بقدر ما سأسلط الضوء على أبعاد ودلائل هذه الصفقة من كافة النواحي الصهيونية والفلسطينية, وأول بعدٍ لهذه الصفقة هي أن القادة اليهود باتوا تحت أزمةٍ يعانونَ منها جراء مكوث الجندي شاليط تحتَ سيطرةِ القسام, والحل الوحيد لهذه الأزمة هي الخضوع لطلبات القسام بعدما باءت كل الجهود المبذولة لإنقاذ شاليط بالفشل, فمن محاولة السلطة البائدة العثور عليه, مروراً بالحصار المطبق على الشعب, وانتهاءً بالحرب والأخيرة على غزة, وكل هذه المحاولات لم تنجح حتى بإسقاط ورقة شاليط التي هي الورقة الأقوى بعد صمود الشعب الأبي, بعد هذه الأزمة جاء القرار أن أعطوا لحماس ما يريدون وأخرجوا شاليط, لكنّ النظرة الثاقبة أمامَ ما حدث من صفقةٍ صغرى تعطي مؤشراً احتاجه بني صهيون وهو: هل ما زال شاليط على قيد الحياة ؟ وللعثور على إجابة قبلوا أن يتنازلوا عن 20 أسيرة اختارتهم حماس مقابل ذاك الشريط الذي يثبت لهم أنه ما زال حياً يُرزق.

كل ما حدث في هذه الزاوية هو بناء على تجربة شربت مراراتها دولة إسرائيل, وهي تجربتها مع حزب الله, حيث أنها تجرّعت مرارة صدمةٍ هائلة حينما وافقوا على الصفقة التي أجرتها معهم حيث أنهم تفاجئوا بجثثٍ هامدةٍ لا حراك فيها وهم من اعتقدوا \أنهم أجروا الصفقة على جنود ٍ أحياء, فانسحبوا مطأطئي الرؤوس أمام هذه المكيدة من حزب الله.

أما النظرة الأخرى التي من الممكن رؤيتها في هذه الصفقة هي إخراج 20 أسيرة مقابل شريط فيديو, فإذا كان شريط فيديو لشاليط يساوي 20 أسيرة ممن لهم محاكمات ومؤبدات عندهم, فما الظن في شاليط نفسه !! كم يساوي إخراجه بهذا القياس ؟! أعتقد أن المسألة باتت واضحة, وهي إخراج ما نريد من الأسرى مقابل جندي واحد, وفي هذا الصدد أقول: كم فرصة أتيحت لأولئك الذين يقطنون الضفة في اسر جنود يهود ؟!! أما كانت هذه الفرص لتطلق كافة أسرانا في سجون الاحتلال ؟!! أمَا لو كانت هذه الطريقة نهج كل من قال أنه وطني وفلسطيني لحسب المحتل ألف حساب قبل أن يعتقل أو يختطف أحد شباب المقاومة في الضفة أو حتى من أطراف غزة !!

ومن تلك النظرة إلى التي هي أهم منها وهي التأكيد الإسرائيلي على إثبات مصداقيتهم أمام حماس في إخراج الأسيرات المتفق عليهن في الموعد المحدد بالضبط, وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنه يدلُّ على شدة الأزمة التي يعانون منها أمام الشعب الإسرائيلي وأمام الضغط الشديد عليهم من قِبَل جمهور شاليط الذي يتظاهر شبه يومياً أمام بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي, فبالتالي لا أخطاء يجب أن تكون في هذه الصفقة لتثبت لحماس والشعب الإسرائيلي أنهم يريدون إنهاء هذا الملف بأسرع وقتٍ ممكن. واللفتة التي لا بد من ذكرها هنا هي أنه صبراً أيها الشعب الصامدُ المُصابر, فقد هانت وبدأت تعدّ مثل هذه الصفقات أمراً اعتيادياً, وليست هزيمة كما كان من قبل, وإنّ الفرج قريبٌ أمامَ هذه التنازلات التي نراها الآن من الجانب الإسرائيلي.

ونخرج بعد هذه النظرات ليس ببعيدٍ وإنما إلى لفتةٍ مهمة للتعامل مع بني يهود وهي تلك الآيات التي في سورة البقرة والتي تتحدث عن أمر سيدنا موسى لبني إسرائيل بذبح بقرة, وكان الأمر عاماً فظلوا يشدّدوا على أنفسهم حتى بات الأمر فريداً من نوعه فلا قرينة لتلك البقرة الصفراء لا من قبل ولا من بعد, ودلالة هذه الآيات أن بني إسرائيل لا يخضعون لأوامر سهلة وبسيطة, بل يسيرون كما نشاء حينما نشدد عليهم الخناق, فلا نتنازل عن مبادئنا, ولا عن أهدافنا, فتبقى كلمتنا واحدة لا جدال فيها, وبالتالي خضوع اليهود لهذه الكلمة, أما إذا تساهلنا معهم فإنهم سينسجمون مع هذا التساهل وهذا التناول فسيماطلون أكثر فأكثر.

وبعد مروري على دلائل الصفقة في الجانب الإسرائيلي سأتطرق إلى الجانب الفلسطيني حيث أن حماس في هذه الصفقة أخرجت 18 أسيرة من الضفة وأسيرتان فقط من غزة, وأخرجت 4 أسيرات من حماس و5 أسيرات من فتح, ومن هنا أخرجُ بدلائلَ عِظامٍ في إطارِ الوحدة الوطنية المرجوّة, حيث أن التركيز بات واضحاً على الصنف الآخر من الضفة وفتح على حساب حماس للتأكيد على أن حماس هي زعيمة الشعب الفلسطيني بأسره وليس لفئة معينة كما يدعي البعض وللتأكيد أن حماس تريد الوحدة فعلاً وهذا أكبر دليلاً أمام الطرف الآخر من المعادلة, وفتح المجال أمام جمهور القطاع ليفرح بهذه الصفقة والسماح لكافة الرايات بالرفرفة أمام معبر بيت حانون وفوق رأس المحررة في القطاع, وقد رأينا كيف أن الدنيا قامت ولم تقعد هناك في غزة من فرحةٍ وبهجةٍ لهذا الانتصار الذي تحقق بفضل الله تعالى.

أما إذا ذهبنا إلى الضفة فإننا وللأسف الشديد نرى المعادلة وانعكاسها, في إخراج 250 فتحاوياً فقط من السجون الصهيونية سابقاً في مبادرة إسرائيلية لعباس لإظهار حسن النوايا, ومن منع نواب التشريعي من الخروج لاستقبال المحررات في هذه الصفقة, ومنع ظهور الرايات الخضراء في الضفة ابتهاجاً بخروج الأسيرات, والسماح للرايات الصفراء والحمراء فقط بالخروج, كل هذا يؤكد لنا بأن ذاك الطرف لا يريد وحدة ولا اتفاقاً, فقد اعتبروا هذه الصفقة انتصاراً لحماس حديثة العهد بالحياة أمام تلك الحركة التي تجاوز عمرها الأربعون ولم تنجز مثل هذا الإنجاز أو نصفه في كل حياتها, هذا بدل أن يعتبروا كل ما تقوم به حماس هو انتصاراً للشعب الفلسطيني بأسره لأن حماس من الشعب والشعب هو الذي أيّد حماس, ولكن هيهات هيهات لمن  طأطئ الرأس أمام اليهود بأن يفهم مثل هذه المعادلة, وأعتقد في نهاية مقالي أن باستطاعة عباس أن ينهي ملف الخلاف الواقع إن أراد, ولكنه لا يملك موقفاً جاداً, فكلمته من باراك ونتنياهو, ولا أمل منهم أن يوافقوا على وحدتنا لأن في خلافنا انتصاراً لهم.