...

عام دراسي جديد ... لنحيا فيه بالدعوة إلى الله


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

عام دراسي جديد ... لنحيا فيه بالدعوة إلى الله

بقلم: محمود رفيق الفرَّا

10-10-2009

تلاطمت في خلدي الأفكار كما تتلاطم أمواج البحر إذا ما أقبل الخريف , فمن مهاجمة المسلمين للنقاب في بلاد الإسلام إلى تكرار اشتداد الهجوم على الأقصى و ما دورنا ؟ , إلى السؤال الدائم طرحه بعد رمضان و هو كيف السبيل إلى أن نكون ربانيين لا رمضانيين و كيف السبيل للاستقامة على هذا الدين ...

بدأت أفكر في أي من هذه المواضيع أكتب ؟ و إذا بي أجد الحل للكتابة في المواضيع الثلاثة في مقال واحد دون أن يشعر القارئ العزيز بأي نوع من التشتت أو عدم التركيز فوجدت نفسي أقول "لماذا لا يكون فصل دراسي نحيا فيه جميعا بالدعوة إلى الله ؟" ... و لكن ما علاقة هذا الموضوع بكل تلك الأفكار ؟ دعونا نكمل سويا المشوار و في الختام سنضع جميعا أيدينا و عيوننا على حل هذا الإشكال و تلك الحيرة.

أحبابي إن عاما دراسيا جديدا بدأ يبث الحياةَ إلى بيوتنا و شوارعنا و جامعاتنا و كلياتنا و من قبل في مدارسنا , و فيه أصبحت حلقت العمل تضمنا جميعا فإما أنك طالب , مدرس, محاضر , إداري , ولي أمر أو آذن أو رجل أمن , و جميعنا في هذه الحلقة يحتك بالآخر , بل أن هذه الحلقة قد يختلط فيها الشخص الواحد بمئات الأشخاص بشكل دوري و هذا الأمر إن أحببت أن تنظر له فلتنظر له من زاوية قوله تعالى : "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ...

إنها الدعوة إلى الله , أحسن الكلام على وجه الأرض هي كلمة تقولها للناس لتدعوهم إلى عبادة رب الناس و رب الأرباب , و إنَّ عملنا داخل هذه الحلقة و هذه المنظومة لهو أفضل تربة و أخصب تربة للدعوة إلى الله , كيف لا ؟ و أنت كمدرس أو كمحاضر تحتك يوميا على أقل تقدير بـأربعين طالب و طالبة ؟ كيف لا و أنت كطالب تتحدث و تشاهد يوميا عشرات من زملاءك ...

دعونا في هذه الأجواء نحيا جميعا بالدعوة إلى الله , ندعو إلى الله تعالى بحسن معاملة الآخرين , ندعو إلى الله بالكلمة الحسنة نخرجها لإخواننا , ندعو إلى الله بالتيسير على الناس في معاملاتهم و تعاملاتهم , ندعو إلى الله بتذكير من نعاملهم بالله تعالى , إنها الدعوة إلى الله , خير عمل يعمله العاملون على وجه الأرض , خير تكليف كلف به خير البشر و خير العالمين , الدعوة إلى الله كلف به أبانا آدم , و نوح و إبراهيم و ابنه إسماعيل و كُلف به موسى و عيسى و كلف به محمد خير البشر عليهم جميعا و على نبيا أفضل الصلاة و أجل التسليم.

و لكن لماذا الدعوة إلى الله مع العام الدراسي ؟ سؤال قد يطرحه القارئ العزيز ... فأقول و بالله التوفيق , إن جامعاتنا و كلياتنا تضم في جنباتها كل طبقات المجتمع و تضم في قاعاتها مستقبل الأمة متمثلا في شبابها و تضم خبرة الأمة متمثلا في محاضريها و رؤساء دوائرها و هذا التنوع يضمن لنا انتشار كلمة الحق في شتى بقاع بلدنا الحبيب ...

ليس هذا فحسب بل إن جامعاتنا و كلياتنا يظهر فيها من الفساد ما يظهر من تبرج و تزين و تشبه بالكفار و الكافرات , بل و اختلاط في بعضها و ارتفاع لأصوات الموسيقى , بل و الأدهى و الأمر من ذلك كله أن نسبةَ ليست بسيطة من طلابنا و طالباتنا بل و من الموظفين يفرطون في كثير من حقوق الله تعالى و خاصة الصلاة .

و المعظم الغالب في هذا المجتمع الدراسي يجهل أحكام لا ينبغي للمسلم أو المسلمة أن يجهلها كأحكام الصلاة و الطهارة و آداب الطعام و الشراب و اللباس , و كثير مما فرض علينا نحن المسلمين.

و أمام هذا الواقع و أمام هذه الإيجابيات (مميزات البيئة الدعوية) و هذه السلبيات (من المعاصي و المنكرات) فإن الدعوة إلى الله تعالى في هذا المجتمع لهي من أفضل و أجل و أنجح الأعمال و أرقاها منزلة , بل قد تكون فرضا واجبا في حالات كثيرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ..... آخر الحديث" و قوله صلى الله عليه وسلم : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ...

و السؤال الذي يطرح نفسه الآن ... هل سنحول محاضرات الكيمياء و الحاسوب و الرياضيات إلى محاضرات فقهية و دعوية ؟ و كيف يعقل هذا الأمر ؟

إن الجواب على هذا السؤال هو لبُ المقال ... ففيه الإجابة الحقيقية على كيف نحيا بالدعوة إلى الله , أحبتي لا تخلو محاضرة من وقت زائد أو وقت يشعر فيه الطلاب بالملل من كثرة المعلومات و الاستنتاجات , و هذا الوقت الذي لا يتعدى خمس إلى عشر دقائق هو الوقت الذي يستطيع المدرس أو المحاضر أن يستغله فيبرز لطلابه معلومة دعوية واحدة , إما بحديث شريف أو معنى آية قرآنية , أو أن يذكر لطلابه صفات الرسول صلى الله عليه وسلم صفة صفة ...

و أما الطلاب ففيما بينهم تكون الدعوة إلى الله بتذكير بعضهم البعض بالله تعالى , فيمكنك أخي الطالب أن تأتي و معك كل يوم حديث شريف أو آية قرآنية و أنت تعرف معناهما فتبلغهما لزملاءك , و أنت يا أختي يكفيك لهذا الفصل الدراسي أن تنشري بين زميلاتك الشروط الكاملة للحجاب و الصفة الحقيقية للحجاب , و يكفيك فخرا و شرفا أن تدعي فتيات الإسلام إلى ارتداء الحجاب الحقيقي.

إن الدعوة إلى الله أبوابها كثيرة و أفكارها كثيرة , و هي و الله عمل جليل يؤتيه الله سبحانه و تعالى لمن اصطفى و اختار, فهيا بنا نحيا بالدعوة إلى الله , لتتحول كلياتنا و جامعاتنا و مدارسنا و بيوتنا التي ستدخلها الدعوة من خلال أبناءنا , لتتحول جميعا إلى طائعة راكعة ساجدة مسبحة لله تعالى , فبذلك ننصر دين الله و ننصر نبي الله فنكون من الحواريين و هم الجماعة التي تنصر نبيها و تنصر دين ربها كما قال ربنا سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله "

و من هنا يأتي نصر الله تعالى فهو سبحانه الذي قال : "إن تنصروا ...." و هو سبحانه الذي قال : " لا يغير الله ما بقوم"

بهذا فقط ينتصر الإسلام فيعود للأقصى طهره , و تعود لشعائر الله تعالى من يدافع عنها و ينصرها فلا يهاجم النقاب في بلاد الإسلام و لا في بلاد الفجار , و لا يهاجم الدين في أرض الله تعالى , و بهذا نكون جميعا عبادا ربانيين نداوم على طاعة ربنا سبحانه في كل أيام السنة فنقرأ القرآن طيلة أيام العام , و نقيم الليل كل ليلة , و نصلي في المساجد و ندعو إلى الله و كل ذلك طيلة أيام العام, بهذا تتحول الأمة كلها إلى أمة ربانية تعبد ربها بإحسان و تتخذ من رسولها قدوة و مثالا يتخذ .

هذا هو السبيل ... بالدعوة إلى الله نحيا و يرتفع شأننا ... و تثبت أقدامنا , و يتسع رزقنا و يبارك فيه ...

و قبل أن اختم , أهمس في أذنك أنت يا أخي الحبيب يا من اتخذت الآن قرارا بأن تدعو إلى الله فأقول لك إن طريق الدعوة منذ أن خلق الله الأرضَ و من عليها , طريق شاق و صعب , لاقى فيه الأنبياء و الأتقياء ألوان من العذاب ما بين التعذيب و السجن و التجويع و السخرية و لكنهم صبروا و أكملوا الطريق و أنت يا أخي الداعي إلى الله ستجد من يسخر من عملك بدافع من الشيطان فلا تنتبه إليه و لا تجعله يوقف مسيرتك , كيف لا و أنت معك أفضل و أغلى بضاعة و تريد أن تسوقها , و هل هناك أفضل من دين الإسلام لتدعو إليه ؟!

كثيرون هم من يقفون بين الشباب فيدعون زملاءهم لسماع شريط ماجن أو مشاهدة فيلم ساقط أو مصاحبتهم في رحلة ماجنة أو للانضمام لحزب سياسي هالك ... و كل هذه البضائع فاسدة لا فلاح فيها و لكنهم يدعون إليها فكيف بك و أنت تدعو لدين الله تعالى ...

هي بنا أحبتي نحيا بالدعوة إلى الله تعالى .... فتكون هي حياتنا و فيها حياتنا, دعونا نجعله مشروعنا لهذا العام , دعونا نجعله إنجازنا الذي سنقابل به ربنا سبحانه يوم الدين و نقابل به رسولنا الكريم ...

و على من تشجع للفكرة و أراد أن ينفذها و يحتاج إلى أفكار أو مادة دعوية و لا يجد فليراسلني على بريدي الخاص و أنا مستعد لإمداده بما يحتاج ... mralfarra@elfarra.ps

و في الختام ... أستودعكم الله ...