...

لن يُشهر الإسلامُ لنا إستسلامه


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

لن يُشهر الإسلامُ لنا إستسلامه ...

محمود رفيق الفرا

1-11-2009

كثيـرًا ما سمعنا عن ذلك الأجنبي (الأعجمي) الذي يشهرُ إسلامه و استسلامه لهذا الدين و شرائعه و أحكامه , فيدخل في هذا الدين كافة بكل ما فيه من أركان و أحكام فيؤمن بالكتاب كله و يعتقد في سُنَّة محمد بالكامل بلا نقصان أو نقد أو تقليل من شأنها و ذلك إيمانًا منه بقول الله تعالى "ادخلوا في السلم كافة" ...

فترك ذلك الأعجمي كل أهواءه و كل ما يحب إذا ما تعارض ذلك الهوى و ذلك الحب مع شريعة من شرائع الله أو حكم من أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحقق بذلك الإيمان الحقيقي بحسب قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" ...

فإذا ما اختلف أو تعارض هواك مع شريعة الله تعالى متمثلا في كتابه و في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن هذا هو الاختبار الحقيقي لحقيقة لإيمانك, فإذا كانت الغلبة لشريعة الله تعالى كان إيمانك حقيقيا و كنت بحق مسلمًا و مستسلما لهذا الدين و إما و العياذ بالله إذا ما كانت الغلبة لهواك فإن إيمانك فيه خلل كبير و نقص واضح و جسيم لأنك بذلك أعلنت إسلامك الفعلي و العملي لهواك و أعلنت عصيانك الواضح لدين الله تعالى و يا له من استسلام قبيح و ذليل , يستسلم فيه الإنسان الذي كرمه الله بعقله للشيطان اللعين متمثلا في هواه الذي أضله عن ذكر الله تعالى و أخذ به خطوة كبيرة إلى غضب الله و إلى النار لقول الله تعالى: "إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونا من أصحاب السعير".

أخوة الإيمان و الإسلام , إننا أصبحنا و لا حول و لا قوة إلا بالله نعيش في زمان نطالب فيه الإسلام بأن يستسلم لنا و ليصبح على هوانا, فنغير بأفعالنا شرائع الدين و ليصنع كل واحد منا إسلاما جديدا لنفسه , فيحذف و يستبعد من أركان الدين ما يكره و ما يتعارض مع هواه و يأخذ و يتبع ما يتوافق مع هواه فينتج له إسلاما جديدا.

فهذا الأمر ليس من الدين في شيء بل إن هذه الصفة هي من صفات بني إسرائيل إذ قال لهم الله تعالى على لسان نبيهم موسى عليه السلام : " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدّونَ إِلَىَ أَشَدّ الّعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ " و ذلك عندما طالبهم نبيهم موسى أن يستسلموا لكل ما جاء في التوراة فكان ردهم أن هذه الشرائع لا يطيقون بعضها و أن منها ما يتعارض مع هواهم و عاداتهم فطالبوا بأن يفعلوا ما يحبون و يتركوا ما يزعجهم منها ... و يا لها من صورة تتكرر في زماننا فأصبحنا نلتزم من الدين بما يتوافق مع هوانا و نترك و نبتعد عن كل ما يتعارض مع هوانا و إنا لله و إنا إليه راجعون.

و علينا أن ندرك جيدًا أن هذا الدين الرباني و هذه السنة المحمدية جاءت كاملة شاملة و أن كل ما فرض علينا فيها و أن كل ما نهينا عنه فيها إنما أشياء قدرها الله تعالى و أن في مقدورنا جميعا أن نفعلها لقوله تعالى : " لاَ تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَهَا " و قوله تعالى : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " , فهذا دليل واضح على أن كل ما طلبه الله منا في مقدورنا أن نفعله لا كما يعتقد البعض أن في الشرع ما نستطيع و فيه ما لا نستطيعه. و لذلك فلا نظن أبدًا أن هذه المعادلة ستتغير و تنقلب و بدلا من أن نعلن نحن استسلامنا لهذا الدين بكل ما فيه , يعلن الدين استسلامه لنا فيما نحب و نكره.

و إن منا من يطالب الإسلام بأن يستسلم له بالأفعال في أمور عديدة منها المعاملات التي يتعرض لها في وظيفته من دفع رشوة أو أخذها و يقول لك الأمور لا تسير إلا كذلك , و منهم من يفعل ما يفعل من الموبقات في أفراحه و حفلاته و سهراته و يقول لك لا نطيق تغيير ذلك , و منهم من يصافح النساء الأجنبيات (كزوجة الخال و العم , و زوج الأخت , و ابنة العم و الخال و غيرهم) و يقول لك إنهم "زي" إخواني , و منهم من يرتدي زيًا غير شرعي يجسم و يشف و يجذب الانتباه و يقول لك من دون ذلك لن أتزوج ... و أمور كثيرة نفعلها و نحن نعلم أنها تخالف الدين كليـًا و جزئيًا و لكننا نفعلها ظنًا منا أنها عادية أو أن البعد عنها غير مطاق أو أنها صغيرة و نسينا أن النار تشتعل من مستصغر الشرر و أن الجبال تبنى من الحصى.

أخوة الإيمان و الإسلام , إن هذه الدنيا بكل ما فيها لا تساوي لحظة واحدة يعاتبنا فيها الله تعالى , فمجرد العتاب عذاب و منا من لا يطيق عتاب أبيه له أو مديره في العمل فكيف بعتاب الله تعالى لنا. لذلك أدعو نفسي و أحبابي إلى أن نتقي الله تعالى في أفعالنا و أن نجعل دائما الفوز و الغلبة لشرع الله تعالى لا لأهوائنا و لا لعاداتنا و تقاليدنا فإنه لن ينفعنا في قبرنا و يوم حسابنا إلا عملنا الصالح فقط "و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا" ... دعونا نعلن نحن استسلامنا لهذا الدين فنفوز و لا ننتظر أن يعلن هو استسلامه لنا لأن هذا لن يحدث بكل تأكيد.

و لنعلم جيدًا أن إتباعنا للهوا لن يأتي لنا بالسعادة أبدا لأن من يُضحك و يُبكي هو الله فإتباعه أولى و أحق.

و قبل أن أختم يبقى لي أن أقول إن انتشار الخبث و المعصية و الاستهانة بالدين يقتضي من كل مسلم غيور على هذا الدين أن يبادر بإنكار ما حوله من منكر على أقل تقدير بالقلب و إنكاره بالقلب يقتضي منك أن تفارق المنكر و أهله فتترك مجالسهم و أماكنهم حتى لو كانوا لك ذوي قربى لأن مجاملتك لهم في منكرهم لن ينفعك أبدا بل إنهم يوم القيامة سيفرون منك و يهربون بل قد يتبرؤون منك ألم تقرأ قول ربنا سبحانه : " إِذْ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّبِعُواْ مِنَ الّذِينَ اتّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ " و قوله تعالى : " يوم يفر المرء من أخيه , و أمه و أبيه, و صاحبته و بنيه "

و في الختام أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه ...