...

مايكل وعيد الأضحى


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

مايكل و عيد الأضحى

بقلم: محمود رفيق الفرا

22-11-2009

مايكل صاحب الأسرة المتواضعة و الذي يعيش في شمال بريطانيا و المتزوج و عنده من الأطفال ثلاثة , يتمتع بحياة جميلة حيث أنه مقتنع بالرزق الذي اقتسمه له ربه في متجره المتواضع , فيخرج له من الصباح الباكر و يعود منه لأطفاله و زوجته مع غياب الشمس, فيقضي ما تبقى من اليوم في مداعبة أطفاله و زوجته و في رعاية مصالحهم و حل مشاكلهم.

و مع نهاية شهر ذي القعدة , بدء مايكل يبحث عن الإذاعات الإسلامية التي تصل لبلدته الصغيرة التي يسكن فيها حتى وصل إلى إرسالٍ واضحٍ لإذاعة إسلامية و بدء مايكل و أسرته يستمعون بانصات لبرامج الإذاعة ليعرفوا متى سيبدأ شهر ذي القعدة بالضبط , و في هذا الوقت جاءه ابنه الكبير ليخبره أن الشهر سيبدأ بعد غدٍ حسبما قرأ ذلك على أحد مواقع الإنترنت الإسلامية المعتمدة.

و هنا بدأت ابنته الصغيره في الفرح و التكبير لتقول لأبيها في هذا العيد لن أصافح أحدًا من أبناء أعمامي و عماتي لأني أصبحت كبيرة و مصافحتي لهم ستكون حرام, فابتسم الأب و زوجته ثم وضعها في حضنه و قال لها أنا سعيد جدًا بك, و بعدها دخل كل منهم في غرفته للنوم, ولكن الأب جلس مع زوجته يفكر في أضحية العيد و في النقود التي كان يدخرها على مدار العام من أجل هذا العيد و قرر أن ينزل غدًا للسوق لشراء خروفًا مناسبًا للذبح حسب الشريعة الإسلامية.

بالفعل وضع مايكل النقود في جيبه في الصباح الباكر قبل أن يذهب لمتجره و ذهب بهم للسوق على أطراف البلدة ليشتري الخروف و بدأ يبحث عن أفضل خروف لأنه يعلم أن للأضحية شروط و أنها تُقَدَّم لله تعالى و أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا , و بالفعل وقع اختياره على خروف مطابق لمواصفات الأضحية الشرعية فهو ليس أعور و لا أعرج و لا أعجف و سنه مناسب للأضحية و قام بشراءه ليضعه في سيارته و يتوجه به إلى بيته و بمجرد أن وصل بيته و أنزله من السيارة و بدأ صوته يعلو في حديقة البيت حتى خرجت ابنته و ابنه و بدءا يكبرا الله و يحمدا و يقولا سويا : "الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر , لا إله إلا الله ... الله أكبر ... الله أكبر و لله الحمد" و أثناء ذلك سمع صوت زوجته تطلبه فذهب لها فأعطته قائمة بأسماء الفقراء الذين سيعطونهم من الأضحية و قائمة أخرى بها أسماء أقاربهم و جيرانهم خاصة إليزابيث و ديفيد , ففرح مايكل بهذه القائمة و وضعها في جيبه و ذهب لمتجره و هو يكبر في الطريق و يهلل كما كان يفعل ابن عباس و ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخلت العشر الأوائل من ذي الحجة.

انتهى حديث المتحدث وهو يروي هذه القصة عن مايكل ليسأله أحد المتسمعون: لقد حيرتنا بهذه القصة هل مايكل هذا مسلم أم ماذا؟!!.. قال المتحدث: بل مايكل و أسرته كلهم نصارى كفار لا يؤمنون بالله وحده و لا برسوله.. و هنا ارتفعت الأصوات في المجلس و قال أحدهم: لا تكذب علينا يا أحمد.. فمن يُصدق أن مايكل وعائلته يفعلون ذلك و كأنهم مسلمون !! حتى قال أعقلهم: إن ما ذكرت غير صحيح ولا نعتقد أن كافراً يقوم بشعائر الإسلام! ويتابع الإذاعة ويحرص على معرفة يوم العيد ويدفع من ماله ويقسم الأضحية و...!

و هنا بدأ المتحدث يدافع عن نفسه و يمتص غضب الحضور ليقول لهم , لماذا لا تصدقون أن هناك كافرًا يحتفل بأعيادنا و يقلدنا في شعائرنا و يشاركنا فرحتنا في هذه المناسبات و عندنا نحن المسلمون عبد الله و عبد الرحمن و محمد و أحمد يتتبعون أعياد النصارى و يستعدون لها قبل قدومها بفترة طويلة, بل يشترون فيها هدايا بأسعار مرتفعة , أليس هناك فاطمة و سارة يخرجن من مصروفهن على مدار شهر كامل حتى يشترين باقة من الورد لأمهاتهم في ما يسمى عيد الأم و هو عيد للنصارى لا للمسلمين ؟! أليس هناك علي و أمجد و غيرهم ممن يرتدون اللون الأحمر و يشترون الورد الأحمر في ذلك اليوم الذي يسمى عيد الحب و هو من أعياد الكفار لا المسلمين؟! بل هناك حسام و أدهم يخرجان في نهاية كل عام ميلادي عند الساعة الحادية عشرة لينتظران سويًا مع جموع من الشباب و الفنيات في ساحة المدينة حتى إذا ما أصبحت الساعة الثانية عشرة تمامًا أشعلوا الألعاب النارية و رفعوا أصواتهم محتفلين بما يسمى رأس السنة الميلادية و هي مناسبة للكفار لا للمسلمين؟!

كان ذلك كله وسط هدوء تام من الحاضرين , حتى أصبح بعضهم يهزُ برأسه و آخر يضرب بكفيه , و هنا قال المتحدث لهم, إذا كنا نعجب من فعل مايكل فالأولى أن نعجب من أفعال أبناءنا و أفعالنا في مناسبات الكفار و المشركين و كيف أننا نحن المسلمون الذين قال عنا ربنا أننا خير أمة , كيف لنا و نحن نتبع هؤلاء الكفار و فينا رسول الله , الذي قال فيه ربه :"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر", فكيف بالله عليكم لا نتعجب من أفعالنا و نحن تركنا محمدًا صلى الله عليه وسلم و اقتدينا بالكفار و المشركين, فإن العجب من أفعالنا أولى و أحق.

ليقطع أدهم –أحد الحضور- حديث المتحدث و يقول: "و الله عشت في أمريكا أكثر من عشر سنوات و مرَّ علينا هناك الكثير من المناسبات الإسلامية و كان لنا الكثير من الزملاء و الجيران من غير المسلمين و لكنهم ما شاركونا في يوم من هذه الايام فرحتنا و ما أعطتنا حكوماتهم إجازة في أي يوم من هذه الأيام , حتى أن بعض المسلمون هناك عطل الكثير من شعائر أعيادنا ولم يلق لها بالاً ولم يرفع بها رأساً. فالعام الماضي بعض من الشباب المسلم لم يصلوا صلاة العيد! أما أعياد الأم فكم اشتريت فيه الهدايا حتى أحب الصغار عيد الأم وفضلوه على عيد الإسلام!

إلى هنا انتهى هذا المشهد و هذا الحوار بين المتحدث و جلساءه , و ليس لي تعليق أعلق به إلا أن أذكر أقوال ابن القيم رحمه الله في الاحتفال بأعياد الكفار و التشبه بهم في ذلك خاصة و نحن نقترب من عدد من أعيادهم.

حيث قال ابن تيمية رحمه الله: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم (أي الكفار) في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع يما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة، وبالجملة ليس لهم أن يختصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام".

وقال ابن القيم رحمه الله: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو ما نحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزله أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير من لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما يفعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر تعرض لمقت الله وسخطه". -بتصرف-

و قال ابن تيمية معلقاً على حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه «من تشبه بقوم فهو منهم», يقول ابن القيم: "هذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهرة يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]".

و لنعلم و نتذكر أن في ديننا كل خير و رشاد و صواب , ألم نقرأ قول ربنا : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153], فهل لنا بعد ذلك من سبيل ؟!

و في الختام كم من مايكل في بلاد الإسلام يحتفل بأعياد و مناسبات الكفار , و و الله إني أحزن لحالنا و أربأ بنفسي و أخواني أن نكون من الذين يحتفلون بأعياد الكفار و المشركين و قد أعطانا الله أعيادا نحتفل فيها بل و نتعبد فيها كأحسن ما تكون العبادة.

استودعكم الله ...