...

أكاذيب وأعاجيب


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

أكاذيب و أعاجيب

بقلم: محمود رفيق الفرَا

6-12-2009

لا يختلف إثنان من أهل العقول في عالمنا أن الجهل للإنسان هو بمثابة الغشاوة السوداء التي تفصل بين عقله و بين المنطق بل و بين كل ما هو صالح و مفيد , فإذا ما وقف رجل في وادٍ وراء جبل , فهو بكل تأكيد يجهل تمام الجهل ما يخفيه ظهر الجبل و يحتاج إلى من يَعْلم ما يخفيه ظهر الجبل ليُعَلِّمه بكل هذه الأمور فيصبح ممن يعلمون ما خلف الجبل ...

و هذا الرجل حاله متكرر في بلادنا كثيرًا و في مجالات كثيرة , و إذا ما ارتبط الأمر بالدين فإنَّ العدد يتضاعف كثيرًا.

و هذا الجهل يدفع صاحبه أحيانًا لصناعة الكذب بنفسه أو لتصديق الأكاذيب , و في أحيان آخرى تجده يبيح لك عن أعاجيب من الكلام أو الأفعال لا يقبلها عقل العاقل أو المتدبر في علم من العلوم , و هذه الأكاذيب و الأعاجيب تنتشر بين شبابنا و أبناءنا , فكان لابد أن أقف عندها لمنع خطرها و خطر توغلها في مجتمعنا ...

أعجوبة: قلب ممزق

أمتى راحت تعلق قلبها بين هذا و ذاك , و تظن أن صلاحها و فلاحها و زرقها يمتلكه و يحدده أشخاص يعيشون معنا , بل و يحددون الأمن و الأمان و التعاسة و السعادة و غيرها من متطلبات الإنسان في الحياة , فأصبحت القلوب ممزقة لا فائدة منها و لا رجاء, فانظر يرحمك الله إلى ورقة يجذبها ثلاثة أشخاص من مناطق مختلفة ماذا سيحصل بها؟ و اعلم أن قلبي و قلبك سيحصل لهم تماما ما سيحصل لتلك الورقة ... أما إذا ما علقت قلبك بالله وحده , فاعلنت بلسانك و قلبك و عملك مبايعتك لله تعالى و رسوله و أيقنت أن الرزق لا يتأتى إلا منه , و أنه هو من يحفظ الأمن و الأمان و يُضحك و يُبكي ... فأنت بذلك من السعداء و لكن انتبه و اعلم أن السعادة التي تأتي بسهولة لا طعم لها بينما السعادة التي تأتي بعد جهد و تعب يشعر بها الإنسان على مدار العمر...

هذه قناعتي التي اقتنع بها و ادرك أهميتها لذلك فأنا لا أقلق على رزق أو أمن أو سعادة إلا في حالة واحدة إذا ما عصيت ربي و تأخرت توبتي و أوبتي لله تعالى و لكنى طالما كنت على اتصال به و معلق قلبي به فلا قلق و لا حيرة و لا انقطاع للرزق و السعادة ...

أكذوبة: حوار الأديان

كذب علينا و على أبناءنا مجموعة ممن يُقال عنهم مثقفين و مفكرين فقالوا لنا أنَّ هناك حوار بين الأديان و هذه أكذوبة كبيرة و خطيرة فلا يوجد في عقيدتنا شيئا اسمه أديان بل عندنا دين واحد فقط قال الله تعالى عنه "إن الدين عند الله الإسلام" , و ما يسمى عن دين النصارى و اليهود هي ديانات تم إلغاءها (نسخها) بمجرد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم , و دينهم الآن باطلا, نعم نؤمن نحن المسلمون بموسى و عيسى و نؤمن أن الله أنزل عليهم التوراة و الإنجيل و لكننا نؤمن بالحقيقة الدائمة الراسخة أن الإسلام هو الدين عند الله و أن القرآن هو كتاب الله المُطالب بالإيمان به كل المخلوقات من بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ... فإياكم و أكذوبة الأديان و الحوار بينها و التقريب بينها , فإننا إذا ما قربنا بين الحق و الباطل نتج عندنا باطلا بكل تأكيد ... فكيف نُقَّربُ بين الدين الحق و المذهب الحق مع الديانات الباطلة و المذاهب الزائغة ؟!

أعجوبة: مصحف به ثلاثة مليون صفحة

و من جهل بعض الجاهلون بأمور الدين أنك إذا أخبرتهم بحكم شرعي معين يتعلق مثلا بعقيدة الحب في الله و الكره في الله , أو في التشبه بالكفار و غيره , قالوا لك : أعطنا آية واحدة في القرآن تتحدث في هذا الأمر , و إذا قلت له إنّ تخصيص وقت معين لطاعة معينة دون أن يكون هناك أثر واضح في سنة محمد صلى الله عليه وسلم فإن هذا الأمر حرام , قال لك ... و ما الضرر الذي سيعود على الدين ؟ و أين الحديث أو الآية التي تمنعنا من ذلك , فهذا أمر خير به نصلح حالنا و حياتنا ...

هذا ما يقوله المسكين , و للأسف هو لا يقول ذلك إلا بسبب الغشاوة التي على عينيه , لأنه يعتقد أن كل صغيرة و كبيرة كان لابد على ربنا سبحانه أن يذكرها واضحة جلية (بالحرف) في المصحف حتى يؤمن هو بها و كأن علم التفسير و اللغة العربية و البلاغة قد تم نسفهم تماما , فهو يريد مصحفًا به 3 مليون صفحة على الأقل لكي يذكر فيه كل شيء بالتفصيل و نسي هذا المسكين أن السنة النبوية تفصل هذا القرآن الكريم و توضح أحكامه و أن ديننا و شرعنا نأخذه من مصادر أربعة هي القرآن الكريم ثم السنة النبوية ثم الإجماع و القياس و أننا نلتزم بهذا التشريع و بهذه الأحكام و لا نقدم عليها عقولنا مهما حصل لأن الأمر يتعلق بالعقيدة التي شرعها الله تعالى و لا يمكن لعقل من عقول المخلوقات جميعا أن يفوق تقدير رب العالمين.

و كم من آية في كتاب الله تلخص و تبين لنا أحكاما كثيرة جدا سردها يحتاج إلى كتب و مجلدات و يكفيك أن تقف مع أيتين من كتاب الله هم : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " و "... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "

أكذوبة: هذه قناعات

كثيرًا ما تابعت حوارًا بين اثنين أو شاركت في حوار بين اثنين كان يدور الحوار بينهما على أمر بمعروف أو نهي عن منكر , فإذا رفض أحدهما الأخذ بما في السنة النبوية أو في أثر الصحابة رضي الله عنهم قال لك هي قناعات و كل واحد مقتنع بشيء و هذه القناعات ليس من الطبيعي أن تفسد العلاقات و أننا لابد أن نعيش و نتقارب رغم هذه الاختلافات حتى لو كانت في العقيدة أو في قضايا فقهية لا خلاف فيها ...

و هنا لابد لشبابنا أن يعلموا علم اليقين أن الخير كل الخير في الاقتداء بمن سلف و أن الشر كل الشر في منطق من خلف و ذلك إذا ما تم إعماله في أمور الدين عامة, و قد ثبت في صحيح الأثر أن أبو هريرة رضي الله عنه قال لابن عباس ذات يوم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم و كان ظاهر الحديث لا يتفق مع منطق ابن عباس فراجع ابن عباس أبا هريرة فقال له أبو هريرة "يا ابن أخي ... إذا قلت لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب لي الأمثال" , فلا قناعات في الدين , و بالتالي لا يمكن لمؤمن أن يقدم عقله أو قناعاته على كلام الله و رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

و يندرج تحت هذه الأكذوبة من يناطح آراء العلماء ثم يقول لك ألسنا جميعا بشر ؟ و لنا عقول ؟! و لا يعلم هذا المسكين صاحب القناعات أن العقل وحده دون علم لا يتساوى مع العقل إذا ما اقترن بالعلم و بالتالي فعقلي أنا دون علم لا يمكن أن أقارنه بعقل ابن القيم أو ابن تيمية رحمهما الله ... و ما كان هذا الفضل لعقولهم على عقلي إلا لأنهم عملوا على تغذية عقولهم و أرواحهم بالعلم الحق و أخذوه على أصوله و هو أشرف العلوم , فهل لي الآن و أنا غير متخصص في علوم الأحياء أو الفيزياء أن أجادل علماء هذه المجالات ثم أقول أنا و هم لنا عقول ؟!

أعجوبة: لماذا لا نأخذ منهم ما هو جيد ؟!

هل يمنعنا الدين من أن نتعلم من الغرب الكافر علومهم المفيدة في الصناعة و الطب و الرياضيات و التكنولوجيا؟ بكل تأكيد لا بل إن الله تعالى أمرنا بأن نتعلم و نتزود بكافة العلوم التي تفيدنا في حياتنا اليومية بل و بتسخيرنا لها تسخيرًا مفيدًا فإنها تنفعنا يوم الدين ... و ليس ببعيد عنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للمزارعين خاصة و للمسلمين عامة : "أنتم أعلم بشئون دنياكم" و ذلك تعليقًا منه صلى الله عليه وسلم على أمور تتعلق بالزراعة و هي دعوة منه صلى الله عليه وسلم لنبحث عن كل ما يصلح دنيانا من العلوم الحياتية.

فكل علم مفيد من غير المسلمين لنا أن نتعلمه و نعلمه لأبناءنا , فديننا دين العلم و دين النور و لكن لابد لنا من وقفة واضحة مع من يأخذ هذه القاعدة و هذه الدعوة فيسخرها و يؤولها في غير موضعها , فيريد بها أن يقلد الكفار في أمور هي في عقيدتهم مثل تعدد الاعياد , و حب الكفار و مجاملتهم و مخالطتهم و مصاحبتهم في غير ضرورة و هذه كلها أمور ليست من الدين و لا صلاح فيها أبدًا , و لا يوجد في عقيدتهم شيئًا واحدًا فيه صلاح و لا يوجد في ديننا, فديننا كامل شامل , و النبي صلى الله عليه وسلم أوصل لنا دينًا كاملا شاملا صالحًا لكل زمان و مكان , و لا يوجد شيئًا واحدا ينفعنا يوم القيامة إلا و قد أبلغه لنا و أمرنا به صلى الله عليه وسلم.

و بذلك فلنعلم علم اليقين أن الأخذ من عقيدة الكفار لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينفعنا في شيء , و أن الرخصة التي أعطيت لنا لنتعلم من الكفار علومهم الحياتية لا يمكن استخدامها أبدا لنقلدهم في عقيدتهم و بذلك فإن مشاركتهم في أعيادهم مثل عيد الأم , عيد الحب , أعياد الكريسماس و أعياد الميلاد .. كل ذلك محرم علينا اتباعهم فيه أبدا ... و لنتذكر دائما أن الخير كل الخير في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه رضي الله عنهم ...

و في الختام ... أستودعكم الله