...

رسالة 'دوف يرميا'.. هل يتبعه الصهاينة العرب'؟


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

رسالة 'دوف يرميا'.. هل يتبعه الصهاينة العرب'؟

مشير الفرا

31/01/2010

 

'دوف يرميا' هذا صهيوني متمرس عمره خمسة وتسعين عاما وصل إلى رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي أرسل رسالة إلى العديد'من اصدقائه'ومعارفه'ونشرها الكاتب والصحافي الشهير 'اوري افنيري'، يقول فيها:
'أنا دوف إيرميا اليهودي الإسرائيلي، حرثت حقول إسرائيل، زرعت الأشجار، بنيت البيوت، سالت دمائي في معركة إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، أعلن انني اتراجع عن إيماني بالصهيونية التي في رأيي فشلت ومن الآن لن أكون مواليا للدولة اليهودية الفاشية وفكرها ورؤيتها المجنونة، لن أغني السلام الوطني الإسرائيلي بعد الآن لن أقف إحتراما بعد اليوم إلا للدماء البريئة التي تسيل في الجانبين. انني أنظر بقلب منكسر إلى إسرائيل التي تتقدم ببطىء نحو الإنتحار وأحزن على ثلاثة أجيال من أسرتي ساهمت في جلبها إلى الحياة ورعايتها.'لا يمكن أن اغفر'لإسرائيل سياستها العنصرية، سرقتها للأراضي ومصادر المياه، معاملتها'اللا إنسانية للمرضى والحوامل، توغلها في الدماء بإعداد كبيرة خاصة دماء الأطفال'


يتطرق 'يرميا' في رسالته إلى مؤسسي الصهيونية الأوائل و يقول:''أنه لو أن 'هرتزل' أو 'حاييم وايزمن' عادوا إلى الحياة ورأوا ما يفعله الصهاينة الآن فسيعودون من حيث أتوا، فقد كانوا أناساً يحملون مبادئ العدالة والأخلاق'. هنا نختلف مع 'دوف ايرميا' جملة وتفصيلا فالصهيونية كما'انشأها المؤسسون الأوائل'حركة عنصرية كان لايمكن إلى أن تنتج إلا ما أنتجته من خراب'ودمار، كان هدفها ولا يزال إنشاء دولة يهودية نقية في فلسطين، أي دولة معرفة عرقيا ودينيا وهذا في حد'ذاته يفقدها الحق في الإنتماء إلى منظومة الدول التي تحترم مواطنة الإنسان بغض النظر عن خلفيته العرقية أو الدينية حتى و إن ادعت إحترام الأديان والأعراق المختلفة عنها.'شأن إسرائيل في هذا هو شأن أي دولة أخرى مبنية على أحادية العرق والدين. إسرائيل اليهودية كما ارادها المؤسسون الأوائل تظل ديمقراطية يهودية فقط، محدودة وليست شمولية.


'في رده على الرسالة تجنب 'يوري افنيري الخوض في نقاش مع 'دوف يرميا' حول الصهيونية بإيجابياتها و سلبياتها كما قال وهذا يعكس حنيناً لدى المقاتل السابق افنري لما يعتبره هو بعض الجوانب المشرقة للصهيونية التي لم يلمس العالم منها شيئا. هذا يعكس مشكلة كبيرة مع اليساريين من أمثال افنيري وعاموس عوز أو ديفيد'غروسمان وغيرهم ممن يدعمون الشعب الفلسطيني ولكن يرفضون تغيير ديمغرافية إسرائيل وبالتالي يعارضون حق العودة و هذا موضوع مقال آخر.


ما قاله افنيري'في رده جدير بالإهتمام الشديد:''كانت هناك أوقات'كنا فخورين جداً بالوقوف في أي مكان في العالم ونقول 'نحن اسرائيليين'. لا أحد يستطيع أن يفعل هذا الآن، لقد'أصبح إسم إسرائيل ممرغا في الوحل، الكثير من الإسرائيليين يتجنبون الحديث بالعبرية في المدن الأجنبية المختلفة'. هذا الواقع الملموس الذي كرره الكثير من الإسرائيليين، غير افنيري ،يعطينا دفعة قوية وحقيقية للإستمرار في تعرية جرائم إسرائيل أمام العالم وهذا بلا شك أقوى وأهم سبل المقاومة خارج فلسطين.


'هنا يبرز سؤال مهم: إن كان الصهاينة بدأوا، وإن كان بأعداد قليلة جداً، يكفرون بالصهيونية فالأحرى بنا نحن الفلسطينيين العودة إلى الروح الأصلية لما كان يسمى 'الثورة الفلسطينية' والتي انطلقت أصلا للكفاح ضد الصهيونية ومشروعها العنصري، الإستعماري التوسعي. هذه العودة يجب أن تكون بعيدة عن المصالح المالية أو الصفقات التجارية التي لا تفرق معها صهيونية أو غيرها'والتي برع الكثير من قيادات السلطة فيها.

 إن كان الواقعيون داخل القيادة الفلسطينية، وعلى رأسهم الرئيس 'أبو مازن' لايريدون الكفاح المسلح بأي شكل من الأشكال، فليفسحوا الطريق لكل'أشكال النضال'الأخرى. سمعنا تصريحات مشجعة لبعض قيادات 'فتح' يهددون فيها إسرائيل بالمقاومة الشعبية ويبقى التنفيذ'هو الفيصل فيما إن كانت هذه القيادات صادقة فيما تقول أم أن المصالح والإمتيازات التي قد يحرمون منها إن نفذ تهديدهم ستعدلهم عن قرارهم.


لقد تقزم المشروع الثوري الفلسطيني تدريجيا، فمن صراع مع كل احرار العالم ضد كل ما تمثله الصهيونية إضافة إلى كونها الذراع القوي القذر لكل المشاريع الإستعمارية في المنطقة، وهذا ثبت بشكل واضح خلال العقود الثلاثة السابقة ويثبت الآن عبر التهديدات الاسرائيلية لإيران، إلى'توسل لقطعة أرض هنا أو هناك ومفاوضات لا تستطيع'إزالة حاجز أمني. لقد وضع الشعب الفلسطيني تحت ضغط لا تحتمله القدرة الإنسانية والهدف واضح، ايصاله إلى مرحلة اليأس ودفعه للقبول بالأمر الواقع وأهزل الحلول حتى أصبح فتح معبر رفح هو المطلب الملح والأساسي، وحتى لا نكون كمن يدفن رأسه في الرمال أثمر هذا الضغط الكثير فحالة الاحباط التي يمر بها الفلسطينيون اليوم مقلقة للغاية في ظل الوضع اللا معقول الذي يمرون به خاصة في قطاع غزة الحبيب.'


'إن قرار القيادة الفلسطينية إيقاف المفاوضات حتى التوقف الكامل للبرنامج الاستيطاني الإسرائيلي هو خطوة في ألإتجاه الصحيح'نتمنى أن تثبت القيادة الفلسطينية عليه وتخيب أمل كل من فقد الثقة فيها، وأنا منهم، ولا تتأثر بأي ضغوط خارجية ،إسرائيلية /'أمريكية كانت أو أنظمة عربية'أو فلسطينية داخلية ممن يعتبرون المأساة الفلسطينية كمشروع استثماري وكله بإسم الوطن.'


'هامش'
'تمضي الحكومة البريطانية في سياسة الكيل بمكيالين ولكن هذه المره بصورة لم تكن متوقعة: 'هايو ميئير 'اليهودي، 86 عاما، قضى عشرة أشهر مختبئاً من النازيين في هولندا إلى أن قبض عليه عام 1944 ونقل إلى معسكر الإعتقال النازي 'اوشفيتز '، أهم رمز للمحرقة النازية ضد اليهود وغيرهم خلال الحرب العالمية الثانية، حيث سجن وعذب لمدة أحد عشر شهرا'وتحرر يوم 27 .1. 1945 'يوم تحرير اوشفيتز'.

'هايو ميئير ' معارض شرس للصهيونية ومؤيد للحقوق الفلسطينية. جاء إلى بريطانيا في جولة وكان لنا شرف استضافته في شفيلد.'الهيئة البريطانية لإحياء ذكرى تحرير 'اوشفيتز' رفضت استقباله أو الإعلان عن جولته في بريطانيا، نفاق لاسرائيل ما بعده نفاق. فلو'كان 'هايو ميئير' يهودياً صهيونيا لفتحت أمامه كل الأبواب ولا أبالغ إن قلت ربما استقبلته الملكة في ذكرى تحرير'اوشفيتز'


'هايو ميئير' بروفيسور فيزياء متقاعد هادئ'له شخصية محببة للغاية يرفض أن يطلق على الجيش الإسرائيلي تسمية جيش، بل قوات إحتلال وقهر، يثور عندما يسأله سائل عن المشكلة الفلسطينية، 'لا تستعملوا المصطلحات الإسرائيلية انها المأساة أو الكارثة الفلسطينية'، غضب عندما أظهر بعض الحضور تعاطفهم معه لسجنه وتعذيبه في 'اوشفيتز' صرخ بأعلى صوته: 'إن كنتم مهتمين بمعاناتي فلا تستمروا في إجترار الماضي، إعملو لأجل الفلسطينيين'، لقد كان شعار العالم 'بعد اوشفيتز' 'Never Again'. 'لن يتكرر هذا مرة أخرى'، إن ما تفعله قوات الإحتلال والقهر الإسرائيلية بالفلسطينيين مشابه لما فعله النازيون، قد يكون الحجم مختلف ولكن الأساليب هي نفسها. إن كل اسرائيلي لا يحتج على فظائع حكومته المجرمة هو مشارك غير مباشر في هذا العدوان الهمجي والكلام ما زال لهايو ميئير.


من المهم أن يستمع الصهاينة العرب والفلسطينيين لهايو ميئير وأمثاله لعلهم يتعظون.

'كاتب وناشط سياسي من فلسطين