...

منصور ثابت.. عائد إلى الزمن الجميل


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

منصور ثابت.. عائد إلى' الزمن الجميل
مشير الفرا
1/7/2010
 

'على باب منزلنا بخان يونس خاطبني بضحكته الواسعة' التي لم تكن تفارقه، أنا منصور ثابت. كم كانت عاطفية تلك اللحظات فقد سمعت عن الرجل كثيراً منذ كنت'طفلا صغيراً 'يحلم بالثورة ورجالها ونسائها ويتغنى بسيرة مناضليها الشرفاء' كمنصور ورفاقه في خلايا الشهيد محمد محمود'الأسود (جيفارا غزة).'كان هذا أول لقاء لنا منذ خمسة عشر عاماً وكم أسرني 'أبا غسان' بتواضعه اللا محدود الذي يعكس الوجه الجميل لكينونة المناضل كما نحلم أن تكون، المناضل المهرول للعطاء دون توقع المقابل وليس المتاجر بدماء شعبه بإسم النضال.

'ومنصور ثابت لمن لا يعرفه إنسان فلسطيني بسيط حمل هموم نكبته وشعبه على كاهله، من الرعيل الأول من الرجال الرجال الذين صنعوا مجد الثورة الفلسطينية أيام كان إنتصار 'اللحم على السكين' هو الشغل الشاغل لكل الفلسطينيين. من الشجعان الذين إكتووا بنار الثورة ولم يكن أبداً من الجبناء الذين جنوا ثمارها ولايزالون.'

'سنوات 'عمر منصور كلها شعلة كفاح، منذ حمل السلاح ليقاتل دفاعاً عن جرح شعبه الغائر إلى سنوات السجن الطويلة، بداية خمسة عشر عاماً، ليخرج في منتصف الثمانينيات في صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي رعتها الجبهة الشعبية 'القيادة العامة' ليعود بعدها لمدة أربع سنوات أخرى خلال الإنتفاضة الأولى، تسعة عشر عاماً'قضاها منصور داخل سجون المغتصب ما زادته إلا'صلابة وعزماً.'

''وبإيمان المناضل الحقيقي الواعي لضرورات تنوع العمل المقاوم، فالسلاح مقاومة، والحب مقاومة، وقصص الأطفال التي كتبها منصور مقاومة، والزرع مقاومة، والإنسان الحر مقاومة، والطفل السعيد مقاومة، والفن مقاومة والزرع مقاومة. بإيمانه'بهذا كله وبإحساس الأب المتحرق لحياة أفضل لأطفال'مخيمه 'النصيرات''الذين لم يعرفوا سوى'الإحتلال وطلقات الرصاص وأصوات المدافع، الدبابات والزنزانات والقهر المجتمعي البغيض، بدأ منصور حقبة جديدة من الكفاح، هذه المرة من 'الكرمل الثقافي' بالنصيرات وهدفه رسم البسمة على وجوه أطفال أحبهم'وأحبوه بصدق.

وكم تعب منصور ليزدهر 'الكرمل' وكم كان صلباً عندما إختلف مع رفاقه مصراً، رغم قناعاته الفكرية وإنتمائه الحزبي الراسخ، على تحييد العمل المجتمعي عن التجاذبات السياسية. ترك الكرمل في هدوء وكرامة لم أملك إلا احترامها ولم تصدر منه أي إساءة في حق من اساؤا إليه.

'وهل يهدأ المناضل داخل منصور، من الدور الأرضي بمنزله المتواضع، هدم الحائط الفاصل بين المخزنين لينشئ مع مجموعة من رفاقه الرائعين 'الأفاق الجديدة'، كم كانت البداية متواضعة وكم كان النمو مبهراً كذلك الحماس اللا محدود الذي ابداه منصور' في كل خطوة، التفاصيل الصغيرة والإصرار على الإنجاز . لا تكاد تصدق أن هذا الثوري المتخم بتاريخه النضالي الواسع هو نفس الشخص الجالس مع أطفال المخيم يلاعبهم'بل ويتــــماهى معهم .

كم ضحكنا معاً''عندما أصر منصــــور على أخذ صورة وسط الأطفال متظاهراً أنه واحداً'منهم فرحاً بالكتب والألعاب الجديدة، هكذا كانت روحة المرحة وانسانيته التي تخطت حدود اللون العرق'والمعتقد.

'منصور كان يسارياً مفكراً'ومحركاً 'وما أشد حاجة هذا اليسار المشلول''المتخم بالمفكرين، المنظرين'من ابراجهم العاجية' اللذين لا يعرفون معنى التحريك، لأمثال منصور.

'في مستشفى الشفاء كان'لقاؤنا قبل الأخير، لم أقو على حبس دموعي وأن أرى حجم آلامك، أما أنت فلم تفارقك هذه الإبتسامة الهادئة المطمئنة التي أسرت بها القلوب التي أحبتك، وكلك تفاؤل وإصرار على مناقشة مشاريع 'أفاق جديدة'، آخر مرة إلتقيتك في غزة ونحن نجهز لمشروع فرقة'الكشافة، كان الألم والمرض'يعتصرانك 'لكنهما تقزما أمام شهوتك اللامعقولة للعطاء. سكت القلب الكبير وغبت عنا جسداً يا منصور ولكنك في القلوب بقيت وستبقى.

'لم يفارقك تواضعك أبداً وأنت المناضل العتيد'، لم أشهد منك أية عنتريات تعودنا عليها من من أشباه الرجال الذين ادعوا النضال أو وضعوا خطأً في طريقه، ممن تاجروا بالوطن ولا يزالون أو تكالبوا على المناصب وكله''بإسم هذا الوطن و كم من الآفات' ارتكبت بإسمك أيها الوطن.

'في ذكراك الثالثة أبا غسان يمزقني'أن'أصدمك،'أيام الزمن الجميل غابت، حين كان الفلسطيني يحلم بالثورة الشاملة ضد القهر، التي لا تعرف اليأس أو الحدود، في غزة كانت أو 'سنتياغو' لا فرق فالإنسان كان في قاموس الفلسطيني'هو الإنسان، لا يهم إلى أي عرق ينتمي أو أي إله يعبد أو معتقد يعتقد. حين كان الفلسطينيون جميعهم''يعدون'لديمومة الثورة 'جيلاً بعد جيل حتى تحرير الإنسان والأرض، لم''نكن نعلم أن البعض منا''سيلتف على الثورة بل ويتحالف'مع اعدائها.
 
أخالك معي الآن تشجعني وتبشرني بعودة الزمن الجميل، حتماً يا منصور سيعود هذا الزمن هذا حلمنا''وكيف لنا ألا نحلم.

'رحلت يا منصور وقد تفرقنا إلى مجموعات غاب عنها الحب، الذي كان كل حياتك، وتجذر فيها الحقد وكلهم يدعون حب هذا الوطن البريء من كل ما يفعلون. علمنا الحبيب الذي إحتضن جسدك وشيعته الآلاف المؤلفة من احبائك، في تظاهرة عكست مدى تقدير هذا الشعب للمخلصين'من''فرسانه، إستبدل برايات بغيضة أياً كانت ألوانها. هذا العرس الجماهيري'الذي كان في وداعك'هو ما يهم أحباؤك'فلا حاجة بك لتقدير هيئات أو احزاب لا تعريف قيمة لمناضل بحجمك.

'ويا منصور، في زمان ما، ستنمو زهرةً بريةً 'حنونة كما نسميها في غزة' على ثراك وأخرى على''ثراي لتطلا''على طفل وطفلة، في النصيرات، خان يونس وفلسطين كلها، لا يعرفان الدبابات، ولا' أصوات الطلقات، لم تشوه أفقهم الأسلاك الشائكة' ولا يقتلعهم إحتلال، أو تقهرهم قيود إجتماعية' بالية، يعيشان حران، يحبان'، يعشقان، يصيبان، يخطئان، يناضلان، يغامران، يفكران كما يشاءان، يحلقان بجناحيهما في فضاء هذا الكون دون رقيب سوى ضميريهما وأخلاقياتهما. عندها يا أبا غسان، أيها الحبيب، المحب، الجميل، الحالم، المقاوم، العنيد، الرقيق، الرفيق، الحنون المتجرد، الغني الفقير، عندها فقط، سننام قريري الأعين، 'أبا غسان، قدرك الزمن الجميل وكم كنت جميلا.


' 'كاتب وناشط' سياسي من فلسطين