...

إياكم و حاملي الحطب ...


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

إياكم و حاملي الحطب ...

بقلم/ محمود رفيـق الفرا

24/7/2010

أم جميـل و ما أدارك ما أم جميـل ... إنها امرأة أبي لهب تبت يده , و كانت مرأة صاحبـة خلق و لا أسوأ , كانت صاحبـة خُـلق يفسد حياة الآخرين و يهلك بيوتهم و يُقَطَّع علاقاتهم و يطلق المرأة من زوجها و يشعل الحرب بين القبائل, أم جميـل هذه كانت تحمل الكلام من بيت إلى بيت و من امرأة إلى أخرى كأنها تحمل الحطب الذي توقد به النار, فتشعل النار بين الناس و تخرب البيوت على أصحابها من شدة ما تحمل من كلام فاسد يفسد العلاقات و لهذا ذمها القرآن الكريم في سورة المسد بقول الله تعالى (و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) أي في رقبتها حبل من ليف ستعذب به يوم القيامة أشد تعذيب.

و إن كان هذا الأمر و هذا الخُلق يصدر عن واحدة من المشركات في بداية ظهور الإسلام و دون إيمانها برسالة محمد صلى الله عليه وسلم , فإن هذا الخُلق المذموم لم ينقرض و لم يتوقف بل للأسف الشديد لا يزال يجتاح بيوتنا و مجالسنا رغم إعلان إسلامنـا و رغم إيماننا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم, وها هو حملُ الحطب بين بيوت المسلمين يدمر كل يوم علاقة و يحطم كل يوم بيت و تضيع بسببه كل يوم مودة و مرحمة, بل إنَّـه انتقل إلى جامعاتنا و مؤسساتنا و شركاتنا و أسواقنـا فلم يعد هذا الخُلق الذميم يقتصر على جلسة النساء و محادثاتهم الهاتفية بل أصبح له نصيب يومي من أوقات الموظفين في المؤسسات المختلفة.

الخطيـر في الأمر أن سوء هذا الخُلق ليس فقط من باب الدين و من باب ذم إسلامنا لصاحب هذا الخلق كما قال محمد صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنـة نمام) بل إن الإنسـان الذي لا دين له و لكنه يفكر قليلا في هذا الأمر يجد مدى سوءه و فساده , و لا يرتضي بكل حال من الأحوال أن يقوم به أو أن يجعله خلقـًا من أخلاقه, بل أكثر من ذلك فهو سيرفض الجلوس أو الاستماع لحاملي الحطب,  ما ذلك إلا بدافع من تفكيره السليم في هذا الأمر فكيف لو كان لهذا الرجل عقيدة تمنعه من التخلق بهذا الخُلق.

و المشكلة في حقيقة الأمر لا تتلخص في هذا النمام القتات الذي يفسد حياة الناس بنقله للكلام السيء بين الناس و الوقيعة بينهم فحسب بل إن المشكلة يشارك فيها و بقوة من يستلم الحطب من حاملة أو إن شئت فقل من يستمع لهذا النمام , و المشكلة الأكبر إذا ما حاول أحدهم الدخول للإصلاح و لإخماد هذا الداء و أراد أن يفضح كذب الكاذبين و يفضح أمر النمام أو القتات تجد كل طرف يهرب من المواجهة و لا يبدي الاستعداد للجلوس أو المصارحة و هو موقف كافٍ جدا ليظهر كذب الكاذب و خديعة النمام إلا أن هذا الأمر يكون بلا قيمة عند كثير من الناس لتجدهم في أسرع وقت يستمعون مرة أخرى لهذا النمام و ينقلون عنه الكلام لغيره لنتأكد في هذه الحالة أنَّ العيب ليس في النمام الأول فقط بل في ذلك الذي يستمع لهذا النمام و يعطيه الأهمية لتكتمل سلسلة الفسـاد.

لم يبقَ لي كلامـًا أقوله في هذا الموضع إلا كلمتين أهمس بهما في أذن من اعتاد على حمل الحطب و آخرى لمن اعتاد على استلام الحطب, أما الأولى لحامل الحطب (لا تظن أنك بهذه الطريقة ستكسب حب الأخرين أو أنك ستكون المحبب إلى الجميع , فسياسة فرق تسد لم تعد مجدية في هذا الزمن على مستوى الأفراد بل أنت أول من ستحرقه نار النميمة و سيشار إليك بعد ذلك بالنمام الكذاب حتى و إن وجدت من يستمع إليك, فكف أذاك عن نفسك أولا و عن الناس ثانيـًا خير لك) أما الثانية لمن يستلم الحطب (فاعلم أخي الحبيب أن باستلامك لهذا الحطب تساهم في إشعال الفتنة و النار الحارقة بين المسلمين و تعطي الفرصة لمجموعة من الفاسدين لتحطيم حياتك و أسرتك بل و دينك و اعلم أنك تساهم بذلك في فساد ذات البين و التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم (فإن فساد ذات البين هي الحالقة, لاأقول تحلق الشعر , ولكن تحلق الدين).

و أخيرًا إياكم و حاملي الحطب فإنهم الفاسدون المفسدون الذين بهم تهدم البيوت و تقطع العلاقات و تطلق النساء و يقتل الأخ أخيه و الرجل ابن عمه و يقتل الرجل زوجته و كل هذا من أفعال حاملي الحطب فتركوا مجالسهم و لا تجالسوهم و لا تظهروا لهم المودة أو المحبة أو الإنصات و اجعلوهم المنبوذين حتى يعودوا إلى رشدهم.

و في الختام ... استودعكم الله