...

لتعترف القيادة الفلسطينية - لا سلام حالياً إلا بالإستسلام


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

 

لتعترف القيادة الفلسطينية - لا سلام حالياً  إلا بالإستسلام

 

 

شهر العسل الإسرائيلي في الغرب يظهر علامات أولية  جدية   لإشرافه على الإنتهاء ، (المشوار لا زال طويلاً جداً )  . وهذا التغيير التدريجي البطيء جداً يجب أن يقابل بخطوات فلسطينية  تستغله في إتجاه تحقيق المكاسب على المدى البعيد ، عشرات السنين وليس بضعها ،  فصراعنا مع المشروع الصهيوني لن يحل على المدى القصير  و كل من لا يؤمن بهذا فهو بلا شك حالم .

 

جاء  إلغاء إسرائيل لمحادثات التعاون الإستراتيجي والعسكري مع بريطانيا خلال زيارة وزير الخارجية البريطاني "وليم هيج"  الأسبوع الماضي ليعكس مدى الإنزعاج والخطر ، نعم الخطر ،  الذي تحس به الحكومة الإسرائلية تجاه  التصاعد التدريجي البطيء و- الواضح للحملات المناهضة لإسرائيل في أوروبا والعالم بإستثناء الولايات المتحدة الأمريكية .  فالضغوط على أشدها لمطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين  رغم محاولات الحكومات الغربية وبالتحديد البريطانية إصدار قانون يمنع المدنيين من  تقديم إتهامات بجرائم الحرب لمسؤولين اسرائيليين أمام المحاكم البريطانية ، فها هو نائب رئيس الوزراء عضو هيئة 'السباعية' الوزارية دان مريدور  يلغي سفره إلى بريطانيا خوفا من اعتقاله هناك وكان مقررا أن يصل مريدور إلى لندن لإلقاء الخطاب المركزي في اجتماع تنظمه منظمة 'بايكوم' المؤيدة لإسرائيل الأسبوع الماضي لكن معلومات وصلت إلى وزارتي الخارجية والعدل في إسرائيل  أفادت بأن جهات في بريطانيا تعمل على استصدار أمر اعتقال ضد الوزير الإسرائيلي فور نزوله من الطائرة . كذالك الأمر مع  رئيس الشاباك ووزير الأمن الداخلي السابق "آفي ديختر " الذي ألغى زيارة لأسبانيا  وبريطانيا  للسبب نفسه . وقبلهم بعام تعرضت "تسيبي ليفني" و "ايهود  باراك"   لنفس الموقف كذلك قائد السلاح الجوي الإسرائيلي السابق "دان الموج". وما زال الناشطون في كل مكان في اوروبا  يتبعون كل تحركات مجرمي الحرب الإسرائيليين .

 

   هذا إضافةً  إلى حملة المقاطعة الإقتصادية التي اكتسبت زخماً كبيراً خلال العامين الماضيين ولا زالت. ففي مختلف المدن الاوروبية يحتل الداعون للمقاطعه أسبوعياً  ، لمدد قصيرة حتى وصول قوات الشرطة ،  المحال التجارية التي تبيع المنتجات الإسرائيلية و جاءت الأخبار المشجعة منذ اسبوعين من "فرنسا" بتبرئة  ناشطين إحتلوا اكبر "سوبر ماركت" فرنسي "كاريفور"  .   ولكي يزداد الإزعاج  برزت وبشكل واضح حملة المقاطعة الثقافية والفنية لإسرائيل.  الزخم  الأبرز  لهذه الحملة جاء  خلال الأسبوع الماضي حين ناشد البطريرك الجنوب أفريقي والمناضل الشهير ضد العنصرية  "ديزموند توتو"  فرقة أوبرا "كاب تاون"  الا تذهب للغناء في إسرائيل.  قبلها ألغى المغني البريطاني الشهير " ألفيس كوستلو " جولة غنائية في إسرائيل وتبعة عازف الجيتار الشهير "كارلوس سانتانا".  ولاتزال الضغوط الشعبية تتوصل على العديد من الفنانين والمشاهير لإلغاء جولات مشابهة في إسرائيل .   الوفود الفنية والإسرائيلية تواجه في كل مكان من قبل المحتجين على سياسات إسرائيل .  وما  قصة  رفيقنا الإسكتلندي "ميك نابير" ورفاقه الأربعة إلا  مثالاً حيا لشهر العسل الإسرائيلي المشرف على الإنتهاء في أوروبا .  الإسكتلنديون الخمسة حضروا عرضاً لفرقة القدس الموسيقية  الرباعية الإسرائيلية "Jerusalem Quartet"" والتي تتكون من جنود اسرائيليين سابقين وشعارهم "يد تحمل الجيتار وأخرى تحمل البندقية" وقاموا بمقاطعة عرض  الفرقة هاتفين ضد الإحتلال وجرائم الحرب الإسرائلية  ولفك الحصار عن قطاع غزة .  الشرطة اعتقلتهم وقدموا للمحكمة بتهمة إثارة النعرات العنصرية ضد اليهود رغم أن كلمة يهودي لم ترد في أيٍ من هتافاتهم.  في نهاية القضية رفض القاضي كل التهم وقام بتبرئة الخمسة والسخرية من القضية برمتها.  أما المفاجأة الكبيرة فجاءت من المخرج البريطاني الشهير اليهودي الأصل "Mike Leigh " الذي أعلن أنه لن يزور إسرائيل مرة أخرى إحتجاجاً على عدوانها وسياستها العنصرية وسارة بأن هذا يؤلمه لأنه لن يستطيع زيارة عمته التي تبلغ الرابعة والتسعين عاماً .

قبلها برأت المحاكم البريطانية الستة المتهمين بتدمير مصنع شركة "EDO" التي تزود الجيش الإسرائيلي  بقطع غيار الطائرات بدون طيار ، وال ف 15 وال ف 16    في مدينة "برايتون"  وكانت حجة الدفاع أن المتهمين كانو يحاولون منع جرائم حرب وقبل القاضي هذه الحجة .

 المهم هنا ليس سرد الوقائع  و هي أكثر بكثير مما ذكرت ولكن أخذ العبرة منها.  فهذه الأحداث  ، ومن تجربة شخصية عملية ،   كانت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع خلال العقود الماضية وحتى  بداية العقد الأول من القرن الحالي واستطيع الجزم بأن التغيير في إتجاه دعم الشعب الفلسطيني في اوروبا سيستمر في التصاعد إن عرفنا كيف نتعامل مع المعطيات الجديدة على الأرض.

 تزداد الصورة وضوحاً  ، لا أمل للفلسطينيين في تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم التاريخية والشرعية من خلال  المفاوضات الحالية .  و مع هذا تستمر القيادة الفلسطينية في الرهان على هذه المفاوضات مهملة العوامل المهمة التي يشهدها العالم والتي يتحتم علينا كفلسطينيين أن نأخذها في الحسبان كبداية لحقبة جديدة من الكفاح . هذه التغيرات  في واد والقيادة الفلسطينية في واد آخر .   و يخرج علينا كتاب السلطة يومياً بحديثهم المستمر عن صلابة موقف القيادة في المفاوضات . و يظنون أنهم يخمدون الأصوات المعارضة بحديثهم عن البديل دائماً أين البديل ? و كأنه لا يوجد بديل .

    ما هو البديل إذاً ؟

 في   ظل الإقرار الأكيد بأنه لن يكون هناك سلام دون الإستسلام للفكر الصهيوني العنصري التوسعي الإقصائي ، وهذه كلها أوصاف حقيقية وليست شعارات ،و تأكيد أمريكا المستمر على أهمية أمن إسرائيل .  إضافةً لموقف الأنظمة العربية الذي يمكن وصفه تأدباً باللا مبالي  وبوقاحةً بالمتواطئ .  ومع الإعتراف بإن  أي إنجاز في المفاوضات, وبأقصى قدر ممكن من الصلابة ,   سيكون إنتصار للفكر والمشروع الصهيوني  مقابل حياه أكثر راحة للفلسطينيين بعيداً عن أحلام الإستقلال والعودة  تماماً كما خطط لمشروع "أوسلو" سيئ السمعةالبديل هو ما تفرضه علينا الوقائع الجديدة التي ذكرناها والتي تمثل فرصة تاريخية لنا للخروج من عنق الزجاجة الذي نمر به .

  بداية تترك القيادة الفلسطينية الحالية موقعها  ،وهنا أعني الصف الأول والثاني من القيادة     ، كان عليها أن تترك منذ عقود طويلة ،  كونها اوصلت الشعب إلى الوضع المأساوي الذي نعيشه على جمع المستويات  ولم يعد لديها أي زخم أو تأييد شعبي سوى سيطرتها على دفتر الشيكات و الصورة واضحة في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني والسبب    هو   التناقض الواضح بين خطاب القيادة  الذي ما زال يدعي التمسك بما  كانت  تدعو إليه "منظمة التحرير الفلسطينية" من مقاومة المشروع الصهيوني التوسعي الإستعلائي مدعوماً من الإداره الأمريكية بكل ما تمثل من إنتهازية ووحشية  سياسية و إقتصادية (إمبريالية) وبين ما تمارسه القيادة الفلسطينية على الأرض.   و  التفاصيل  الكثيرة ،كالتنسيق الأمني المشاريع الإقتصادية المشتركة إلخ ولن نتحدث عنها كثيراً فقد أشبعها الكثير من الكتاب  الذكر و النقد.  ليس من حق القيادة ألإستمرار في خداع الشعب.  قد تتفهم قطاعات معينة من الشعب الفلسطيني موقف  القيادة لو أنها أعلنت مشروعها بوضوح وهو الخروج على برنامج "منظمة التحرير الفلسطينية"  وتشكيل حزب جديد يعلن هذا الخروج ويدعو إلى حل يأخذ في الحسبان الواقعية السياسية التي تدعو القيادة لها والتي ستحول الفلسطينيين إلى جزء من المشروع الأمريكي للمنطقة .  أما ألإستمرار في ممارسة الكيل بمكيالين فهذا هو الخداع بعينه .   هذا يجب أن يعلن للشعب ,  عندها سنتفهم إستمرار وجود القيادة الحالية كحزب و ليس قيادة   وهذا حق أي فلسطيني مهما كان خطة السياسي

ثانياً : تقوم مؤسسات منظمة التحرير بإنتخاب قيادة جديدة تماماً  ، خالية من  كل من تعامل مع القضية الفلسطينية و كأنها إستثمار مالي و ما أكثرهم حول العالم ،   تعلن هذه القيادة إنهاء المفاوضات رسمياً و الانسحاب من كل الإتفاقيات التي ثبت فشلها وتعلن إنهاء عمل السلطة الوطنية ودعوة  الأمم المتحدة للتدخل . بالطبع سيتبع هذا إعادة إحتلال إسرائيل للمناطق التي انسحبت منها (صورياً) . 

ثالثاً: يستفتى الشعب الفلسطيني في الداخل و الشتات على  الأهداف التي نطمح إليها ، دولة داخل حدود 1967 مع ضمان حل لقضية اللاجئين يكون لهم القول ألفصل فيه ، دولة ديمقراطية واحدة لنا وللغزاه ضمن تنازل تاريخي قد لا يكون هناك مفر منه ،أم  دولة فلسطينية  على كامل التراب بعد تحريره .

 رابعاً  :  يتزامن هذا مع إعلان واضح وبكل صراحة وبعيداً عن المهاترات  بتجميد (وليس إنهاء) الكفاح المسلح بل يظل ضمن الخيارات التي نعتبرها "درة تاج"  المقاومة ولكن لا يمارس مرحلياً .  هذا في ظل إنعدام العمق الجغرافي  لأي مقاومة مسلحة في ظل وجود نظامين جواريين يشكلان جزءًا أساسياً من منظومة المصالح الأمريكية في المنطقة  مما يجعل إمكانية  النصر العسكري تكاد تكون شبه مستحيلة في الوقت الحالي .

خامساً :  تعلن القيادة الجديدة بدء مرحلة جديدة من المقاومة الشعبية في كل مناحي حياة الشعب الفلسطيني عصيان مدني ،  مقاطعة إقتصادية  ، فنية، رياضية  ، ثقافية وسياحية  لكل ما هو إسرائيلي  ، مواجهات شعبية مستمرة ضد كل محاولات الهيمنة والإحتلال (على شاكلة ما يحدث الآن في بلعين وغيرها ولكن بحجم أضخم بكثير) ، إعلام قوي يخدم هذه المقاومة ، إعادة إحياء  الفكر الرافض لكل ما هو صهيوني وامبريالي  ،خلق ثقافة فلسطينية جديدة تجعل من الكفاح  أسلوب حياه  نتنفسه ، ننامة ، نقومه ،   نشربه ، نأكله ، نتمتع و نفتخر به  وفوق هذا كله لا نتركه حتى نحقق الأهداف التي استفتي الشعب عليها .

ستستمر المعاناة ، سيسقط منا الكثير ، سيطول الطريق ولكن بوصلتنا ستكون واضحة ووحدتنا ستضمن إستمرارية كفاحنا  

سيكون هذا أقوى سلاح لدينا وأقوى كلماتنا ستعود "لا    

الحقوق ثبت أنها تضيع بوعود السلام الكاذبة ، والإنسان الفلسطيني وهو الأهم في هذه المعادلة  ، وبعيداً عن دفن الرأس   في الرمال ، بدأنا في خسارته تدريجياً ، والحل يجب أن يكون على  مستوى  ضخامة المأساة التي نمر بها .

 

مشير الفرا   

 

كاتب و ناشط سياسي من فلسطين