...

ثقافة القصر والحاكم والثورة 1/3


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

مقال ( 1 – 3 )
بسم الله الرحمن الرحيم
ثقافة القصر والحاكم والثورة
د.اسماعيل صالح الفرا
 
جال في خاطري وأنا أتابع أحداث أمتنا الأخيرة ذكريات كثيرة بعضها قريب والأخرى بعيدة ، وأفكار كثيرة بعضها مناسب والأخرى غير مناسبة ، وكلمات كثيرة بعضها نحتاجها ، وبعضها لا نحتاجها ، ولكني وجدت كلمة السر والقاسم المشترك بين تلك الأفكار – من وجهة نظري – هي كلمة القصر ، وما أدراك ما القصر في كل عصر ؟ ومصر ( بلد ) وما يتصل به من تقصير وتكسير وأمانة وتفريط ومسؤولية عظيمة ، وشعب وأمة وثورة وكراسي ومنتفعين ونافعين وصاعدين وهابطين وبلايين وديون وجيوب و بطون ، وقطط سمان ، وحيتان عظام ، وبعض الفئران  والجرذان وبعض الخاسرين ... ولا يجمعهم جامع إلا صيد المنافع ؛ التي لا تنفع وإن نفعت لا تدوم وهل ينفع الندم بعد العدم وزوال الطويل والقصير وكرسي القصر ، وقصور مباركة وقصور غير مباركة ... وقصور تحرك وأخرى تتحرك ... وقصور الحراك سمة لها.


المكانة التي يتمتع بها القصر تعرض أسئلة عديدة منها هل القصر هو الذي يحرك الشعوب أم أن الشعوب هي التي تحرك القصر ؟ أم أن القصور تتحرك بأيد خارجية وبتحكم من بعد أو من قرب ... ؟ كل ذلك وارد والأكثر وروداً أن حركة الشعوب تتأثر بحركة التاريخ إيجاباً أو سلباً ... وللشعوب دور كبير في ذلك ... فمنذ القدم أمم ساعدها القصر فتطورت وتقدمت وأمم أخرى أذلها القصر فسادت ثم بادت وضرت وأضرت ، ولكن التاريخ يسجل ولا يهمل ولا ... ، وكم من أمراء القصر وحكامه دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، وآخرون دخلوه من أوسخ أبوابه ... ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ).


فالكهف والخيمة والقصر وأسماء غيرها موجودة منذ أن وجد الإنسان في الوجود ... منها مثلاً قصر النمرود ... وقصر فرعون وهامان ... وقصر تربى فيه سيدنا موسى عليه السلام ... وقصر عاش فيه سيدنا يوسف عليه السلام الذي كانت حياته ( بئر وسجن وقصر وصبر جميل والله المستعان ).


وحكام آخرون حياتهم من الفقر !! إلى القصر !! إلى القبر ... وآخرون عرض عليهم القصر – في تاريخنا الإسلامي – فقالوا نحن من " المحبرة ( القلم ) إلى المقبرة " ولا نريد "المكبرة" ، وقد قال صلاح الدين الأيوبي لقد نصرت بقلم القاضي الفاضل ... وقال ابن الخطاب رضي الله عنه :" لو بغلة عثرت لُسئلت عنها يوم القيامة" ، ... وأما من يصنعون العثرات في الطريق فحدث ولا حرج.


وفي العصر الحديث والمعاصر قام القصر بدور كبير في حياة الشعوب ... فقامت ثورات وزالت حكومات وجاءت غيرها في الشرق والغرب بعضها ظلمت وكانت رائحة الظلم تفوح منها وبعضها نشرت شذا العدل . وسجل التاريخ ذلك ... وبعضها رفع شعار "الحرية والإخاء والمساواة" وكتبت تحته مسموح لشعوب وممنوع لشعوب أخرى ... وقصور أخرى أعطت مما لا تملك لمن لا يستحق أرضاً وحكومة ومالاً ورجالاً ومفكرين ... فولدت "دولة" غير شرعية – فوق أرض مباركة – سمت نفسها "اسرائيل" لها عاصمة التاريخ يشهد أنها مغتصبة ولم تكون لهم ولن تكن إن شاء الله ، فمن الذي سمح لاسرائيل بقيام هذه الدولة ؟؟!! ودعم اسرائيل لتكون لها دولة وتمتلك جهاز حاسوب منذ عام 1949م والتي قامت بتطويره عام 1963م أليس القصر "البريطاني" ؟ ،  في حين إذا ضبط فلسطيني يحمل رصاصة فارغة (فشكة) يسجن ! ومن ذا الذي جعل الوليد غير الشرعي أن يمتلك مفاعلاً نووياً منذ الخمسينيات أليس القصر "الفرنسي" ؟ ومن ذا الذي أعترف بذلك الوليد غير الشرعي بعد إعلان ولادته بدقائق أليس القصر "الروسي" ؟ أما القصر الأميركي فالتاريخ يقول الكثير عن ظلمه ... وقصور ظالمة كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

والمؤكد أن القصور الظالمة لا يستمر ظلمها وإن طال فهو إلى زوال ... وقصور عربية شابها قصور في حق شبابها وشعوبها وثرواتها وقواها المادية والمعنوية بحثاً عن المنفعة الشخصية ومن خلفه الأمريكان ... وبعضهم دخل القصر وقال : باقون باقون حتى الممات ... ومن بعدي لأحفادي الصبيان ، فأنا الشعب والشعب أنا ... وأنا الحاكم العادل ...
فعلاً بعضهم من القصر إلى القبر ، وبعضهم ينتظرون وما بدلوا تبديلا ، وبعضهم بدلوا قليلا ... وبعضهم جلس في القصر 40 عاماً نبراسه كتاب له لون واحد ... وآخر جلس في القصر 30 عاماً وما يزال يشاور نفسه ، نبراسة كتاب أبيض وأسود ، وبعضهم جلس في القصر وغير وبدل وبعضهم جالس بدون كرسي ينتظر ... والشعوب تنتظر ... والانتظار صعب ، والأصعب انتظار الشعوب التي لا ترحم فهي الباقية ، وأفراد القصور في زمان ومكان زائلون إلى أعلى العليين أو أسفل سافلين  بعد مرورهم من أوسع أبواب التاريخ أو من أوسخها ... وأيضاً كل واحد منا لا بد أن يدخل التاريخ ويجلس على كرسي صغير أو متوسط أو كبير ... وما كبير إلا رب العالمين ... فكل واحد منا يحب أن يعرف أن يضع نفسه ويسألها قبل أن يسأل ... فنحن نعطي الدروس لطلابنا ثم الامتحانات ... أما الدنيا فتعطينا الامتحان ثم بعد ذلك الدروس ... فدوام الحال من المحال ... وذلك سنة القوي الجبار المنتقم من كل متجبر ظالم ... وبالتأكيد إن من يفهم التاريخ ويستفد منه يكن قادراً على أن يمتلك المستقبل ... وللأسف الشديد هذه معضلة كبيرة تحتاج إلى حل بدءاً من الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع ... فشعوبنا تتعامل مع التاريخ كأنه جثث وأموات . ولكن التاريخ غير ذلك ... ،بل هناك أحياء أموات ...