...

أنا سلفي


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

أنا سلفي 

بقلم/ أ. محمود رفيق الفـرَّا

أنا سلفي ... مقولة أصبحت شديدة الانتشـار في بلاد المسلمين, و يوم بعد يوم يزداد انتشارها بشكل لافت للانتباه, و لعل انتشارها في حد ذاته أمر كنت دائمـًا أحن إليـه بل أشعر بكل سعادة  الدنيـا عندما أتلمس حدوثـه في هذا العالم الكبير, فقد كنت أعتقد أنَّ من يقولها صادق, و أنه يفهم معناها كما أفهم أو أعرف ... و لكن وا حسرتاه فقد  تعدد القائلون لهذه الكلمة و أصبحنا نرى أشكلا كثيرة من الناس يقولون هذه الكلمة و كلٌ يدعى وصلا بليلي و ليلي لا تقر لهم بذلك, لهذا وجب علينا في هذه الأيام أن نطبق القاعدة الرائعة التي تقول (اعرف الحقَ تعرف أهله) و المقولة الأخرى (الحق لا يعرف بالرجال إنما الرجال يعرفون بالحق).

فلعل الأحداث التي تمر بها المنطقـة بشكل عام و فلسطين و مصر بشكل خاص من ثورات لها و عليها, و من أحداث قتل و تفجيرات مختلفة,  و حادثـة اغتيال قائد القاعدة الأول أسامة بن لادن و ارتباط كل هذه الأحداث بطريق مباشر أو غير مباشر بمصطلح (سلفي) تجعلني أقف اليوم في مقال سريع مع هذه الكلمة و مفهومها و هل حق هناك من هو سلفي فعلا ؟ و إن كان موجود فمن هو ؟ و أين يعيش ؟

السلفيـة ليست ديانة جديدة مثل الإسلام و اليهوديـة و النصرانيـة, و هي كذلك ليست مذهبـًا فقهيـًا كمذهب أحمد أو الشافعي أو أبو حنيفـة أو مالك, و هي ليست حزبـًا أو حركـةً سياسيـة مثل فتح أو حماس أو الحزب الوطني او غيرهم و لكنها لفظ يطلق على فعل اختصره في (إتباع القرآن الكريم و السنـة النبويـة و فهمهم بفهم السلف الصالح) , و السلف الصالح على رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه و أتباعهم من الأجيال الثلاثـة الأولى.

و بالتالي فقول القائل (أنا سلفي) تعني أنـَّه يسير في كل تفاصيل حياته على مبدأ حلال و حرام, و الحلال ما أحله الله ثم رسوله بفهم السلف الصالح و الحرام ما حرمه الله ثم رسوله بفهم السلف الصالح, أما غير ذلك فلا علاقـة له بالسلف و لا بالمنهج السلفي إطلاقـًا. و على ذلك فالميزان أصبح الآن معك لتعرف حقيقـة من هو السلفي الحقيقي, فأنت الآن أصبحت تعرف الحق و عليه يمكنك معرفـة أهله.

فالسلف الصالح كانوا لا يستهينون فعل المعاصي, فلا تجد منهم مستهينـًا لمعصيـة قتل النفس, و لا تجد فيهم من يكفر الناس دون ضوابط و معايير اجمع عليها السف الصالح, و لا تجد فيهم من يجاهر بالمعصيـة, و لا تجد فيهم من يرى أن أحكام الإسـلام تتبدل و تتغير فما كان حراما أيام النبي يصبح اليوم حلالا لأن الظروف غير!! و لا تجد من يقول لك نقتل الذمي أو المعاهد لأنه جاء من بلاد كفر معادية و محاربـة!! و لا تجد و لا تجد و لا تجد .... 

هذا هو السلفي ... إنسان يضع مخافـة الله بين عينيـه يسعى جاهدا لرضا ربه تعالى و يهرب قدر استطاعته من أصغر شيء يغضب الله تعالى و كل ذلك بفهم النبي صلى الله عليه وسلم و أتباعه, فهو لا يعتقد مطلقا أن داعيـة من أيامنا هذه سيكون قادرا على فهم كلام النبي صلى الله عليـه وسلم أكثر من أبي هريرة و بن عباس و بن مسعود, فإذا أقسم بن مسعود أن لهو الحديث هو الغناء  و أنه حرام فلا مجال هنا لكي استمع لتفاسير و تكهنات رجل دين جاء بعد 1400 سنة من هجرة النبي صلى الله عليـه وسلم ليقول أنها حلال.

فالآن يمكنك عزيزي القارئ أن تميز الخبيث من الطيب و تعرف بحق من هو السلفي من ذلك الذي يدعي حبه و إتباعه  للسلف, و بالتالي فإن واجهت بعد اليوم رجلا يدعي أنه سلفي و ترى منه المنكرات فلا تسب السلفيين, و لا تسب السلف و لا تقل إن هذا المنهاج منهاج ضال و رجعي, بل قل إنَّ هذا الرجل كذاب يفتري على دين الله تعالى. ثم أخي الحبيب, قد تجد رجالا يتحدثون باسم السلفيـة و يدعون لها, و يحثون الناس على أن ينتهجوا نهجها ثم تجد أنهم يزلون هنا أو هناك, فلا تقل هؤلاء ليسوا من السلف, بل وازن خطأهم و صوابهم و بقدر صوابهم يقتربون من أتباع السلف و بقدر خطأهم هم يبتعدون عن أتباع السلف. 

و في ختام كلامي ... الفاهم الحق لدين الإسلام يوقن تماما أنَّ كل المسلمين لابد أن يكونوا سلفيين, فكلنا مأمورين بعبادة الله تعالى تماما كما كان يعبده محمد صلى الله عليه وسلم و صحبـه ألم نقرا و نسمع قول الله تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلي)  و قول نبيه صلى الله عليه وسلم:  ( خذوا عني مناسككم ) -أي عبادتكم لله-  , و ما ظهر هذا المصطلح بين المسلمين إلا لكثرة الابتداع في دين الله تعالى, فـأصبحنا كل فترة نرى عبادات و مفاهيم دخيلة على إسلامنـا العظيم, فخرج هذا المصطلح من رجال لم يريدوا إلا إظهار دين الإسلام الحق.

و في الختام أستودعكم الله ...