...

راتب = س … ناتج = صفر


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

راتب = س … ناتج = صفر

بقلم/ أ. محمود رفيق الفرا

 

يعتصر القلب ألمـا يوما بعد الآخر و أنا أتابع و أشاهد آلاف من الموظفين الذين يحصلون على مرتباتهم المتفاوتـة و التي قد تصل في أحيان كثيرة إلى آلاف الدولارات بينما تلاحظ أنَّ إنتاجهم لا يتعدى الصفر الكبير, فقد اكتظت مؤسساتنا الحكوميـة بالموظفين الذي يحصلون على مرتباتهم و إن تأخرت  إلا أن أداء معظمهم لا ينتج عنه شيء يذكر بل أحيانا أن أداءه يكون سلبيـا فينتج عنه خسائر باهظـة مادية أو معنويـة و لا عقاب له أو حساب أو تقييم.

 

لقد أنكرت من قبل على الأخوة الذي يقومون على حكم فلسطين الضفـة عندما أمروا الموظفين بالجلوس في بيوتهم و إعطاءهم الأموال دون تعب أو إنتاج, و قلت يومها أنها سرقـة منظمـة للأموال العامة و أنَّ الموظف و المسئول سيحاسب أمام الله تعالى على ذلك لأن من أخذ الأجرة حاسبـه الله بالعمل, و هؤلاء يأخذون الأجرة و لا يعملون بها, كمـا أن هذه الأجرة من المال العام تزيد من ديون دولتنا المستقبليـة للاتحاد الأوروبي.

 

و اليـوم لعل الصور أصبحت متشابه في كثير من مؤسساتنا الحكوميـة في غزة, حيث تجد الموظفين يحصلون على مرتباتهم إلا أنَّ إنتاجهم ضئيل أو سلبي أو صفري و قليل منهم من يخلص العمل لله و يخاف من سؤال ربنا لهم عن مالهم (من أين اكتسبه؟) فكم من مؤسسة حكوميـة دخلتها في غزة أجد الموظفين فيها لا يعملون بل أصبح شغلهم الشاغل مناقشـة القضايا السياسيـة أو الكرويـة أو الجلوس على الشبكات الإجتماعيـة مثل الفيس بوك مع كثير من الشاي و القهوة و سندويشات مختلفة الطعم !! بل قد يصل بهم الأمر إلى الوقيعة بين بعضهم البعض و كتابة التقارير العدائيـة و الكيدية ليتحول إنتاجهم إلى هدم.

 

العيب لا يقع على عاتق هذا الموظف فقط و المأمور على كل حال بالإخلاص في عمله و البحث عن الإنتاج بكل الطرق, لكن العيب على من يشرف عليه, فأصبح في موقع إداري ما كرئيس قسم أو مدير دائرة أو عميد كلية, و هم أشخاص تم توليتهم على مصالح المسلمين في دائرة محددة ليديروها و يعملوا على تطويرها بما يضمن إنتاجها لصالح الوطن, فتجد هؤلاء الأشخاص لا يراقبون موظفيهم, و لا يخططون لهم أعمالهم,و لا يحاسبونهم, و لا يهمه الواحد منهم إلا أن يتأكد من حضور ذلك الموظف في موعده و انصرافه في موعده (ذلك في أفضل الحالات), ثم نسأل عن الإنتاج فلا تجد إلا فشــلا متواصـلا في التعليم و الاقتصاد و الصناعة  و لا حول و لا قوة إلا بالله.

 

و لا تقف المسئوليـة عند هؤلاء, بل المسئولية ترتفع للوزراء و رئيسهم, فأين هم من مصالح من ولاهم الله أمرهم, أن كرسي الوزارة هو للتشريف و الإعلام و اللقاءات الصحفيـة, كلا و ربي فإنهم مسئولون عن كل عنصر يعمل في وزارتهم من وكيل الوزارة حتى أصغر غفير فيها, لأنه مأمور و مكلف بمراجعة الإنجاز في وزارته و المؤسسات التابعـة لها, و مكلف بمراجعة أداء الموظفين, و لا يكفي أن يستمع أو يقرأ تقارير المسئولين بل عليه أن يمتلك طرقـا أخرى للتقييم ليعرف من خلالها كيف تسير الأعمال في تلك المؤسسات. و اعلموا أيها المسئولون أنكم راعون في مكانكم الذي استأمنكم عليه رؤساؤكم و ليس بغريب عليكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الراعي و مسئوليته قائلا (كلكم راع و مسئول عن رعيته …) و قول لنَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.

 

إن فلسطين هذه أمانـة في أعناقنـا جميـعا, كما أنَّ مصر و السعوديـة و المغرب و الباكستان و كل بلاد الإسلام أمانة في أعناق مواطنيها, و علينا أن نراعي الله تعالى في هذه الأمانة, و عليه فلا أدري كيف لمسئول ان ينام و قد أضاع الأمانة في مؤسسته, كيف لموظف أن ينام و قد أضاع العمل في عمله, كيف يمكنهم أن يستمتعوا بحياتهم و هم يتقاضون الأجور على أعمال لا يقومون بها ألا يعلمون أنَّ الله تعالى قال ” قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب “.

 

و هذا مقالي هو بمثابـة رسالة أقدمها لزملائي الموظفين, و إخواني المسئولين و الوزراء و في مقدمة كل هؤلاء أقدمها رسالة إلى رئيس الوزارة في غزة و الضفة و إلى رئيس السلطة الفلسطينية, إلى كل هؤلاء ارفع لكم مقالي هذا مقيما به الحجة عليكم أمام الله تعالى, فإنكم مسئولون و لسوف تسألون عن أصغر جزء من المال يصرف دون أن يعود على بلادنا بالإنتاج الحقيقي … فاتقوا الله في المال العام, و اتقوا الله في فلسطين, و اتقوا الله في مستقبل الأجيال القادمة.

 

و في الختام استودعكم الله