...

المحور الثالث(ج2): شتات اليهود


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

شتات اليهود :

 

    وبعد دخول المسلمين مدينة إيليا ، أطلقوا عليها اسم " بيت المقدس" أو " القدس " ، وقبل ذلك تشتت اليهود في جميع بقاع الأرض بعد انتهاء مملكتيهما، وذلك بسبب تآمرهم وغدرهم وقتلهم الأنبياء وغيرها من أعمال بني إسرائيل القائمة أساسا على سفك دماء الآخرين، فمنهم من اتجه إلى الجزيرة العربية ومنهم من ذهب إلى مصر أو العراق وكان قسم قد سبق أن غادر إلى أوروبا زمن اليونان كما يقول المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" ( السعد ، 1998  :225).

 نسوا القدس " أورشليم "، ونسوا الهيكل، إلى أن جاء القرن التاسع عشر ، فأخذوا يقلبون في طيات التاريخ للبحث عن مزاعم يهودية، فعقدوا المؤتمرات تلو المؤتمرات ، وكان أول مؤتمر صهيوني قد عُقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897م بقيادة تيودور هرتزل.

 ( السعد، 1998 :268)

 بهدف إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، حتى يتمكنوا من إعادة بناء الهيكل ، فنجحوا في إصدار وعد بلفور الثاني من نوفمبر عام 1917م وتطبيقا لهذه السياسة ، وصل حاييم وايزمن على رأس بعثة يهودية إلى القدس وقابل الحاكم العسكري البريطاني الجنرال "ستورز" في 20 مارس عام 1918م ، وطالب منه الموافقة على إقامة جامعة عبرية في القدس ، وتسليم حائط البراق "المبكى"  لليهود ، مع منح اليهود أراضٍ حتى يتسنى لهم البناء والعيش في القدس . وبصدد إعادة بناء الهيكل  ورد في دائرة المعارف البريطانية طبعة 1926م، المجلد 27 - 28، ص 986 -987، تحت كلمة "الصهيونية" : إن اليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل واجتماع الشعب اليهودي في فلسطين واستعادة الدولة اليهودية وإعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود "( النحوي، 1993 :87 ).

وفي هذا السياق يمكن التأكيد على حقيقة أن يهود اليوم ليس لهم حق في فلسطين ، وهم ليسوا أتباع إبراهيم ولا أتباع يعقوب ولا موسى ولا داود ولا ابنه سليمان عليهم السلام ؛ والدليل :

·   ما أثبته الدكتور كمال الصليبي بالحجة والبرهان هو أن ساحة التوراة كانت شبه الجزيرة العربية ، ولم تكن فلسطين على مر التاريخ ساحة للتوراة ( الصليبي، 1986 :11) بالإضافة إلى هذا فإن التوراة كتبت في فترة السبي البابلي ؛ أي بعد زمن موسى عليه السلام بحوالي سبعمائة عام ؛ وكُتبت بطريقة تربطهم بفلسطين .

·        إن الحقوق التاريخية للشعوب تزول بزوالها .

·        دخول يوشع بن نون أريحا ، ودخول داود أُورشليم "القدس" كان بالقوة ،والاحتلال يزول بزوال المحتل .

·   قام بعض أحبار اليهود وهم المعرفون بالمصوريتيين ؛ " أي أهل التقليد " في القرن السادس الميلادي حتى القرن العاشر بتحريف النصوص التوراتية عن طريق إدخال الحركات والضوابط عليها بطريقة اعتباطية ، مما غير إعراب الجمل وحور المعاني.

( الصليبي، 1986 :15)

 

 

 

 

محاولة شراء المسجد الأقصى لإعادة بناء الهيكل:

 

حاول اليهود وما زالوا يحاولون حرق أو هدم الأقصى وإعادة بناء الهيكل، ففي الثلاثين من شهر مايو عام 1968م، كتب "غريدي تيري" و "أودي مورفي" وهما عضوان ماسونيان رسالة إلى روحي الخطيب أمين القدس وقتئذٍ، وهذا هو نص الرسالة:

 

"سادتي

جدتي من مواليد عمان، الأردن وأنا مواطن أمريكي من أصل إيرلندي – أردني فخور جداً بكوني عربي ، وأنا أيضاً مسيحي ، سأسافر إلى تل أبيب في 7 يونيو، وسأصل القدس، وآمل أن أتشرف بالاجتماع بكم... سأحاول الآن أن أشرح لكم الخطوط العريضة لزيارتي.. وأنتم تدركون أن هيكل سليمان كان المحفل الماسوني الأصلي، والملك سليمان كان رئيس هذا المحفل. لكن الهيكل دُمر عام 70م. إنني أعرف أن مسجدكم هو صاحب الهيكل ومالكه القانوني، وأنه أُقيم في المكان ذاته إلى جانب الصخرة التي قدّم عليها أبونا إبراهيم ابنه إسحاق فرباناً للرب، وإنني أعرف أيضاً أنكم أنتم العرب أبناء إسماعيل، وقد حميتم هذه الصخرة عبر قرون. فلنقدم الشكر إلى الرب.

وإنني، كمسيحي وأرأس جماعة في أمريكا يحبون أن يعيدوا بناء هيكل سليمان من جديد. هذا هو اقتراحنا. إذا أعطى جامع عمر الإذن لمؤسستي، فسوف نجمع 200 مليون دولار في أمريكا لهذه الغاية، أو المبلغ اللازم لإعادة بناء الهيكل. إن مسجدكم لن يفقد السيطرة على الهيكل أبداً. وعندما ينتهي بناء الهيكل، سيُكرس للرب، للملك سليمان وللحركة الماسونية في العالم وسيُعطى لكم مجاناً. وإلى ذلك، وبإذن من مؤسستكم سيمنح كل أخ ماسوني أسهم في إعادة البناء عضوية في المحفل الماسوني الأول لهيكل سليمان في مدينة القدس... وهذا يعني أن الهيكل سيتلقى ملاين من الدولارات سنوياً، مما يكفي لحراسة المعبد والاعتناء بمسجد عمر.. وهذا يعني أن مسجدكم لن يحتاج إلى أي حملة تبرعات في المستقبل... إنني أؤكد لكم أن مؤسستكم إذا تعاونت معنا في إعادة بناء الهيكل فسوف تصبح أغنى مؤسسة دينية في الأرض... الهيكل سيكون ملكاً لكم.. إنه لكم.. نحن سنعيد بناءه لكم مجاناً... آمل أن تأخذوا هذه القضية بعين الاعتبار.

                 وليبارككم الله جميعا أيها الإخوة "

 ( حمادة ،1979 :12)

كشفت هذه الرسالة سياسة إسرائيل المتكررة القائمة على هدم الأقصى، أما بالنسبة لرد روحي الخطيب عليها فكان سلبياً رغم أسلوب التهديد والترغيب، وقد بيّنت هذه الرسالة المصالح المشتركة بين الصهيونية اليهودية والماسونية اليهودية، ومحاولات اليهود المتكررة من أجل إعادة بناء الهيكل، والغريب أنهم كعادتهم نسبوا هذا إلى سليمان عليه السلام، وهو عليه السلام يبرأ من مثل هذه المحاولات التي تعمل على تكريس الشرك؛ لأن سليمان عليه السلام كبقية الأنبياء جاء لنشر رسالة التوحيد. وأوضحت الرسالة أن إبراهيم عليه السلام قدّم ابنه إسحاق قربانا. هذا كلام غير دقيق وغير صحيح؛ لأن إبراهيم عليه السلام قدّم ابنه الوحيد قربانا؛ والوحيد كان إسماعيل لأنه الأكبر.

وعندما أُحرق الأقصى في آب / أغسطس 1969م لم يكن صدفة، بل وليد ذكرى دينية تاريخية عند اليهود، فالتاريخ يُفيد أن شهر آب / أغسطس هو شهر الحزن المهين الذي دمّر فيه تيطس الهيكل، وقد قطعت الحاخامية اليهودية بلسان حاخامها الأكبر عهداً على نفسها بأن يكون شهر أغسطس المناسبة الوحيدة لهدم الأقصى وإعادة بناء الهيكل.

في 15 آب / أغسطس 1929م حشد اليهود عصاباتهم ودخلوا القدس القديمة بالاتجاه الغربي للمسجد الأقصى أو ما يسميه اليهود بحائط المبكى ( حمادة، 1980 :86-87).

وتطبيقاً لهذا النهج الصهيوني قام "مايكل دينيس" في شهر آب / أغسطس 1969م بإحراق المسجد الأقصى، والعجيب هو أن المحكمة أثبتت أنه مريض نفسي، وأخذوه إلى إحدى المستشفيات النفسية( مجلة المصور المصرية، 1969: 26).

وفي هذا السياق وفي ظل ما تقوم به الماسونية الصهيونية من تضليل للرأي العام العالمي, وما تقوم به إسرائيل من عبث يومي بالمقدسات الإسلامية والمسيحية, وأمام الصمت العربي والإسلامي والمسيحي الغريب, سخر مندوب أمريكا في الأمم المتحدة عام 1969م من الاحتجاجات العربية والتصريحات الكلامية فقال:

       " دعوهم يصرخون فسيتوقفون عن الصياح عندما تتعب حناجرهم, وكل ما يجري ليس إلاّ زوبعة في فنجان" ( حمادة، 1980: 49).

من الواقع المؤلم، يتضح أن تصريح المندوب الأمريكي كان صحيحًا, لأن الأقصى احترق, والقدس يجري تهويدها يوميًا, والعجيب أن العرب ما زالوا يلهثون وراء أمريكا وإسرائيل ليقيموا لهم دولة فلسطينية على أقل من 10% من مجمل مساحة فلسطين؛ رغم أن قرار التقسيم رقم "181" أعطاهم 44% من مجمل مساحة فلسطين, وهم يقومون بهذا اللهاث من أجل إنقاذهم من أوضاعهم السياسية والوطنية المُتردية, وهم لا يعلمون أن الذي يستجير بأمريكا وإسرائيل هو كالمستجير من الرمضاء بالنار.

·   وفي عام 1938م طالب اليهود من بريطانيا، ومن مفتي الديار المقدسة رسميًا أن يقوموا بتسليم المسجد الأقصى لهم حتى يتمكنوا من إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاضه، وإعادة تأسيس مملكتي بني إسرائيل.

والغريب هو أنّ اليهود يدّعون أن حائط المبكى هو من بقايا هيكل سليمان( حمادة ، 1980 : 50). مع العلم بأن دائرة المعارف البريطانية أوضحت أنه لا يوجد أي أثر لهيكل سليمان في القدس. وحتى علماء الآثار لم يدّخروا جهدًا في البحث عن بقايا الهيكل، إلاّ أنهم يجدوا شيئًا. وبسبب الصدامات التي وقعت بين الفلسطينيين واليهود عام 1929م، أرسل وزير المستعمرات الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق في الأحداث، وفي تقريرها أثبتت اللجنة أن ملكية حائط البراق تعود للعرب المسلمين.

وفي هذا السياق يوضح الباحث بعض الحقائق ؛ وهي أن يهود اليوم ليس لهم حق في فلسطين، وهم ليسوا أتباع إبراهيم ولا أتباع يعقوب ولا موسى ولا داود ولا ابنه سليمان عليهم السلام؛ والدليل:

·   ما أثبته الدكتور كمال الصليبي بالحجة والبرهان هو أن ساحة التوراة كانت شبه الجزيرة العربية، ولم تكن فلسطين على مَر التاريخ ساحة للتوراة ( الصليبي ، 1986: 11) بالإضافة إلى هذا، فإن التوراة كما سبق وبينها هذا البحث أنها كتبت في فترة السبي البابلي؛ أي بعد زمن موسى عليه السلام بحوالي سبعمائة عام؛ وكُتبت بطريقة تربطهم بفلسطين.

·        أن الحقوق التاريخية للشعوب تزول بزوالها.

·        دخول يوشع بن نون أريحا، ودخول داود أُورشليم "القدس" كانا بالاحتلال عن طريق الحرب؛ والمُحْتل يزول بزواله.

·   قام بعض أحبار اليهود وهم المعروفون بالمصوريتيين؛ " أي أهل التقليد" في القرن السادس الميلادي حتى القرن العاشر بتحريف النصوص التوراتية عن طريق إدخال الحركات والضوابط عليها بطريقة اعتباطية، مّما غيّر إعراب الجمل وحوّر المعاني.

 ( الصليبي، 1986: 15)

·   بقي اليهود في فلسطين منذ احتلال يوشع بن نون لأريحا حتى احتلال داود للقدس ونهاية مملكتيهما ، خمسة قرون؛ هي مثل مدة بريطانيا في الهند وهولندا في اندونيسيا.

 

بداية الاستيطان الحديث:

 

بدأ المسلسل الاستيطاني اليهودي، بالغدر، وبمساعدة الماسونية الصهيونية في تسهيل عملية بيع الأراضي الفلسطينية لليهود ( حمادة، 1980 : 85) لإعادة بناء هيكل سليمان، وإعادة بناء مملكة إسرائيل في فلسطين كلها، ، وفي الأردن ولبنان وسوريا والعراق، وإعادة بناء الهيكل المزعوم، يقول الدكتور عدنان النحوي: "في الحرب العالمية الثانية عثرت السلطات الألمانيّة في بيت "روتشلد" في مدينة فرانكفورت على خزانة حديدية تضمُّ أوراقاً سرِّيّةً بالغة الأهمية، كان من جملتها خريطةٌ وضعها زعماء اليهود لمملكة إسرائيل كما يريدونها أن تكون. وتشمل هذه المملكة ما يلي: فلسطين كلها، شرق الأردن، لبنان،  سوريا، العراق حتى جبال كردستان ، شبه جزيرة سيناء والدلتا من الأراضي المصرية ، وشمالي بلاد الحجاز حتى المدينة المنورة ذاتها " ( النحوي، 1993: 83 ).

 والمهم هنا هو، عندما كشف الفلسطينيون مخططاتهم، حرّموا بيع الأراضي ، وحلّلوا دم كل من يبيع، وجعلوا من أنفسهم قرابين من أجل حماية أرضهم ومقدساتهم . لهذا اندلعت الثورات؛ ثورة 1929م ، وثورة 1936م، واستمر تصادم الفلسطينيين مع اليهود ، وتوالت الثورات وتطورت إلى حروب ؛ حرب 48 وحرب 56 وحرب 67 وحرب 73 وحرب 1982م ، وستستمر هذه الحروب حتى قيام الساعة.

 

وَعدُ الرّب :

 

حول وعد الرب لإبراهيم كما يقولون، ورد أن  الرب "يهوه" وعد  إبرام العبراني؛ وإبرام العبراني هو إبراهيم عليه السلام كما جاء في الكتاب المقدس : "ظهر الرّب لإبرام وقال له أنا الله القدير.. فلا يُدعى اسمك بعد إبرام بل يكون اسمك إبراهيم".

 (الكتاب المقدس ،1998 : 24)

والوعد جاء حسب ما ورد في سفر التكوين: " لنَسْلِكَ أُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير؛ نهر الفرات" ( الكتاب المقدس، 1998 : 23) ونسل إبراهيم كما جاء في الإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين صفحة 23 هم: القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين. فإذا كان هذا هو نسل إبراهيم، فاليبوسيون هم بطن من بطون العرب؛ وأن إبراهيم عليه السلام ليس لبني إسرائيل فقط كما اعتبرته التوراة، إنما للعرب وللمسلمين؛ لأن أصل العرب من إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهل يعقل لو كان إبراهيم عليه السلام كما يدّعي اليهود أنه لهم فقط "أن الله يعطي لهذه الفئة الصغيرة التي قضت معظم تاريخها في ظل الإمبراطوريات المصرية والعراقية العظيمة، بأن أرضهم الموعودة تمتد فعلا من النيل المصري إلى الفرات العراقي لتشمل معظم بلاد الشرق الأدنى، بما فيه الشام بأسره؟ أو كما جاء في الوثائق التي وجدت في بيت "روتشلد"، أو هل أن للوعد الوارد في سفر التكوين تفسيرا جغرافيا آخر؟" ( الصليبي، 1986 : 259).