...

نيسان في زمن النسيان ... بقلم الأستاذ/ يحيى نافع الفرا


يحيى نافع يونس الفرا

رئيس نيابة

التفاصيل


تمر بنا الأيام وتمضي السنون ونعيش لحظات من الشجون وأخرى نتعلم فيها أصول الفنون ، ولكن نقف عند محطات في لحظات من الزمان نتأمل بدنيا وما بها من أحداث وذكريات وكأننا نشاهد مشهد على خشبة مسرح تارة يكون مشهداً دراميكياً وأحياناً تراجيدياً وآخر كوميدياً .

إنه مسرح الحياة لا يمكن لنا أن نترك بعض أحداثها دون تدبر وتأمل وتعمق في الفكر والتحليل في هذا الكون من محن وابتلاءات ومواقف تحتاج للرجال الرجال في زمن عز فيه الرجال. لما لا ونحن نعيش في شهر تزاحمت فيه المناسبات وأطلق فيه الذكريات بدءً بالاستشهاد ومروراً بالمجازر والمعارك ووصولاً لمن هم خلف القضبان ما زالوا يعانون من جبروت السجان وظلمة الزنازين والحبس الإداري والانفرادي ومنهم من مضى سنوات عديدة وما يزالون لا يعرفون طعماً للحياة أو النوم ويكادون أن ينسون أن هناك شمس تشرق أو قمر يضيء حتى ليلهم مزعج لهم بسبب قلة النوم والتنكيد الذي يمارسه السجان كل نصف ساعة طيلة ساعات الليل ، وأصبحوا غير قادرين على تمييز الأيام واشتاقوا لصلاة الجمعة وصلاة الجماعة ، إنهم يعيشون في قبر الحياة بل أن هذا القبر أشد ألماً من البرزخ .

كلما وصلت من الأسير القائد المجاهد حسن سلامة في ذكرى يوم الأسير الذي يجب أن نعتبر كل أيامنا هي يوم الأسير حتى لا يفهم بأننا لا نتذكرهم إلا في مناسبة أو عيد أو حفل ....

إنهم الأسرى الذين ضحوا وما زالوا يضحون من أجل أن ننعم بالحياة وهم في كهوفهم الليلية المظلمة .

كما أن نيسان ليس للنسيان في ذكرى الشهداء الذين ارتقوا إلى جوار ربهم سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم وعلى رأسهم الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وأمير الشهداء أبو جهاد وكذلك الشهداء كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار ، كما أنه استشهد في هذا الشهر علم من أعلام فلسطين الشهيد القائد عبد القادر الحسيني .

كما أن هذا الشهر شهد معارك وحروب ومن بينها معركة القسطل ومذبحة دير ياسين الشهيرة مما يدلل بأن هذا الشهر جدير بالاهتمام والتذكير بما فيه من أحداث عظام ، رغم أن الناظر لواقعنا العربي والإسلامي وتحدياً الفلسطيني ندرك بأن كل شهر به مناسبات وذكريات منها التي تسر القلب ومنها ما يعتصر القلب ألماً وينزف دماً من شدة المواقف التي عاشها ويعيشها وسيعيشها الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص والعربي الإسلامي بوجه عام .

لذلك كان لزاماً علينا أن لا نترك تلك المواقف والأحداث أن تمر دون أن نتذكرها حتى نأخذ منها الدروس والعبر وليس لمجرد ذكرى نحتفل بها أن نهنيء بعض بها لو كانت من الذكريات السعيدة على قلوبنا ، ولكن يجب أن نتذكرها  للاقتداء بها والدعاء لشهدائنا بأن يتغمدهم ربنا بواسع رحمته ، والدعاء لأسرانا بأن يفك الله أسرهم في القريب العاجل .

لا نتذكر نيسان وما به من أحداث ومآسي على الشعب الفلسطيني لمجرد سرد لتاريخ في برنامج أو قاعة أو إذاعة أو نشرة ، ولكن نتذكره حتى يبقى القلب رقيقاً عطوفاً وحنوناً.

وما شدني لكتابة هذه الكلمات في ذكرى الأطهار هو ما قرأته من كلمات قالها أسيرنا البطل حسن سلامه من خلف القضبان بل من عتمة زنزانته التي ما زال يمكث فيها منذ سنوات طويلة. ونحن ما زلنا نلهو في الدنيا ونطارد ونسارع بعضنا البعض وكثير منا يمكر للوصول لمصالح دنيوية شخصية زائلة بزوال صاحبها ، وتمر بنا الأحداث والذكريات وكأنها تخص عالم آخر غيرنا لما نحن فيه من لهو ونسيان لأصحاب الفضل والجميل ، ونجد أنفسنا نمقت الحياة لو انفصل التيار الكهربائي لساعات معدودة رغم أن النهار والشمس والهواء متاح لنا كبديل لبعض الوقت للكهرباء وغيرنا لا يرى شيء مطلقاً لو فكرنا بهم لتحملنا شيء من المحن والابتلاءات التي نعيشها لتقربنا إلى الله أكثر وشكرناه على نعمه وفضله علينا ولدعينا الله في كل وقت وحين لإخواننا الأسرى بأن يفك الله أسرهم جميعاً ويرحم شهدائنا ويعفو عنا ويغفر لنا ويجعلنا من عباده الصابرين المرابطين والمحتسبين والمستغفرين .