...

هجرة الشباب بيع للأوطان ..... بقلم الأستاذ/يحيى نافع الفرا


يحيى نافع يونس الفرا

رئيس نيابة

التفاصيل

 

لعل المتطلع على السياسة والتاريخ عبر العصور والأزمان يجد بأن الثقافة في موضوع ما تتغير بتغير المكان والزمان ، فنلاحظ من تلك الأمور التي أصبحت ظاهرة قد انتشرت الآونة الأخيرة بين الشباب الفلسطيني هي الهجرة وترك أرض الرباط والأرض المقدسة فعندما أتأمل نحو سبب الهجرة وترك الوطن والأرض والمنبت والحارة والشارع والمدرسة والجيران والأقارب والأصحاب حتى أجد سبباً للهجرة والابتعاد عن الوطن بل بيع الوطن بدون ثمن ومقابل بل هو تنازل عنه وعن الواجب تجاه ذلك الوطن الذي نحن مدينين له بحياتنا وأموالنا وأنفسنا وأهلنا ، وأنظر لماضي ليس ببعيد عندما انطلقت انتفاضة الحجارة التي سطرت الكثير من معاني التضحية والفداء والبطولة وسطرت الشهداء من بين الربيع الأول من العمر حتى الشيوخ والنساء لم يرحمهم العدو المحتل الغاصب من أسلحته الفتاكة إلا أن  هذا الشعب بقي صامداً ومقاوماً ولم يتزحزح عن أرضه ، وفي هذه الانتفاضة ظرهت سياسة الابعاد عن الوطن والترحيل القسري والتي قوبلت بمظاهرات وبمصمود ليس له مثيل ووجه الشعب الفلسطيني للعالم كله بأنه لن ولم يرضخ لسياسة المحتل في التهجير والابعاد القسري والقهري عن أرضه وأشهر حملة للابعاد هي ما تمت أواخر عام 1992 وسمت بمبعدين مرج الزهور والذين صمود في الصحراء بين الثلوج والأمطار والرياح صمود الأعزاء الأبطال حتى أوصلوا صوتهم ورسالتهم للعالم كله بأنهم لن يتركوا أرضهم ووطنهم  مهما كان الثمن وأنهم باقون حتى آخر لحظة من عمرهم في أرضهم .

ولكن الناظر لهذا المشهد التاريخي وما سبقه من مشاهد صمود وتضحية وفداء للأوطان يندهش مما نراه اليوم في زمننا الذي لا يبعد كثيراً عن بدايات الانتفاضة الأولى أو الثانية واللتين سطرتا معاني البطولة وحب الوطن والتضحية من أجل ترابه وأن الشعب يد واحد في وجه العدو الغاصب ، فما نراه الآن يؤلم كل وطني غيور على وطنه وأرضه وترابه وغيور على أبناء وطنه الذين يتلهفون نحو الهجرة والخروج الاختياري الطوعي من أرضهم ووطنهم بحثاً عن ماذا يا شباب فلسطين تغادرون بلدكم ودياركم ؟ وما السبب حول انتشار ظاهرة الهجرة بل اسميها الهروب من أداء الواجب وممكن أن نسميها بيعاً للأوطان وتنازلاً اختيارياً عن الأرض التي سالت دماء زكية وطاهرة دفاعاً عنها وتعذب شعب بأكمله من أجلها وأسر عشرات الألاف من الأسرى ومازال الكثير منهم مأسوراً من أجل الأرض والوطن والدفاع عن الكرامة ، فالغريب أن نعيش هذه المنتقضات ولو سألت أحدهم يقول لك (خلينا الوطن لكم مسامحين فيه ) وعبارات عديدة تدل على الضياع والفساد الأخلاقي والعقائدي لدى الجيل الذي لا يرى بنظره سوى الشهوات بشتى أنواعها ، ويعتقد واهماً بأن الخروج من الوطن هو السبيل له .

إن ما يحدث مع شبابنا هو أمر مخطط له تحت أغطية وأقنعة وهمية تجعلك تشعر بأنك سوف تخرج لمستقبل مزدهر فلو حاولت أن تسأل فقط عن مصير من خرج من الشباب وما هو المستقبل الذي رأه  أمامه  فلا تجد سوى أنه يعيش مرمطوناً ما بين غسيل الأطباق وتنظيف الفنادق وحمل الشنط والعتالة والطبخ والغسيل نحو تلك المهن الوضيعة التي يسعى لها الشباب من أجل نسيان الوطن ويرحلون عن الوطن ويوافقون على أقصى الشروط التي تطرح من أجل الهجرة والكل يلهث ويتلهف وراء تلك الدول من أجل للأسف ترك الوطن وليس هناك أية إيجابية أخرى من وراء الهجرة سوى الذل والعذاب وبيع الدين في كثير من الأحيان وضعف في العقيدة وانعدام للوطنية .

ولو نظرنا للأسباب التي من أجلها يضحي الشباب عن وطنهم تجدها غير مبررة وتافهة جداً ومنها أسباب تنمو عن ضعف ديني وانعدام للوطنية والانتماء للوطن وانسحاب من مواجهة الواقع حتى لو كان مراً فيجب أن يتحلى الإنسان بإرادة قوية والصبر على الابتلاء لأن خير البشرية كلها تعرض لمحن ومتاعب وابتلاء عظيم فصبر واحتسب وهو قدوتنا ومعلمنا الأول وهو أشرف الخلق أجمعين وتحمل الإيذاء العظيم الذي لا يتحمله بشر على وجه الأرض .

تجد البعض يفكر في الهجرة من أجل إيجاد فرص عمل كونه عاطل عن العمل لسنين طوال بعد أن تخرج من الجامعة ، ومنهم من تجده يشعر بالاضطهاد من أهله وأسرته فيفكر في الهروب من الحصار والقيود والمعاملة التي يراها من وجهة نظره أنها تقيد حريته ، ومنهم يرجع أسباب الهجرة للوضع السياسي والتجاذب ما بين حماس وفتح والصراعات الداخلية ...الخ.

من الممكن أن نأخذ بشيء من تلك الأعذار والأسباب ولكن هناك مصيبة طغت على الساحة وانتشرت في الآونة الأخيرة تجد من فكر ونوى للهجرة وهاجر البعض منهم شباب موظف وراتبه مريح ومتزوج وعنده أولاد وله بيت مستقل ويعيش مرتاحاً وتجد كثيراً من الناس يتمنون أن يكون لديهم نصف ما لدى هؤلاء الذين لم يحمدوا الله على النعمة التي هم فيها ، وتأففوا من العيش وفكروا بالهروب الأبدي ليس إلى أماكن أفضل عيشاً ولا كرامة بل فيها الذل والعذاب وتجده يتظاهر بأنه سعيداً وكأنه نال كل ما يطمح إليه ، فهؤلاء الذين يتقاضون راتباً وهم لا يعملون ومنهم من يعمل أعمالاً أخرى كون أن وقته فارغ دون عمل ويحسنون من دخلهم ويوقمون بمشاريع أخرى يقضون فيها أوقاتهم وينمون فيها وضعهم الاقتصادي تجده يفكر بالهجرة لماذا؟؟ وهل لمثل هؤلاء أي مبرر في الهجرة وترك الوطن بهذه السهولة ؟؟

لا شك بأن هذه الظاهرة لم تأتي عبثاً ولكنها مبرمجة ومخطط لها ويوجد أدوات داخل قطاع غزة بالتحديد من ينشر ويساهم في انتشار هذه الظاهرة وتجد من يقوم بترغيب الشباب في الهجرة ويوصلونه بأن الأمر صعباً حتى يتلهف ويبقى معلقاً على هذا الحلم الذي يتخيل من خلاله بأنه سيكون أسعد إنسان في الدنيا وأنه ذاهب للجنة والنعيم وأنه سوف يرتاح من الجحيم الذي يعيش فيه بوطنه وأرضه ......

واهم من يصدق هذه الخرافات والأوهام التي يضحكون بها على الشباب وأن الهدف أكبر من ذلك فهو مخطط صهيوني يحاربوننا به من خلال تهجير الشباب وتفريغ الأرض من الشباب حتى لا يبقى هناك من يقاوم أو يقاتل بني صهيون وبذلك ينتزعون باقي أرضنا بسهولة ويسر دون مقاومة أو قوة أو صراع عسكري بدلاً من أن تقوى شوكة الشباب لإستيعاد باقي أرضنا المسلوبة .

من واقع المسئولية تجاه محاربة تلك الظاهرة فإنه يقع على عاتق السلطة والحكومة الفلسطينية سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة محاربة هذه الظاهرة وإغلاق كافة المكاتب التي تعمل على تحضير وتسهيل التأشيرات  للشباب من الدول التي يرغبون أن يهجروا الشباب إليها حتى لا يكون مجالاً للشباب أو وسيلة يخرجوا بها ويهجروا أوطانهم.

(كنا في زمان نقاوم الخروج من بيوتنا وأرضنا فوصلنا لزمان نريد من يمنع الذين يفكروا بالخروج من ديارهم وأوطانهم ).