...

خلف القضبان لنا أحباب .... بقلم الأستاذ/يحيى نافع الفرا


يحيى نافع يونس الفرا

رئيس نيابة

التفاصيل

استوقفتني رسالة الأسير القائد حسن سلامة لأمه والتي نطق بها ما يجول بداخله من مشاعر تجمع ما بين الحزن والفرح وما بين الألم والحرمان والاشتياق باللقاء الذي انتظره بعد فترة طويلة من الحرمان لرؤيتها ومقابلتها حتى لو كانت مدة نصف ساعة على الأكثر هو موعد الزيارة التي يعيشها الأسير بحلم قبل اللقاء وعذاب بعد الفراق من اللقاء ، حتى أن هذه النصف ساعة انقطعت عنه مدة تزيد عن ثلاثة عشر عاماً لم يرى خلالها وجه أمه وكان يعيش في قبر مظلم وهو حي يرزق ، عاش مشاعر تلك الحياة البرزخية وهو يشعر بها ويستشعر مرارها وألمها .

كلمات كتبها بمشاعر النصف ساعة التي رأى بها أمه واصفاً تلك المشاعر بكل ما تحمل من ألم وفرح وسعادة وحزن بكل ما يوجد من مفردات وكلمات بنقيضها والتضاد الذي سيطر عليه والماضي الذي استذكره في تلك الوقفة التي لا تتعدى النصف ساعة بالزمن المنطقي ، أما بزمنه كما وصفها لم تتعدى الدقيقة أو الدقيقتان .

رغم أن اللقاء بطريق سماعة وبحاجز زجاجي يمنع الرؤية بوضوح إلا أنه لاحظ "عكازها " الذي حاولت أن تخفيه عنه إلا أنه تألم ألماً شديداً عندما رآه ، وما زاده ألماً بكاء أمه التي لم تستطيع أن تخفي عنه البكاء رغم معرفتنا عنها بالقوة والصبر والجلد والتحمل وأنها أم لكل فلسطيني ونعتز بها ونفخر بها لأنها أم بطل من أبطال فلسطين والأمة العربية والإسلامية .

وقفت اقرأ تلك الرسالة التي لم اقرأ من ذي قبل رسالة مثلها في قوة كلماتها وشدة الوصف والبلاغة التي تضمنتها تلك الرسالة التي تحملك بكل الأحاسيس والمشاعر وتستشعر من خلالها أنك من تردد تلك الكلمات لأمك التي مهما تصفها لم تكملها وتوفيها حقها عليك ، بكيت من تلك الكلمات التي تحمل في طياتها رسالة أخرى لكل من فتنته الدنيا بكل ما بها من فتن عن المشاعر والأحاسيس والشعور بمن هم علينا حقاً أن نوفيهم حقهم وهم الأكرم منا جميعاً أسرانا البواسل الذين لا نعرف عنهم سوى القليل القليل ، وكذلك استشعرت بأن هذه الرسالة موجهة لكل من نسي دعوته لله وغرق في الصراعات من أجل المنصب أو الجاه والمال والأطيان لعلها تكون رسالة تنبيه للعودة لخندق المقاومة والإلتفاف للقضايا المصيرية والهامة وعلى رأسها الثوابت التي لم نعد نسمعها إلا من خلال الخطابات الرسمية وفي المناسبات والمهرجانات ولم نجد على أرض الواقع تطبيقاً عملياً لتلك الشعارات والخطابات .

بعض الكلمات كنت أقف عندها وأتامل فيها ويجول بخاطري تحليلات لها ومواقف لمقارنة ما نحن عليه وما هم فيه من خلف قضبانهم وستائرهم العتمة وقبورهم المنيرة بتقوى الله ومخافته ، وأقول بنفسي متخيلاً أحوالهم وكيف يعيشون ويقضون أوقاتهم خاصة عندما كانوا منعزلين طيلة السنوات الطويلة الماضية لم يروا أحداً ولا هواء ولا نهاراً ولا يفرقون ما بين الليل والنهار ، إنها حياة أصعب من الخيال ويعجز عنها الشعراء والأدباء في الوصف والرثاء والهجاء .

رغم تلك الحياة الصعبة والحرمان والمرار والألم الذي تضمنته الرسالة إلا أنه يبدو شامخاً متفائلاً ومؤمناً بأنه طريق اختاره وسيقضي عمره وحياته فيه ، لم أشعر من خلال تلك الكلمات بلحظة ندم أو يأس أو إحباط لأنه مؤمن بالله ولديه عقيدة راسخة وقوية وتأسس على مائدة القرآن ومخلصاً لدينه ووطنه ومقتنعاً لما يفعل ويصنع من أجل الحرية والتحرير والعيش بكرامة ، فمن المستحيل أن تشعر بأنه غير ذلك ممن يحمل تلك الصفات وتربى عليها وعمل بإخلاص وانتماء وفهم وتجرد وتضحية وجهاد ....

أتمنى في نهاية كلمتي من الجميع أن يقرأ رسالة الأسير البطل حسن سلامة بكل جوارحه وأن يتعمق بكلماتها وأن يعمل بها من نسي نفسه بضغوطات الدنيا الفانية والزائلة ، وأن نحمد الله على نعمة رضاء الأم وبقاءها على قيد الحياة وأن لا يغيب شمس يوم إلا وأن نرى فيه أمنا ، وأن يترحم على أمه من فارقة الحياة ويدعو لها في كل وقت وحين ، وأن ندعو لكافة أسرانا بالحرية العاجلة وأن ينعموا بحضن الأم الحنون والدافئ ، وألا نغرق في هموم الدنيا ونترك الهم الأكبر هو العمل من أجل الآخرة والعزة للإسلام والمسلمين .