...

الرئيس القائد أبو باسل .. طيب الله ثراك


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل


بسم الله الرحمن الرحيم 

 

 

الرئيس القائد أبو باسل .. طيب الله ثراك 

بقلم : أبو يسار 

 

 

    منذ ثمان سنوات غيّب الموت رجلاً من أغلى الرجال.. حافظ الأسد ( أبو باسل ) الرئيس العربي السوري .. وهذا قدر الله ، فلا راد لقدره ، وبموت هذا الرجل الكبير .. فقدنا نحن العرب آخر قلاعنا الحصينة ، هذه حقيقة علينا أن نعترف بها ونسجلها ، سواءاً اتفقنا معه رحمه الله أو اختلفنا ، فحافظ الأسد لم يكن رجل عادياً ، ولا حاكماً عادياً ، ولا رئيساً عادياً ، بل كان زعيماً متميزاً ، وهبه الله قدرات متعددة سنظل نتذكرها ، ونذكره معها .. الشجاعة المرونة ، القوة والدهاء ، الصبر والجلد ، الاقتدار والتواضع ، واستباق الحدث وقراءة المستقبل. 

    ولا شك أن الظروف التي واكبت نشأته في قرية جبلية هي القرداحة والواقعة في شمال سوريا ومن ثم انتقاله كطالب في الأكاديمية العسكرية والجوية في حلب ، وخدمته في الجيش بعد انتمائه المبكر لحزب البعث وولعه بقراءة التاريخ قد أثرت في تكوين شخصيته التي تبلورت فيما بعد ليصبح وزيراً للدفاع ثم حاكماً مطلقاً في سوريا. 

    حافظ الأسد (أبو سليمان) كما يحب أن ينادى الذي يفرض على من يكرهه أن يحترمه ، لم يتأطر في الحدود الإقليمية والقطرية بل كان قائداً قومياً عاش حتى آخر شهقة أوكسجين وهو يمارس هذا الدور ، عندما جاءه ملك الموت كان في حديث هاتفي مع الرئيس اللبناني السابق ايميل لحود وكان يتحدث حول مستقبل هذا الجيل من الأمة العربية وكانت آخر كلماته للرئيس اللبناني السابق ( قدرنا أن نبني لأبنائنا مستقبلاً سعيداً وآمناً ). 

لم يكن همه سوريّاً .. بل عربياً ، وهذا ما يفسر كل قوانين الدخول والخروج والإقامة والعمل في سوريا والتي تختلف كلياً عن باقي الأقطار العربية ، فسوريا هي الدولة العربية الوحيدة من بين الأقطار العربية التي يدخلها أي مواطن عربي دون تأشيرة دخول ويقيم فيها دون إذن إقامة ويعمل بها ما شاء طالما لم يتجاوز القوانين أو يسيء لأمنها وهذا ما ينطبق على المواطن السوري. 

    بالإضافة إلى موقف الراحل أبو سليمان الثابت من قضية فلسطين والتي هي وبحكم انتماءه لحزب البعث تعتبر قضيته المركزية ، ولهذا فإن من يحسب على الراحل الأسد تدخله في الشؤون الفلسطينية مخطئ .. لأن فلسطين بالنسبة له هي الجزء الجنوبي من سوريا الكبرى هذه عقيدته التي يؤمن بها والتي عاش عمره يناضل من أجل تحقيقها ولهذا أيضاً لم يُعامل اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا على أنهم لاجئون أو مواطنون من الدرجة الثانية كما عوملوا في بلاد عربية أخرى ، إنهم فلسطينيون سوريون ، ويعاملوا معاملة السوريين في العمل وفي الوظائف الحكومية وفي الدراسة وفي خدمة العلم ، وهناك العديد من الضباط الفلسطينيين الذين تبوؤا  مواقع عليا في الجيش العربي السوري كقيادة القوة الجوية على سبيل المثال لا الحصر ، وهناك العديد من البعثيين الفلسطينيين الذين وصلوا لعضوية القيادة القومية في الحزب وهي أعلى درجة قيادية . 

إن معظم الخلافات التي سادت في فترات سابقة المسار السوري الفلسطيني عبر مسيرة النضال نبعت أساساً من اعتقاد الرئيس الراحل أنه ليس شريكاً فحسب بل صاحب قضية لا يفصل بين الجولان المحتل وفلسطين المحتلة. 

    وجدير بالذكر وبحكم احترافي للعمل السياسي طيلة الأربعة عقود الماضية فإنني أثبّت حقيقة شعوري تجاه الرئيس الراحل رحمه الله طيلة أيام حكمه ، لم يكن هذه الشعور ودياً ولم أكن في يومٍ من محبي الرئيس الراحل ، التقيته مرة واحدة في حياتي ضمن وفد مثل الفصائل الفلسطينية برئاسة الحكيم جورج حبش في منتصف العام 87 ولمدة ثلاث ساعات ، تحدث خلالها الحكيم قرابة العشرين دقيقة ثم تحدث الرئيس الأسد قرابة الساعتين ونصف دون أن نشعر بملل أو ضيق ، تحدث في التاريخ والجغرافيا والمناخ والاقتصاد وربط كل ذلك بالسياسة لا أنكر أنني شعرت شخصياً أنني أمام محاضراً عميق  واسع الاطلاع يجذبك إلى حيث يريد بكل سلاسة لا يفرض عليك رأياً وإنما يستقطبك لهذا الرأي بمرونة وهدوء ، خرجنا جميعاً وعلى رأسنا الحكيم بنفوس راضية دون أن نأخذ شيء مما نريد. 

    ويجب أن أؤكد هنا أن احترامي للرجل قد زاد وهذا الاحترام مبنياً على إدراك مني بعصامية هذا الرجل وبساطته وطهارته ووطنيته وانتمائه القومي وقوته ومرونته وقدرته على الصبر والتحمل إضافة إلى ما يتمتع به من حنكة سياسية بارعة وإدراك وفهم عميق للتاريخ واستقراء الأحداث قبل وقوعها ، إنني أدرك أن هذا الرأي سيثير حفيظة العديد من النظرة الضيقة والانتماء القطري البغيض ومن عرب أمريكا الذين يتلقون التعليمات من السفارات الأمريكية في المنطقة. 

    ذات مرة كنت أجلس في القاهرة مع الصديق المرحوم الأستاذ( محمد صبري مبدي ) نقيب المحامين المصريين والأمين العام لإتحاد المحامين العرب وهو مناضل مصري عربي ناصري وكان الرئيس الأسد في زيارة للقاهرة وكنا ( صبري وأنا ) نراقب التلفاز الذي يبث مؤتمراً صحفياً مشتركاً للرئيسين حافظ الأسد ومبارك ، تحدث الأسد بهدوء ووضوح ودقة محدداً سياسات سوريا وشروطها تجاه عملية السلام مؤكداً رفضه ربط عملية السلام بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل  في الوقت التي كانت فيه إجابات مبارك محزنة ومضحكة معاً ، الأمر الذي دفع الأستاذ صبري للتساؤل بسخرية وبلهجته المصرية ( بقى ده ريّس .. وده ريّس .. والله ده حرام ) . 

    لم يكن الراحل الأسد رجلاً سهلاً ليناً بل كان سهلاً وليناً حينما تتطلب المواقف والظروف ذلك وكان قوياً عنيداً شديد المراس في مواقف وظروف أخرى ،لم يقطع شعرة مع أحد حتى خصومه السياسيين الذين لم يبطش بأحد منهم إلا إذا بادر أحدهم بالعدوان كما فعل الإخوان المسلمون عامي 82 , 83 فسحقهم ودمر مدينة حما على رؤوسهم انطلاقاً من فلسفة آمن بها وهي بتر الجزء من أجل حماية الكل . 

    لم تخسر سوريا وحدها ، ولم يخسر الشعب السوري وحده برحيل الأسد ، وإنما خسرناه نحن كعرب لما مثله ويمثله من صمود وتحدٍ لسياسات العدو الصهيوني  المفتري على الحق العربي ، لقد قال  الصهيوني المقبور إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حين سماعه نبأ وفاة الرئيس الأسد ( لن أحزن على موت الأسد بل سأفرح ، لقد مارس على إسرائيل الذل والقهر ورفض إقامة السلام معها ). 

بالرغم من عدم حبي للراحل الأسد لفترة زمنية طويلة إلا أنني بكيته بشدة وحزنت على سوريا ولبنان وفلسطين والأمة العربية لأننا فقدنا آخر قلاعنا الحصينة . 

    أبو باسل.. أو أبو سليمان كما تحب أيها القائد الكبير عزاءنا أن يتغمدك الله برحمته يا آخر الرجال المحترمين.