...

المحور الثالث: الهيكل المزعوم ودماره


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

المحور الثالث

الهيكل المزعوم ودماره (ج1)

 

دمار هيكل سليمان :

 

بعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام، تولى الحكم ابنه رحبعام وكان في الحادية والأربعين من عمره، وأعلن نفسه ملكا على دولة بني إسرائيل، بايعه سبطا يهوذا وبنيامين في أورشليم، ثم ذهب إلى شكيم "نابلس" ليأخذ البيعة من بقية الأسباط، إلاّ أنهم رفضوا، وطلبوا منه تخفيف الضرائب التي فرضها أبوه سليمان، فرفض، لهذا بايعت بقية الأسباط أخوه يربعام ملكا على شكيم؛ وهي المنطقة التي يُطلق عليها اليهود اسم السامرة. وكان يربعام قد هرب إلى مصر بعد ثورته على أبيه، وعاد بعد وفاته؛ وبهذا انقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين؛ قسم في الشمال يسمى "إسرائيل" وعاصمتها "شكيم" وملكها "يربعام"، وقسم في الجنوب يسمى "مملكة يهوذا" وعاصمتها "أورشليم" وملكها "رحبعام"، واشتق اسم يهود من سبط "يهوذا"، وبهذا تكون مملكة إسرائيل قد عاشت موحدة ما يقارب الثمانين عاماً ، وهي فترة داود وابنه سليمان عليهما السلام ، امتد حكم مملكة "إسرائيل" من 923-721ق.م؛ أي مائتان واثنين عام، وكانت أغنى من مملكة يهوذا.  عاشت هاتان المملكتان صراعات مريرة على الحكم.

( شلبي،1992 : 89 )

تأثر أهل الشمال بديانة الكنعانيين، فعبدوا إيل وتركوا يهوه ، وحاول يربعام  توسيع مملكته على حساب الآموريين لكنه فشل بسبب تدخل " سرجون الثاني " الذي دخل السامرة عام 721ق.م. ودمّرها وسبى رجالها إلى آشور ، وبهذا السبي انتهت مملكة السامرة.

( محاسنة، وآخرون، 2002: 81)

وبالنسبة لمملكة يهوذا ، فقد قام فرعون مصر " شيشاق " باحتلالها ، واحتل معها مملكة السامرة ، فغصب البابليون حلفاء الاشوريين ، وتحرك القائد البابلي " نبوخذ نصر " في عام 586ق.م، واحتل القدس " أورشليم " عاصمة يهوذا ودمرها ودمر الهيكل واحرقه وأخذ ملك اليهود " يهوياكين" وعائلة ورؤساء اليهود مع حوالي عشرة آلاف وسباهم إلى بابل وهذا ما عُرف في التاريخ بالسبي البابلي الأول (محاسنة، وآخرون، 2002: 82)، ثم قام نبوخذ نصر وعين اليهودي "صدقيا" على يهوذا مقابل الولاء ، لكنه خان فعاد نبوخذ نصر ودمر المدينة وسبى يهودها ، وهذا ما عُرف في التاريخ بالسبي البابلي الثاني ، وبه انتهت مملكة يهوذا.

 

 

 

 

إعادة بناء الهيكل :

 

بعد انتهاء مملكتي يهوذا والسامرة ، وبعد انهزام البابليين أمام الفرس عام 538ق.م.، وتولي "كورش الإخميني" عرش الإمبراطورية الفارسية، وظهرت الدولة الفارسية كقوة عظمى في الشرق القديم ، وبهذا انتهى العصر السامي ، وبدأ العصر الهندو-أوروبي.

أصدر كورش قراراً ينص على إعادة كل المنفيين إلى بلادهم ، وكان أكثر المستفيدين من هذا القرار هم اليهود ، فغادروا إلى فلسطين، وبقيَّ أغنياؤهم في العراق لأن القرار كان اختيارياً ، والواقع أن هدف كورش من هذا القرار هو الاستفادة من اليهود في حربه ضد المصريين لمعرفتهم بالطرق . وعاد من اليهود حوالي خمسون ألفاً بقيادة زربابل عام537ق.م.

ثم تولى "داريوس" عرش الإمبراطورية الفارسية عام 521ق.م. وسمح لليهود بإعادة بناء الهيكل . والواجب ذكره هنا ، هو أن التوراة كُتبت في عهد قريب من السبي البابلي ، وهنا لابد من وضع كتابة تربط اليهود بالقدس والهيكل المزعوم ، حتى يجدوا طريقة يعودون فيها إلى القدس ، نسجوا قصصاً كثيرة؛ منها قصة قالوا فيها: إن الرب أوصى كورش ببناء الهيكل في أورشليم  (محاسنة، وآخرون، 2002 :83) وأعاد زربابل بناء الهيكل ، وكان أضخم من البناء الأول ، لكنه أقل مصاريف وفخامة ( الرقب، 2002 :36).

 

وفي عام 27 ق.م. عين الرومان حاكماً جديداً على أورشليم يحمل لقب ملك وهو "هيرود"، ومن أجل كسب ود اليهود وإرضائهم قام "هيرود" بإعادة بناء هيكل "زربابل" بحجة أنه كان متواضعاً، إلاّ أنه مات قبل إتمامه ، واستمر البناء حتى عهد "أجريبا الثاني" عام 64م.  وقبل الانتهاء منه بصورة نهائية هدمه تيطس عام 70م، بسبب تآمر اليهود وغدرهم.

 (النحوي، 1993: 94)

ثم وقعت القدس تحت الحكم المقدوني، فاليوناني ثم البطالسة والسلوقيين ، وفي عام 168ق.م، قام الملك أنطيوخوس الرابع بالقضاء على الثورة اليهودية التي اندلعت بقيادة الكاهن "ماتياس" وقد هُزم فيها ماتياس وهرب ومات, وترك الهيكل للنهب، وأجبر اليهود على اعتناق الوثنية اليونانية وذلك بسبب تآمرهم عليه ، وبنى مكانه مذبحاً لزيوس " الإله الأب عند الإغريق" لهذا اندلعت الثورة المكابية بقيادة يهوذا ولقبه مكابي وتعني مطرقة ، ثار يهوذا على السلوقيين واعتصم بالجبال ، وقف معه أعداد كبيرة من اليهود ، وفي عام 164 ق.م ، انتصر على السلوقيين ودخل القدس ، واتخذ اليهود هذا اليوم عيداً لهم سموه عيد الأنوار (حانوكاه).

( شلبي ،1992 :94)

ثم استولى الرومان على سوريا وفلسطين ، ودخل القائد الروماني "بومبي" القدس "أورشليم" عام 63 ق.م ، وأعطى اليهود حكماً ذاتياً ، وفي عام 37ق.م تم تعيين "هيرودوس بن انتيباتر" ملكاً على الجليل ويهوذا وكان موالياً للرومان، وتمكن من القضاء على آخر ملوك المكابيين.

 

دمار هيكل زربابل "الهيكل الثاني" :

 

بسبب ثورة اليهود ضد الرومان ، قام الإمبراطور الروماني "سباستيان" بإرسال ابنه تيطس عام 70م ، على رأس جيش كبير لتحرير أورشليم،  وذلك بسبب الفساد والعصيان ضد الرومان،  فدخل تيطس أورشليم ومرَّ مباني اليهود وقتل عدداً كبيراً ونفى عدداً آخر ، وفي التاسع من أغسطس عام 70م دمر الهيكل؛ وكان هذا هو التدمير الثاني . يقول اليهود : أن هدم الهيكل كان عقاباً لهم على ما اقترفوه من ذنوب ( شلبي، 1992 : 95).

وحتى لا ينسى اليهود الهيكل ويبقى حياً في ذاكرتهم ، ابتدع حاخاماتهم طقوساً ومراسم يقوم بها كل يهودي ، من هذه الطقوس ذكر الهيكل عند الميلاد ، وعند الموت ، وعند الزواج يحطم أمام الزوجين كوب فارغ لتذكيرهم بهدم الهيكل، وقديماً كان الحاخامات يوصون اليهودي عند طلاء بيته أن يترك مربعاً صغيراً دون طلاء ، حتى يتذكر حادثة هدم الهيكل ، وفي التاسع من أغسطس من كل عام يصوم اليهود تخليداً لحادثة الهيكل ( الرقب، 2002 :37-39).

وفي عام 135م أي في عهد الإمبراطور هادريان ،ثار اليهود من جديد وطالبوا بإعادة بناء الهيكل ، إلاّ أن الإمبراطور أخمد الثورة ودمر المدينة وبنى مكانها مدينة جديدة أُطلق عليها اسم : "إيليا كابي تولينا" وحُرِمَ اليهود من دخول هذه المدينة وبقيت هذه المدينة تحمل هذا الاسم إلى أن دخلها المسلمون في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وفي عام 313م اعتلى الإمبراطور قسطنطين عرش روما ، واعتنق المسيحية ، وبدأ ببناء الكنائس ، وكانت كنيسة القيامة أول الكنائس التي أقيمت في تلك الفترة ، أما مكان الهيكل فجعلته الإمبراطورة هيلانة والدة قسطنطين مكاناً لرمي القمامات نكاية في اليهود.

 ( محاسنة، وآخرون ،2002 :88)