...

مريضِ في المستشفى


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

 

مريضِ في المستشفى

 

د. إسماعيل صالح الفرا

هل قمت بزيارة المستشفى ؟سؤال قد يبدو ساذجاً ولكن الإجابة عنه ضرورية لكل من يحيا في مدرسة الحياة ، هذه المدرسة التي تعطينا الامتحانات ثم الدروس على عكس ما نفعله مع طلابنا نعطيهم "الدروس" ثم الامتحانات .. وإن مدرسة الحياة تتطلب من الجميع أن يتقن فن التعامل مع أنظمتها ومع جميع العاملين فيها ، ولابد أن يتقن كل فرد منا فن التعامل مع النفس ومع الآخرين بأنواعهم وصفاتهم وسماتهم، وطبائعهم، ومع محسنهم، ومسيئهم، وأن يعمل الخير مع من يعرف ومن لا يعرف وإحدى حجرات مدرسة الحياة اسمها "المستشفيات" ومن يدخلها يرى ما لا يتوقعه؛  لذا لا أريد الحديث عن الوزارة ولا عن المستشفيات، الايجابيات والسلبيات، ولا عن العلاقة بين الأطباء أنفسهم، ولا علاقتهم بالممرضين، ولا عن العلاقة بين الأطباء والمرضى وذويهم، ولا عن نظرة المرضى للأطباء وللعاملين في المستشفى، ولا عن الأجهزة المتوافرة وغير المتوافرة والتي تعمل أو لا تعمل، ولا عن النظافة، ولا عن المباني المناسبة وغير المناسبة، ولا عن النمو المهني عند الأطباء والعاملين في المستشفيات وما أريد تسطيره أشبه بعملية قسطرة للقلب آمل أن تكلل بالنجاح .. وهي خواطر جالت في نفسي إبان تكرار زياراتي لمستشفيات في بلادي هذه الخواطر تحتاج إلى وقفات ووقفات منها:

يجب علينا عندما نزور أي مستشفى أن نقول : اللهم نسألك صحة الإيمان وصحة الأبدان ... فالصحتان هما حياة الإنسان في دار البقاء والفناء .. والدعاء للجميع بالشفاء العاجل .. ونتذكر أن مما يساعد على الشفاء "الصدقة" وأنواعها كثيرة ويحتاجها مجتمعنا الفلسطيني كوقاية وعلاج معاً قيجب ألا نغفل عن ذلك ... والصدقة مرتبطة بالصدق والأمانة في أداء العمل .. فالإخلاص في العمل يساعد على شفاء النفوس والأجساد .. والعقل والنقل ومدرسة الحياة وامتحاناتها يؤكدون على ذلك وأن الصبر الجميل على الابتلاءات ثوابه الجنة.

إن من البيان لحكمة فلنتذكر أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه ولا يعرف قيمته إلا المرضى فلنحافظ على هذه النعمة العظيمة .. ونعم الخالق لا تحصى فالمال ليس إلا أحدها وليس أهمها .. فنعمة الصحة على ما نملك فكم يساوي ثمن نعمة البصر أو القلب أو الكبد وغيرها فمثلاً بريطانيا حسب تقرير 2011 تنفق على علاج مرض الاكتئاب ما يربو عن 11 مليار جنيه استرليني –وهو أغلى من الدولار- فعافانا الله جميعاً من شر الأمراض جميعها

قارئة الفنجان علاج قديم .. وحديثاً العلاج بقارئ وقارئة الجينات من أجل المستقبل وهذه القارئة التي نحتاجها ربما نتعامل معها بعد نصف قرن من الزمان .. لأننا ما نزال نتعامل مع قارئة الفنجان وما تزال لها مكانة عندنا .. وظهر ذلك في سلوك طبيبة تم تعينها حديثا حيث تقول لمريضة حرارتها 40 درجة مئوية انك تتدلعين وما فيك شئ وطبيب له في "الوظيفة" ما يقارب من 30 عاماً، هذا الطبيب صاحب الخدمة، وليس الخبرة عندما جاء له أحد المرضى على المستشفى وليس على عيادته يعاني من ذبحة صدرية في القلب وفي حالة غيبوبة فما كان من هذا الطبيب صاحب "الخبرة" !! إلا أن همس في أذن شقيق المريض وهو أستاذ جامعي قائلاً له إن المريض به مس من الجن !! فرد عليه قائلاً انه مريض بالقلب .. وما فائدة الأجهزة الموجودة في المستشفى التي اخترعها الآخرون للأسف ..؟! اقترح عليك أن تكتب تقريراً ليس لإدارة العلاج بالخارج، بل إلي من يهمه الأمر مضمونه أن ترسل بعض الأجهزة الموجودة إلى عيادة المشعوذين !! والباقي لعيادتك الخاصة ثم يتم التنسيق بينكما بعد ذلك ؟! وتوفى المريض لاحقاً

تعتمد الأمم المتقدمة على خبرات أبنائها وعلى نموهم المهني وتدفعهم إلى المزيد نحو هذا النمو والارتقاء بخبراتهم ونحن نعاني من تآكل الخبرات والمعلومات التي اكتسبناها للأسف الشديد ، وأقسم بالله العظيم أن هذا آفة ومرض ونعلم أن آفة العلم الترك والنسيان والجري وراء الأموال وإن هذه الافة تحتاج إلى علاج وإلا ستنتشر وتتغلغل في الدماغ وتصبح كالإيدز فالايدز الفكري علاجه صعب المنال

و أوكد أن الطب مهنة انسانية تحتاج إلى مهارات خاصة وإلى نمو مهني مستمر ومتابعة فكل جديد وإن "الخبرة" التي تكرر نفسها وإن كان عمرها 30 عاماً  أو أقل أو أكثر تساوي واحد إن لم تكن صفراً وهذه خدمة وليست خبرة وشتان ما بين الخبرة والخدمة فلنرفع شعار النمو المهني أو الاندثار

أخطاء الأطباء أمر وارد لكن يجب أن يكون ذلك استثناء وخاصة أن هذا الخطأ يكلف من الهم والحزن والألم والضرر الكثير ... ولا بد من تفعيل مبدأ الثواب والعقاب !!

لو جرى استفتاء أيهم أكثر عدداً الذين يقومون بالدعاء للأطباء أم الذين يدعون عليهم ؟!

موضوع يرتبط بالمستشفيات من قريب أو من بعيد عرضته عبر بوابة الجامعة ضمن قضايا للمناقشة منذ فترة وهو أين هم متفوقي الثانوية العامة في بلادنا ؟ وهنا أقول هل الأطباء الموجودين من متفوقي العامة؟ وهل تعد الثانوية العامة مقياساً ؟؟ وهل؟ وهل؟ وهل؟

وختاماً في هذا المقام والمقال أتوجه بالشكر لكل المخلصين من أبناء هذا الوطن وأخص الأطباء والممرضين والعاملين المؤدين أعمالهم بصدق وأمانة المنفذون قسم التخرج والله أسأل أن يبعد عن الجميع المرض والهم والحزن وشرور مخلوقاته ما علمناه وما لا نعلمه ...

"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"