...

في ذكرى استشهاد الشهيد / البطل احمد عبد العزيز


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

 في ذكرى استشهاد الشهيد / البطل احمد عبد العزيز

 بقلم /المهندس محمد يحيى- عبد الرحمن الفرا

* في مثل هذا اليوم من سنة 1948 استشهد البطل احمد عبد العزيز قائد قوات المجاهدين العرب في حرب فلسطين… ونحن في هذا المقام لا يسعنا إلا أن نذكر هذا البطل ومساعديه وقواته حتى يكون القدوة لهذا الجيل والاجيال القادمة وحتى نزكي روح الجهاد والوفاء لديهم.

1948-55

* ولد شهيدنا/ البطل احمد عبد العزيز في 20/7/1907 في مدينة الخرطوم حيث كان والده الأميرالاى (العميد) محمد عبد العزيز قائد الكتيبة الثامنة بالجيش المصري في السودان، وقد كان والده وطنيا مخلصا فقد وقف مع الشعب أثناء مظاهرات 1919 وسمح لجنوده بالخروج من ثكناتهم للمشاركة في المظاهرات مع الشعب مما أدي إلى فصله من الجيش بسبب غضب الانجليز عليه.

* على خطى والده نشأ أحمد عبد العزيز فقد أشترك في مظاهرات 1919 وهو في الثانية عشر من عمره وكان وقتها في المدرسة الثانوية، وفى العام 1923 دخل السجن بتهمة قتل ضابط انجليزي ثم أفرج عنه وتم إبعاده إلى المنصورة. التحق أحمد عبد العزيز بالكلية الحربية بعد تخرجه من المدرسة الثانوية وقد تخرج منها عام 1928التحق بعدها بسلاح الفرسان ثم قام بتدريس التاريخ الحربي في الكلية الحربية.

* بعد قرار تقسيم فلسطين وقبل انتهاء الانتداب البريطاني لها في 14/5/1948 وبعد ارتكاب العصابات الصهيونية المذابح بحق شعب فلسطين الأعزل… ثار غضب العالم العربي والإسلامي وانتشرت الدعاوى للجهاد في كل أرجاء الوطن العربي.

*كان أحمد عبد العزيز أحد الذين استجابوا لدعوة الجهاد فقام بتنظيم المتطوعين وتدريبهم وإعدادهم للقتال في معسكر الهايكستب القريب من مطار القاهرة الدولي، وقد وجهت له الدولة إنذار يخيره بين الاستمرار في الجيش أو مواصلة العمل التطوعي فما كان منه إلا أن طلب بنفسه إحالته إلى الأستيداع وكان برتبة القائمقام (عقيد)…. وبعد ان تكررت وكثرت هذه الاستقالات من ضباط وجنود الجيش المصري وكان معظمهم من تنظيم الاخوان المسلمين واصبحت ظاهرة لفتت نظر قيادة الجيش التي قامت بدراستها وعلى ضوء ذلك اتخذت هذه القيادة قرارا بالسماح لمن يريد التطوع لجهاد في حرب فلسطين من ضباط وجنود الجيش المصري دون الحاجة للاستقالة حيث ابدت استعداد الجيش لتوفير احتياجات المجاهدين من العتاد والتموين… كان هدف قيادة الجيش من ذلك هو الاستحواذ على هذه القوات وان تكون تحركاتهم تحت سمعهم وبصرهم.

* وبعد ان جمع ما امكنه الحصول عليه من الاسلحة والذخائر من قيادة الجيش ومن مخلفات الحرب العالمية الثانية اتجه برفقة قواته وقوات المجاهدين المغاربة بقيادة البطل/ احمد زكريا الوردياني الذي انطوى وقواته تحت قيادة البطل احمد عبد العزيز حيث وصلوا الى مدينة العريش يوم 3/5/1948 … حيث كان في  استقبالهم وحسب التنسيق المسبق  المجاهد عبد الرحمن الفرا رئيس بلدية خان يونس وعضو الهيئة العربية العليا لفلسطين، وبرفقته كل من الشيخ / محمد عواد رئيس بلدية الفالوجة والسيد/ مصطفى العبادلة مختار عائلته.. وهناك تم عمل اجتماع وبحضور ضابط المخابرات المصرية / عبد المنعم النجار والسيد/ عبد الهادي شعبان مندوبا عن حركة الاخوان المسلمين والضابط / كمال الدين حسين الذي اصبح عضوا في حركة الضباط الاحرار فيما بعد والتي قامت بالانقلاب على النظام الملكي في مصر واقامة النظام الجمهوري بالاضافة الى اليوزباشي عبد العزيز حماد الذي اصبح فيما بعد مديرا لمكتب رئيس الجمهورية اللواء/ محمد نجيب .. وفي هذا الاجتماع تم الاتفاق على خطة لادخال قوات المجاهدين الى فلسطين عبر خط السكك الحديدية خوفا من ان تكون الطرق الاسفلتية ملغومة بالإضافة لوجود القوات البريطانية على الطريق الاسفلتي عند رفح على حدود فلسطين مع مصر.

الشيخ محمد عواد

الشيخ محمد عواد

 كمال الدين حسين

كمال الدين حسين

* عاد عبد الرحمن الفرا ومرافقيه الى خان يونس حيث قام بتشكيل لجنة من وجهاء المدينة وكبار عائلاتها وكذلك دعوة مندوبين من اعضاء الهيئة العربية العليا وجيش الانقاذ الفلسطيني لاصطحاب فرق المجاهدين وتوزيعهم حسب الخطط التي تم وضعها… وكانت الخطة لادخال هذه القوات تحتاج الى جمع اكبر عدد من الدواب في منطقة خان يونس (جمال وخيل وحمير وبغال …الخ). لتقوم هذه الدواب بسحب معدات المجاهدين من مكان تجمعهم في رفح سيناء الى خط السكة الحديد الذي يقع غرب الطريق

الاسفلتي بمسافة لا تقل عن كيلو متر واحد… على ان يتم وضع عجلات هذه المركبات بين قضبان السكة الحديد فوق الفلنكات ويتم سحبها ليلا الى خان يونس دون الحاجة الى تشغيل موتوراتها او انوارها حتى لا يتم اكتشاف امرها.. وباشراف المجاهد / عبد الرحمن الفرا وبعض مرافقيه مثل شقيقه سعيد الفرا ومصلح زعرب استمرت هذه العملية حوالي 7 ايام اختلط فيها الليل بالنهار وكلما وصلت فرقة منها الى خان يونس كانت تأخذ مكانها  في مدرسة خان يونس للبنين كنقطة ارتكاز.. حيث يكون في استقبالها الدليل الفلسطيني والذي يقوم بدوره بالتوجه بها الى الاماكن المحددة لها حسب الخطة الموضوعة.

 

 الشهيد البطل/ احمد عبد العزيز في احد المواقع العسكرية وأمامه الضابط كمال الدين حسين ينظر بالمنظار إلى احد الأهداف .. وبعد استشهاده يوم 22/8/1948 كان عبد الرحمن الفرا أول من كرم هذا البطل بأن أطلق اسمه على إحدى مدارس مدينة خان يونس

الشهيد البطل/ احمد عبد العزيز في احد المواقع العسكرية وأمامه الضابط كمال الدين حسين ينظر بالمنظار إلى احد الأهداف .. وبعد استشهاده يوم 22/8/1948 كان عبد الرحمن الفرا أول من كرم هذا البطل بأن أطلق اسمه على إحدى مدارس مدينة خان يونس

* وبمجرد انتهاء عملية وصول جميع هذه القوات وبوصول قائدها البطل / احمد عبد العزيز اتخذ قرارا بمهاجمة اول مستعمرة يهودية في طريقه عند دير البلح (مستعمرة كفار دروم ) بهدف تحريرها… ثم اخذ اتجاهه الى مدينة غزة حيث كان يرافقه من مدينة خان يونس الحاج موسى الصوراني عضو الهيئة العربية العليا الى مدينة غزة ومنها الى مدينة بئر السبع ثم الخليل محررا بذلك كل صحراء النقب.. وعند وصوله الى مدينة الخليل انضم اليه القائد الاردني/ عبد الله التل الذي انشق عن الجيش العربي الاردني واضعا نفسه وقواته تحت امرة البطل احمد عبد العزيز

قبل أن يبدأ البطل الجهاد كان يجهز قواته نفسيا فكان يخطب فيهم قائلا: “أيها المتطوعون، إن حربا هذه أهدافها لهي الحرب المقدسة، وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا أبواب الجنة، ويضع على هاماتنا أكاليل المجد والشرف، فلنقاتل العدو بعزيمة المجاهدين، ولنخشَ غضب الله وحكم التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم…”.

بدأ أحمد عبد العزيز أول ما وصل إلى بيت لحم باستكشاف الخطوط الدفاعية للعدو، وكانت تمتد من تل بيوت ورمات راحيل في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس بالقرب من قبة راحيل في مدخل بيت لحم الشمالي حتى مستعمرات بيت هكيرم وشخونات هبوعاليم وبيت فيجان ويفنوف ونشر قواته مقابلها. عندما بدأت قوات الجيش المصري الرسمية تتقدم إلى فلسطين عرضت على أحمد عبد العزيز العمل تحت قيادتها، فتردد في بادئ الأمر لأن عمله مع المتطوعين كان يمنحه حرية عدم التقيد بالأوضاع والأوامر العسكرية ولكنه قَبِلَ في آخر الأمر.

كانت مستعمرة رمات راحيل تشكل خطورة نظرآ لموقعها الاستراتيجي الهام على طريق قرية صور باهر وطريق القدس بيت لحم، فقرر أحمد عبد العزيز يوم 24 مايو1948م القيام بهجوم على المستعمرة قاده بمشاركة عدد من الجنود والضباط من قوات الجيش الأردني.

بدأت المدفعية المصرية الهجوم بقصف المستعمرة زحف بعدها المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم، ولم يجد اليهود إلا منزلا واحدا احتمى فيه مستوطنو المستعمرة، حيث انتشر خبر انتصار أحمد عبد العزيز

اللواء احمد بيك المواوي

اللواءاحمد بيك المواوي

 

*في الوقت الذي استطاعت قوات الفدائيين بقيادة البطل أحمد عبد العزيز من تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة فقطعت الكثير من خطوط اتصالاتهم وإمداداتهم، وساهمت في الحفاظ على مساحات واسعة من أرض فلسطين وفي يوم 11/6/1948  قبلت الحكومات العربية الهدنة مما أعطى للصهاينة الفرصة لجمع الذخيرة والأموال وأعادت تنظيم صفوفهم. حيث قاموا باحتلال قرية العسلوج (وكانت مستودع الذخيرة الذي يمون المنطقة ) لقطع مواصلات الجيش المصري في الجهة الشرقية وفشلت محاولات الجيش المصري الذي دخل إلى ارض فلسطين يوم 15/5/1948 لاسترداد القرية فاستعانوا بالبطل أحمد عبد العزيز وقواته التي تمكنت من دخول هذه القرية والاستيلاء عليها. حاول بعدها الصهاينة احتلال مرتفعات جبل المكبر المطل على القدس حيث كان هذا المرتفع أحد حلقات الدفاع التي تتولاها قوات أحمد عبد العزيز المرابطة في قرية صور باهر، ولكن استطاعت قوات أحمد عبد العزيز ردهم وكبدتهم خسائر كثيرة.

 القائد المصري أحمد عبد العزيز يفاوض القائد موشي ديان واقفا لرفضه الجلوس معه إلي طاولة واحدة

القائد المصري أحمد عبد العزيز يفاوض القائد موشي ديان واقفا لرفضه الجلوس معه إلي طاولة واحدة

* بعد اعلان الهدنة وقبول الحكومات العربية لها توجه البطل احمد عبد العزيز الى القاهرة عبر القطار. حيث كانت بطولات قوات المجاهدين بقيادته قد وصلت الى ابناء الشعب المصري العظيم عبر تقارير المراسلين الحربيين المرافقين لهذه القوات وقوات الجيش المصري.. حيث اخذت هذه البطولات والانتصارات بألباب وعقول ابناء مصر الذين ما لبثوا ان توجهوا الى محطة السكك الحديدية بالقاهرة لاستقبال بطلهم العائد من الحرب المقدسة وما ان استقل سيارته حتى قامت حشود الجماهير من الشعب المصري برفع سيارته وهو بداخلها.. كان مشهدا عظيما وخالداً لفت نظر السرايا (الحكومة المصرية) وكذلك الضباط الاحرار حيث اصبح احمد عبد العزيز يمثل خطرا على كلاهما فالاولى وهي السرايا ليس من مصلحتها ظهور شخصية وطنية قائدة فذة بهذه الدرجة قد تقوم بأدوار تهدد استقرارها وكذلك اصبحت هذه الشخصية منافسة قوية لتنظيم الضباط الاحرار الذي يعد العدة للانقضاض على السلطة وازاحة النظام الملكي.

السيد عبد الرحمن الفرا وعلى يمينه اللواء احمد فؤاد صادق قائد الجيش المصري بعد المواوي وعلى يساره الاميرلاي مصطفى الصواف الحاكم العام لقطاع غزة فيما بعد

السيد عبد الرحمن الفرا وعلى يمينه اللواء احمد فؤاد صادق قائد الجيش المصري بعد المواوي وعلى يساره الاميرلاي مصطفى الصواف الحاكم العام لقطاع غزة فيما بعد

وما ان عاد بطلنا الى ارض فلسطين وفي يوم 22/8/ 1948 دُعي أحمد عبد العزيز لحضور اجتماع في دار القنصلية البريطانية بالقدس لبحث خرق الصهاينة للهدنة، حيث حاول معه الصهاينة أن يتنازل لهم عن بعض المواقع التي في قبضة الفدائيين، لكنه رفض، وأتجه في مساء ذلك اليوم إلى غزة بناء على دعوة قائد الجيش المصري اللواء احمد بيك المواوي  حيث مقر قيادة الجيش المصري لينقل إلى قادته ما دار في الاجتماع. وفي طريقه إليها بصحبة اليوزباشى صلاح سالم أطلق الرصاص، فأصابت إحداها أحمد عبد العزيز فاستُشهد في الحال.

 

 

 

نصب تذكاري لذكرى4جنود مصريين سقطوا في معركة الفالوجا عام 1948 بما في ذلك أحمد عبد العزيز

نصب تذكاري لذكرى4جنود مصريين سقطوا في معركة الفالوجا عام 1948 بما في ذلك أحمد عبد العزيز

* بعد استشهاد البطل احمد عبد العزيز وبعد صدور قرار مجلس الامن بالهدنة استطاعت فلول العصابات الصهيونية اعادة ترتيب اوضاعها حيث وصلت اليها كميات كبيرة من الاسلحة المتطورة بالاضافة الى استلامها جميع مخازن الاسلحة والذخائر لقوات الانتداب البريطاني على فلسطين والتي انسحبت بعد انتهاء الانتداب يوم 14/5/1948… حيث قامت هذه القوات بعمل هجوم معاكس على اماكن تموضع الجيوش العربية وعلى ضوء ذلك كله صدرت اوامر الانسحاب الى الجيش المصري من مدينة أسدود حتى حدود مصر مع فلسطين (رفح) الا ان القائد الجديد للجيش المصري اللواء احمد فؤاد صادق تمرد على هذا القرار وقٌدر له الحفاظ على المنطقة التي سميت فيما بعد قطاع غزة.. اما الجيش الاردني والعراقي الذي وصل حتى شاطئ مدينة ناتانيا على ساحل البحر الابيض المتوسط  فقد انسحبت قواتهم من مناطق اللد والرملة وناتانيا وما حولها حتى حدود ما سمي بعد ذلك بالضفة الغربية.  لقد تحدث المجاهد عبد الرحمن الفرا لابنائه عن تلك الفترة بأن قال لهم بأن احمد عبد العزيز بقواته من المجاهدين المصريين والمغاربة والاردنيين ومعهم المجاهدين الفلسطينيين كادوا ان يحرروا فلسطين ويقضوا على فكرة انشاء دولة اسرئيل لولا الهدنة وخيانة وضعف الدول العربية في ذلك الوقت.

 

صورة السيد عبد الرحمن الفرا وعلى صدره وسام ميدالية حرب فلسطين والمرسوم الخاص بذلك

صورة السيد عبد الرحمن الفرا وعلى صدره وسام ميدالية حرب فلسطين والمرسوم الخاص بذلك

المراجع:

  • الفرا ، عبد الرحمن ، يوميات عبد الرحمن الفرا بخط يده، (1936- 1962).
  • المبيض ، سليم عرفات ، يوميات المجاهد / عبد الرحمن الفرا “أبو اسعد” ، سنة 2012 – مطبعة الأرقم – غزة، أربعة أجزاء
  • موقع ويكابيديا ، أحمد عبد العزيز (عسكري)

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2_(%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A)